Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!


الزائـرة

جاءت كالعاصفة تطرق الأبواب
و أنا ماكث في خلوتي
أحملق في وجه العذاب
أجمع ما تبقى من ذهني المشتت
في مسـالك اليأس...
اعد العنـاكب وأطيـاف السـراب

جاءت لتنقذني من أحلك أوقات الركود
حيث الليل و الوحدة وأحـاسيس الصدود
وجحافل الأحزان متربصة بي
تجمع من حولها المآسي بالحشود.
تناور قلبي وتذكي نار الحيرة
بطبـول اليأس التي تدوي
من حولي كالرعود.

لم يكن لي بد من فتح تلك الأبواب
فلعله زائر الليل يوزع الأنس بالأكواب
أو لعله طـارق يبحث لليله عن ضياء
أو عابر سبيل يحتاج إلى بعض الماء
لكن جسمي صار ينزف عرقـا،
يرتعد، تخترقه رعشة باردة
كالسهم في رداء.

لملمت نفسي و حملت قلبي الوجل السقيم...
فحفرت في تلك العتمة الكثيفة كالسد يم
سردابا مشيت فيه نحو الباب أهيم
لأجدها هناك بذلك الوجه المرح الوسيم
واقفة أمامي مشرقة
كالقمر الجميل لما يزين
حلكة الليل البهيم.

وجدتها بالباب ككل شيء ثمين مستعاد
وعيونها الداكنة الغارقة في لون السواد
تنغلق رموشها الوارفة كالسنابل
لما تهوي ثقيلة على الأرض في أيام الحصاد
و ذاكرتي المسكينة ليس في أركانها
من الماضي إلا أفراحا، ضئيلة، هزيلة، متقادمة
أصاب سوقها الكساد.

ومن دون سـابق إشعـار
ابتسمت في وجهي الكالح بسمة
لم أتبين ملامحها فقد كنت محتار
ذكرني وجهها القادم من الماضي بأحداث
لم يعد لها في ذاكرتي أي اعتبار
ألقت بنفسها بين أحضاني دفعة واحدة
و من عينيها يشع وابل من الإصرار.

ولأنها لم تتكلم بل لم تستطع الكلام
اختطفت عيناي من وجهها المشرق نظرة
تجاوزت الشوق و الحنين و الهيـام
وقوافي القصائد الطويلة العـصمـاء
بين شفتيها المنغلقة على شكل برعم
وردة ساحرة قرأت سعـادة الأمس
تتحول الى أشبـاح بأردية حمراء.

على كاهلي الممزق بالنسيان حملتها
فادلهم السقف الأبيض وغابت العناكب
و تشتت في الضباب بيوتها.
أحسست كأنه قد أصابني دوار
فتوالت آهاتي، الحقيقي منها و المستعار
و تأكد لي أنه لابد من فتح تلك الأبواب
و النوافذ... و حتى الجدار!

سلمت نفسي للزائرة وحاولت طي النسيان
ولا زال قلبي في خلوتي
يصارع النوم و الهذيان
ولكن للأسف الشديد انتصر الاثنان.

باتت تحدثني بكلمات
فائقة الروعة و الرونق و الحنان
بلسان ذو لوثة أعذب من صوت الكروان
و أنا بين كل الذي يجري
ممزق بين الأمس و الغد و الآن
طفقت تحدثي عن السواقي و الروابي و الجنان.
في إيقاع حزين متواصل رنان.
تلاشى في أعمـاقي شعوري بضيق المكان
و أصبح اليأس لدي مثل الوقت
قد طواه الزمان.

استرسلت تحكي وإطنابها في ألحكي جميل
تحكي عن الحب الذي جربته
وعن كل ركاب من الخيل امتطيته
و عن تطلعاتي التي أحبطتها شروط المستحيل.
تحكي عن كلاب الحي التي كانت ترافقني
وعن الحمار الذي ركل صاحبه وقرر ألا يستقيل

حديثها الشيق هذا
بعث الصبا في جوانحي من جديد
و تجلد به قلبي في حربه ضد أشباح الضياع
حتى أمسى من حديد.
وهي بين أحضاني في انصياع
تحكي هادئة وديعة مثل الوليد
فهل عرفتم زائرتي والليل قرر ألا يحيد؟

و هل عرفتم كيف عرفتها من خلال ظلام الليل
وحلكة الماضي البعيد؟
من دون كثيـر شرح هي تلك التي
لا تؤمن بالشيء إذا ما ولى فات
إنها منقذتي ...و اسمها الذكريات.

تنجداد : عبد السلامي مبارك
27 فبـرايـر 2004

Poems in Arabic
N.B.:Arab {Windows} Required