Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

مجلتى

الصفحة الرئيسية
الصفحة الأولىكتاب العددمقولة العددفرص ذهبيةشعر وأدب
صورة العدد اضحك كركر
إعلانات

بريد المجلة
أخبار 
مواقع تهمك 

 

كتاب العدد

5 السنة الأولى 2003 مارس   آخر تحيث للموقع فى 07-04-2003

مع كل عدد جديد سأقوم بنشر كتاب صغير أو مقال أو حوار يشتمل على موضوع جديد في مجالات مختلفة كل مرة, فعلى من يرغب في نشر موضوع خاص له فليرسل للموقع وسيلقى موضوعه الاهتمام الكافي, وكما قلت سابقا الموقع منكم وإليكم فنرجو منكم إبداء الرأي

كتاب اليوم مقتطفات من  "مفهوم الحب في الإسلام" عن لقاء تليفزيوني مع الشيخ يوسف القرضاوي

المقدمــة
نناقش اليوم موضوع "الحب" هذه الكلمة الصغيرة المبنى الكبيرة المعنى التي تهتز لها أفئدة العاشقين وتلهج بذكرها ألسنة العابدين المبتهلين ويوصي بها الأطباء والمصلحون ويسعى الدعاة إلى الله إلى غرسها في نفوس المسلمين أفراداً وجماعات، الحب هذه الكلمة الساحرة ذات الظلال الرقيقة في النفس الإنسانية هل يعكس الإسلام فهماً خاصاً لها؟ وهل يعترف الإسلام بعاطفة الحب على أنها واحدة من أهم الدوافع الإنسانية والمحرِّكات الفعَّالة في السلوك الفردي والجماعي؟ وهل يعاني المسلمون حقاً من أزمة في المحبة جعلت الإنسان لا يفهم إنسانيته على وجهها الصحيح؟ أم أن المسلمين هم أكثر شعوب الأرض صفاء وإنسانية؟ هل يعاني الإنسان في بلادنا من فقر مدقع إلى الحب يعجز فيه عن العطاء والنمو والتواصل مع أسرته ومجتمعه ومع الآخرين؟ ولماذا لا ينظر الأهل إلى الحب المتبادل بين الشاب والفتاة نظرة رضا حتى وإن كان هذا الحب في إطار الشرع؟ وما هو مفهوم الحب في الإسلام وكيف تنظر الشريعة الإسلامية إلى هذه العاطفة وكيف نفهم المودة والرحمة من خلال نصوص القرآن وأحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وهل هناك حب مرغوب فيه وأنواع أخرى من الحب مرفوضة؟ ولماذا جُعلت الكراهية عملاً شيطانياً في الإسلام؟ وما هي المعاني التي تنطوي تحت عنوان عاطفة الحب في الإسلام؟ وكيف ضبط الإسلام هذه العاطفة في إطار قيود وأحكام عامة تنصب في هدف تنظيم المجتمع وإشاعة الأمن والطمأنينة في حياة البشرية جمعاء.
المقدم
فضيلة الشيخ .. الحب قد يكون ذكر هذه الكلمة عند بعض الناس لها مفهوم معين ولكن ما هو مفهومها في الإسلام؟
القرضاوي
هناك بعض الأخوة الفضلاء بمجرد أن أُعلِن عن هذا الموضوع عاطفة الحب ظنوا أنَّا سنتكلم عن الحب الذي تلهج به أجهزة الإعلام وتتحدث عنه الأغاني، عن هذا النوع من الحب، حب المرأة وحب المرأة كجسد فقط وقالوا كيف تتكلمون عن مثل هذا ولكن في الواقع هذه الكلمة ظُلِمت، كلمة الحب كلمة كبيرة ومعناها معنى واسع ولها مجالات رحبة تشمل الحياة وما بعد الحياة، تشمل حب الله تعالى وحب رسوله وحب الدين وحب الوطن وحب الأسرة وحب الناس وحتى حب الموت، فهذه الكلمة مظلومة، نحن نعلم أن الإنسان عقل وقلب أو كما يقول علماء النفس المحدثون الإنسان عقل وعاطفة، فلا يستغني عن واحدة من هاتين عقل وعاطفة وأول ما يتجلى فيه العقل التفكير، وأبرز ما تتجلى فيه العاطفة الحب، فإذا كان الفيلسوف الشهير ديكارت قال كلمته الشهيرة: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، نستطيع أن نقول "أنا أحب إذن أنا موجود"، فالعاطفة معبرة عن الإنسان كما أن العقل معبر عن الإنسان، فالإنسان كيان مزدوج فيه هذا العقل المفكِّر وفيه هذه العاطفة الشاعرة والخطر في أننا نجعل هذه الكلمة مقرونة بالمرأة وبجسد المرأة، فأنا أريد أن أقول أن الذين قيَّدوا معنى الحب ومفهومه بهذه العلاقة الخاصة التي يتغنى بها المتغنون هؤلاء ظلموا مفهوم الحب ومعنى الحب، نحن نريد بهذه الحلقة في الحقيقة أن نشيع معنى الحب في الحياة كلها، أكثر ما تشكو منه حياة الناس في عصرنا هو الأنانية أن كل إنسان يريد أن يعيش لنفسه لا يحب الناس بعضهم بعضاً، غلبت العرقية وغلبت النفعية وغلبت الأنانية على الناس، فنريد إشاعة المحبة بالمفهوم العام، الذين ظنوا أن هذه العلاقة مقصورة على هذا الجانب بين الرجل والمرأة ظلموا الكلمة وظلموا مفهومها، فالإنسان فرد وأسرة ومجتمع وأمة والفرد عقل وعاطفة وجسم وروح والعاطفة ليست عاطفة الحب فقط، بل عاطفة الحب وعاطفة البغض وعاطفة الرغبة وعاطفة الرهبة وعاطفة الرجاء وعواطف كثيرة، حتى لو قلنا عاطفة الحب.. حبي لمن؟ حب الله وحب رسوله وحب الدين وحب الوطن وحب الناس وحب الخير أنواع من الحب وحتى لو قلنا حب المرأة، المرأة من؟ المرأة بنتاً والمرأة أماً والمرأة أختاً والمرأة زوجة، فليس حب المرأة مقصور على حب ما يسميه علماءنا الأقدمون "عشق الصور" أنه يعشق صورة المرأة ويعيش لهذا فقط، لا .. معنى الحب معنى أكبر من هذا، فإذا أردنا أن نتحدث عن الحب فلابد أن نتحدث عن الحب في مجالاته المختلفة وبأنواعه الكثيرة حتى نعطي الكلمة حقها.
المقدم
أنواع الحب.. نحن ذكرنا أن هناك حب يتعلق بحب الإنسان لنفسه وأحياناً حبه لأسرته وربما تتسع دائرة الحب، الحب دوائر لتشمل أفراد المجتمع ثم تتسع بعد ذلك لتشمل المجتمع الإنساني بصفة عامة وقد ترتقي من حب الإنسان إلى حب الكون الذي يعيش فيه بل قد يرتقي إلى حب القيم والأخلاق والمبادئ وقد تسمو به إلى حب الله عز وجل .. فضيلة الشيخ ما هي العلاقة بين هذه الدوائر؟
القرضاوي
هذه الدوائر يؤثر بعضها في بعض، أول ما يُطلب من الإنسان المسلم أن يحب الله عز وجل، هذا هو أعلى أنواع الحب وهذا هو أول من يستحق حب الإنسان، الإنسان يحب الله عز وجل حبه للجمال لأنه مصدر كل جمال في هذا الكون وكل ما في هذا الكون من حسن وجمال هو من الله تعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه) صنع الله الذي أتقن كل شيء، كما قال المنفلوطي: أن الشاعر يرى الجمال في كل شيء، نحن نقول: المؤمن يرى جمال الله في كل ما خلق، فيحب الجمال ويحب الكمال ويحب الإحسان لأن الإنسان مغمور بإحسان الله من قرنه إلى قدمه (وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها) فأول ما يجب أن يحبه الإنسان هو حب الله تعالى ولذلك القرآن لما ذكر الحب، ذكر حب الله قبل كل شيء، لا يذكر الحب بين الرجل والمرأة إلا مرة أو اثنين، إنما القرآن يقول (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حباً لله)، (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) والأحاديث كثيرة، النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل وقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: "وماذا أعددت لها؟" قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام غير أني أحب الله ورسوله، فقال: "أبشر أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرح الصحابة بشيء فرحهم بهذا الحديث لأنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يكونون معه إن شاء الله، فحب الله وحب رسول الله بصفته أنه هو الذي جاءنا بالهداية هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور هو الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، نحب رسول الله كما قال "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" حب الطبيعة نفسها فالإنسان يحب الطبيعة لأنها خلق الله وهي مصدر الخير للإنسان ومصدر النعم للإنسان ربنا مهَّدها للإنسان جعل الأرض فراشاً والسماء بناء وجعل الأرض ذلولاً حتى الغربيين لما يتحدثوا عن الطبيعة يقولوا لك: قهر الطبيعة، كأن الطبيعة هذه عدو له وهو يريد أن يقهرها، لا الإنسان هناك مودة بينه وبين الطبيعة، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء من إحدى الغزوات وظهر جبل أحد قال لهم: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه" انظر إلى هذه العبارة الرقيقة مع أنه قد وقعت بجواره معركة وخسر فيها المسلمون، فحب الطبيعة وحب الحياة، المسلم يحب الحياة ولا يعتبر الحياة مثل ما اعتبرها ماني الفيلسوف الفارسي القديم كان يعتبر الحياة شراً والعالم شراً ويجب التخلص من هذا الشر بالتعجيل بفناء العالم بعدم الزواج وبعدم الاستمتاع بالحياة لينتهي الناس من شر الحياة، لا .. المسلم يرى العالم خيراً ويرى أن كل يوم يعيشه لن يزيد المؤمن من عمره إلا خيراً ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نسأل الله الموت، قال: "لا يتمنى أحدكم الموت" لضر نزل به ولكن يقول "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كان الوفاة خيراً لي" بل أكثر من ذلك الإنسان يحب الموت، الإنسان المسلم لا يخاف من الموت لا يعتبر الموت شيء مجهول أو يعتبره عدم فبعض الناس يظن أن هذا الموت هو عدم صرف وفناء محض
المقدم
كيف نوفق بين حب الحياة وحب الموت وبالذات الموت في سبيل الله كما في بعض الجماعات الإسلامية التي ترفع شعار "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
القرضاوي
الحياة مرحلة لابد منها ولكن لابد أن تنتهي بالموت، حينما يأتي الموت المؤمن يرحب به كما قال يحيى بن معاذ

الذي يقرِّب الحبيب من الحبيب

لا يكره الموت إلا مُريب فهو

القرآن يقول (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) لو كان الموت عدماً لم يخلق، الموت مرحلة انتقال كما قال الشاعر:

من المنـزل الفاني إلى المنـزل الباقي

وما الموت إلا رحلة غير أنها

لا تظنوا الموت موتاً إنه ليس إلا رحلة من ها هنا، فحتى الموت يحبه الإنسان، معنى هذا أن المسلم عنده قلب كبير وعنده عاطفة واسعة جداً تسع الكون بأرضه وسمائه وتسع الناس، يحب الناس، يحب الخير للناس، كل الناس يحب الخير للمسلم ولغير المسلم، وحتى للإنسان وللحيوان، فهذا القلب الرحب وهذه العاطفة الواسعة تشمل الوجود كله، فهذا هو معنى الحب، ثم حب الناس، فحب الناس هذا أنواع يبدأ بأن الإنسان يحب لنفسه الخير فلا مانع ولكن لا يصل إلى درجة الأنانية أن يحب نفسه ولا يحب أحداً إلا نفسه، لا .. لأن هذه هي الأنانية القاتلة إنما أنا أحب نفسي ولكن مع حب الناس من حولي، أحب أسرتي أحب أولادي أحب زوجتي أحب إخوتي، أحب أقاربي بل أحب الناس جميعاً، الله تعالى يقول (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) أنا أفكر أن الأرحام هنا ليس فقط الأرحام وهي أقارب الإنسان من أسرته بل الأرحام الإنسانية لأنه يقول (الذي خلقكم من نفس واحدة) فهو يتكلم عن الناس يخاطب الناس، فهناك رحم إنسانية واشجة، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام في دبر كل صلاة يقول "اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة" الأخوة بين العباد والأخوة تتضمن معنى المحبة.
المقدم
الحب كلمة من حرفين وهي علاقة بين جهتين وعقد بين طرفين، سواء كان بين عبد ومعبود أو بين خلين أو بين رجل وامرأة، المهم أنه عقد بين طرفين فما هي الشروط التي ينبغي توفرها في هذا العقد لكي يستمر وتستمر معه المحبة والمودة؟
القرضاوي
الحب أنواع ومراتب وأعظم أنواع الحب هو الحب في الله، يعني أن يحب الإنسان غيره لا لمنفعة ولا لشهوة ولا لقرابة ولا لخدمة أدَّها له ولكن يحبه لله، معنى يحبه لله أي يحب هذا الإنسان لأنه رجل صالح لأنه رجل مؤمن لأنه رجل على خلق لأنه رجل ينفع الناس لأنه رجل يقدم خيراً للإنسانية فيحبه من أجل هذا من غير أن ينال منه أي نفع ولذلك جاء في صحيح مسلم أن رجلاً أراد أن يزور رجلاً فأرسل الله له على مدرجته ملكاً في الطريق في صورة رجل وسأله: أين تذهب؟ قال: أريد أن أزور أخي فلان، قال: ألقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال: أفبنعمة له عندك؟ ـ أي قدم لك خدمة فأنت ذاهب لتكافئه، أي خدمة بخدمة وإحسانا بإحسان؟ ـ قال: لا، قال: فما الذي .. قال: أحبه لله، قال: أبشِر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه، هذا التحاب في الله والذي جاء فيه الحديث "رجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه" اجتمعا على الحب في الله وتفرقا على الحب في الله، وهؤلاء يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث القدسي: "وجبت محبتي الذين يتحابون من أجلي ووجبت محبتي للمتبادلين من أجلي ووجبت محبتي للمتزاورين من أجلي" فهؤلاء الذين يتحابون من أجل الله هم الذين جاء في ذكرهم القرآن الكريم (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الناس يوم القيامة الأصدقاء الأخلاء الذين كانت بينهم في الدنيا مودات وكانت بينهم علاقات وصداقات للأسف يوم القيامة يتعادون، يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً وكل واحد يقول للثاني: أنت اللي وديتني في داهية وأنت فعلت بي كذا، كما قال الله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا وليتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بعد أن جاءني) فالإنسان يُضِل الإنسان يحبه في الدنيا ويوم القيامة يصبح عدواً له، المسلم يحاول أن يصطحب الإنسان الذي تظل محبته وخلته ومودته له طوال الحياة بل تصحبه في القبر بل تصحبه يوم القيامة وتُظله في ظل الله يوم لا إلا ظل ظله، وهذا جاءت فيه أحاديث شتى، والنبي صلى الله عليه وسلم كما روى أبو مالك الأشعري قال "إن من عباد الله من ليسوا بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم من الله عز وجل" فقام رجل أعرابي من قاصية القوم ـمن بعيد ـ وألوى بيده وقال: يا رسول الله صفهم لنا ـ جلِّهم لنا فمن هم هؤلاء الناس الذين ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم ويتمنى الأنبياء والشهداء أن يكونوا في مكانهم؟ ـ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله عز وجل على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لعلى نور وإنهم لعلى منابر من نور يخاف الناس يوم القيامة وهم لا يخافون ويفزع الناس وهم لا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" هذه المعاني الناس يحب بعضهم بعضاً لله أي ليس لدنيا ولا لأغراض ولا لقرابة ولا لأي شيء هذا أعلى أنواع الحب، فنحن نُرغِّب في هذا ونحرِّض الناس على أن يصلوا إلى هذه المرحلة فإن لم يكن فعلى الأقل هناك أقل المراتب هي سلامة الصدر من الحقد والغل والحسد كما قال الله تعالى (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا) أن يكون صدره صافياً طاهراً والغل والأحقاد هذا الحقد الأسود هو مدمِّر، بعض الناس تحمل هذه الأشياء وتعيش بها وهذه الكراهية مدمِّرة النبي عليه الصلاة والسلام سماها داء الأمم "دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".
المقدم
فضيلة الشيخ لو انتقلنا إلى موضوع الحب بين الشباب أو بين الرجل والمرأة ما حكم هذه العلاقة؟ هل الحب في الإسلام جائز شرعاً؟
القرضاوي
الحب في الإسلام جائز بشرط ألا يسعى الإنسان إليه فلا يقول: أنا قررت أن أحب، يعني لازم أشوفلي واحدة أحبها، ويقعد يعاكس في التليفونات، لا .. الحب هو الذي يفرض نفسه على الإنسان، هو يسعى إلى الإنسان ولا يسعى الإنسان إليه، ولذلك نجد عشاق العرب والذي يقولوا عليه الحب العذري وهو الحب العفيف الطاهر هؤلاء مثلاً قيس وليلى كيف أحبها هي بنت عمه يراها وهي خارجة ورائحة ترد الماء، وعاش في الصبا يراها فتعلق قلبه بها، كذلك عنتر وعبلة أو كُثيِّر وعزة أو جميل وبثينة، هؤلاء لم يسعوا إلى العشق، بعض الناس الآن يفكر أنه لازم يحب والبعض يقولوا لك، لابد الزواج يكون عن حب، لا .. ليس لابد، أنا قرأت دراسة وبالإحصائيات قالوا إن أسعد أنواع الزواج وأكثرها استقراراً ما كان على الطريقة التقليدية، يعني الواحد يروح لأهل الفتاة أو تأتي أمه أو أخته أو نحو ذلك تقول عن فلانة بنت فلان، ويسأل عن أوصافها أو نحو ذلك ثم يروح يخطبها والشرع هنا يحبذ أمراً كثيرا ما تركه الناس وخصوصاً في منطقة الخليج وهو الرؤية "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" يؤدم وهي قضية الائتدام والائتلاف، الألفة والمودة التي ذكرها القرآن (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) هذه المودة تأتي بالعشرة وبحسن العشرة تأتي مودة ليس بالضروري أن تصل إلى مرتبة الحب أو العشق أو الغرام أو الهيام أو الصبابة أو التولّه والتتيُّم، العرب ذكروا للحب مراتب وجعلوا لكل مرتبة منها لفظة من غنى اللغة العربية فإذا الإنسان مثلاً بنت الجيران كان يشوفها منذ الصغر وكذا وتعلق قلبه بها، الإنسان لا يملك قلبه، القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، واحد يشتغل في مؤسسة من المؤسسات وهناك زميلة معه يراها كل يوم ورآها إنسانة نبيلة ومحتشمة وملتزمة وليست عابسة ولا لعوباً ورأى من أخلاقها وأعجبته صورتها فتعلق بها قلبه، فلا تستطيع في هذه الحالة أن تمنع القلوب أن تتحرك، فإذا تحركت القلوب فمن حق الإنسان أن يحب إنما لا تحجر على الإنسان ولا تسعى إليه سعياً لأنك تسعى إلى بلاء إذا ابتُليت به فالإنسان يحاول أنه يبتعد فإذا ابتلي لابد أن نساعده على هذا ولذلك جاء في حديث ابن عباس "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح" أي مثل الزواج وذلك لأن جماعة جاءوا شكوا للنبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: عندنا ابنة تقدم لها اثنان رجل معسر ولكنه شاب ورجل موسر ولكنه شيخ وابنتنا تهوى الشاب وإن كان معسراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "لم ير للمتحابين مثل النكاح" أي لا علاج للمتحابين إلا أن يقترنا بهذا العقد الشرعي الزواج "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح" مثل الزواج ومثل هذا الرباط المقدس.
مشاهد من بلجيكا
سؤالي: إنني أحب كل النساء، فكل امرأة جميلة تدخل قلبي بالرغم من أني متزوج وأب لثلاثة أطفال، فماذا أفعل؟
القرضاوي
هل سيتزوج كل النساء! عليه أن يغض بصره فالحل هو غض البصر الشاعر يقول:

لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

وأنت إذا أرسلت طرفـك رائـداً

ولا عن بعضه أنت صابر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه

فالحل كما يقولون

ومعظم النار من مستصغر الشرر

كل الحوادث مبدأها من النظر

فالحل في هذا أن يغض البصر ولا يقعد يحملق في كل امرأة يراها ويتعلق قلبه بها، فهذا ليس إلا شراهة من الإنسان لأنه لا يستطيع أن يتعلق بها، ومن الجائز أن تكون هذه المرأة متزوجة كيف ينظر إلى امرأة غيره فهي واحدة لا يستطيع أن يتزوجها ولا يقدر أنه يتزوج إلا امرأة واحدة فالحل في غض البصر.

المقدم
فضيلة الشيخ .. لو وقعت الآن مشكلة شاب وشابة وقعا في الحب، كما تفضلت فضيلتك الحب هي عاطفة لا يملك الإنسان لها حذفاً أو دفعاً الحل الأمثل كما تفضلت في الزواج، لكن نظرة المجتمع .. المجتمع ينظر إلى الشخص المحب على أنه ارتكب جريمة ودائماً نجد أن الأهل لو علموا أن ابنهم يحب فتاة أو ابنتهم تحب فتى يحاولون قصارى جهدهم أن يفرِّقوا بينهم فهل هذا التصرف سليم وما السبيل لمعالجة مثل هذه القضية؟
القرضاوي
هذا التصرف موروث من العرب من قديم، العرب من قديم كانوا لما يعرفوا أن واحد أحب ابنتهم وخاصة لو كان شاعراً وشبَّب بها يعني ما الذي حرم قيساً من ليلى؟ أنه ملأ الدنيا شعراً:

ويرحم الله عبداً قال آمين

يا رب لا تسلُبنِّي حبها أبداً

ونحو ذلك، وشعره الهائل الذي ملأ الآفاق وسادت به الركبان في البوادي، فعمه منعه من الزواج منها فهذا يبدو ميراث قديم، إنما لو أننا نحكِّم الشرع في هذا، مادام لم يحدث شيء مخالف للشرع، هو ممكن أن يحدث حب ويكون معه مخالفة أنه يختلي بها وتختلي به هذا لا يجوز، أن يقعدوا يتكلموا في التليفونات من وراء أهليهم هذا لا يجوز، أن يحب امرأة لا يحق الزواج منها لأنها متزوجة مثلاً، مثل القرآن ما ذكر لنا امرأة العزيز أحبت سيدنا يوسف وشغفها حباً فلا يجوز لهذه المرأة أن تحب ولا يجوز للواحد أن يحب امرأة رجل آخر إنما إذا كان حباً مشروعاً وليس فيه خروج عن قوانين الشرع وقيمه فينبغي أن نفعل ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أنه "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح".
مقتطفات الكتاب مأخوذة دون تحريف أو إخلال بالمعنى من موقع الشيخ القرضاوي منشور تحت عنوان "مفهوم الحب  فى الإسلام" بتاريخ 25-04-1999 م.
 

 
 
 
 

بداية الصفحة

مجلتى كتاب العدد مقولة العدد فرص ذهبية شعر وأدب
صورة العدد إضحك كركر إعلانات نغمات تعليقات الزوار
بريد المجلة أخبار مواقع تهمك الموقع الرئيسى سجل الزوار