Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

من «المتكئة على زهرة الجسد»

ثم لا يتذكر بل يتجلى ويهذي. هل هو يهذي أم يراهم يكتبون. لكنهم يكتبون فعلاً. يكتبون على جسدكَ أسماء المدن الحزينة، يكتبون على جسدكَ اندلاع الأناشيد. وتخونكَ الأوقات. تحاصركَ بقبائل الجمر، بمدن تعشق عذابها وبمناجل النار تحصدكَ. أتقول انكسر العرس قبل الوعد وإن الطعن في الأحلام عيد. أتقول خرج العائدون بين شتات الشمس والمدينة، حين أراكَ تفتح موتكَ على الظلمة، تُسقط وجهكَ على الأسوار. وحدكَ متسلط على الأحزان وحدكَ على الخناجر. تجمع الخيول، تمحو دمكَ، تمحو وجهكَ. وأراكَ تتسلط على الظلمة، تتسلط على الأسوار. تحفر لدمعتكَ ظلاً، تحفر لعينيكَ مكاناً في المدينة. وتأتيكَ الأوقات من الجبل الأزرق، تشحذكَ بوشم الريح. يسرقكَ الوطن الى عينيها، بوهج يغوى النزوح الى الجذور. وتحلم أنتَ، تحلم أنتَ حتى تموت.    

لماذا يكتبون على جسدكَ أسماء المدن الحزينة، لماذا يكتبون اندلاع الأناشيد، وانتَ خيام الدمع، وأنتَ قبائل النجوم. أية غابة تأخذ أمطاركَ للنار، تطأ همس الزبد، وما كل مدينة تمطر عذابها. أية التماعة تنقر أحلام انتحاركَ وتركض تركض في عينيكَ، وما كل امرأة تسطع فوق شفّاف الينابيع. أيّ العيون تخسر الدفاتر، تحتل أشجاركَ الباكية، وما كل جسد يحفظ أسماء المدن، وما كل جسد يحفظ اندلاع الأناشيد. وتسألكَ الأمطار عن القصائد. بأية لجة تستقبل أحلامها. وتسألكَ الشفاه أين المواعيد. وتعزلكَ الوجوه عن الظل، تغسل وجهكَ بالغيم. يسقط البحر في أيدي اللصوص، فتهذي أسراب العيون، تشرب من نزف البراكين حتى تحلم أنتَ، حتى تحلم أنتَ وتموت.         

متى يكتب جسدكَ أسماء المدن الحزينة، متى يكتب جسدكَ اندلاع الأناشيد. أية آلام تقرع بها جدار الطوفان. كمن يطير، كمن يغرق. تفيق في زهر الشعر، تبدأ مع الليل بأسراب العواصف ووفود الوهم، بين لمع السنابل البحرية وورد الغياب. كدمعة تحفر أعشاشها في ذاكرة الليل. هل تكون كمن يشطح فوق المد، تكون كمن يأتي بين القصائد. وتحلم أنتَ تحلم أنتَ حتى تموت.     كيف يكتبون جسدكَ أسماءَ المدن الحزينة والنسور تسطّركَ بين الليل والسيف. كيف يكتبون جسدكَ اندلاع الأناشيد والأبراج تتدحرجكَ بين السماء والموت. كيف... وأنتَ تتسرّبكَ أرقام الغزو، تعيدكَ الى شجر التراب تلتحمكَ بالسماء الورد تصدمكَ بفجر المواعيد... والذين وعدوا بالمدّ كيف ينجّمون فوق البحر حين تنفّس البحر. وكيف يلمعون تحت الجسد كانهيار السرطان. يفتحون الأبواب يدخلون من الجرح الى الجرح يدخلون. يشحنون الأيام بأجيال العشق وزحف العذاب. يكسرون أكمام النار قوافلَ قوافل. تغرز الكآبة في حمحمات الخيل، في غيابكَ. يضربون الخيام يدقون وتد الجمر، والحزن يعيّدون بلا أجراس ولا زينة. ويزهرون. يتجمعون من دون غيوم وبلا موعد يجيئون. يفتحون الأبواب الى الجرح، يجمعون أعشاب العناصر وبين البراكين تنجّم مطرة الحزن وتبكي وتدفأ، حتى تحلم أنتَ حتى تحلم أنتَ وتموت.                                      

 

قالوا. تكتب، هي، جسدكَ أسماءَ المدن الحزينة، تكتب اندلاع الأناشيد، تقعد بكَ فوق الصواري وتضيء. تتوغل أنتَ في أصقاعها البعيدة بين زبد المدّ، بين زبد الجزر. هي تزهر وتضيء. تجيئكَ في الوطأة القصوى على جراح الموت ثم تغيب حتى تحزن أنتَ حتى تحزن أنتَ وتموت. وقالوا. تشتهي القفز بين المرآة والبحر. تنتقي النيازكَ والفراشات، تخطو في الوشم الأزرق والكتابات. وقالوا. تستولي على الساحل، تصير الأجساد مراسي الزبد، تصير النيازك فراشات الصدى والأفراس ظلال الوقت الراكض. وقالوا. تهزّ قلبكَ بخطوط الوجه والعينين. تهزّ قلبكَ بحوافر النار، وتلطأ في عريكَ حتى تنبت ملامحكَ في الفضاء الشاسع. وقالوا. تحمل في عينيها الموت الكاشف. تعرّيكَ بين بدايات الموت وأنهار الصحراء. وتقول أنتَ. ترمي البحر بين النيازك، تحوك الدمع بين البدايات، تسعى بين المجاذيف والمطر. وتقول أنتَ. كل شيء تعرّى حتى شارف جسدها. كل شيء تقمص دمعة الصفصاف حتى صارها.                                                          

 

تصبح الخرائب خريطة عينيكَ. تغرزكَ في الأمكنة الرملية، تقرأكَ بالتياع الموج، وبينكَ وبين القبائل رمال وبينكَ وبين الوطن هزيع. يضمد جسدَكَ جسرٌ سرطانٌ هزيع. تضمّد جسدَكَ القصائد. تلتهم خرائب عينيكَ، تشعل الكتب، تسبر الأمكنة الرملية، تنهب الجسرَ السرطانَ الهزيع. وبينكَ وبين السماء غيم، وبينكَ وبين الأرض تراب، وبينكَ وبين الوطن سرطان.

 

ثم تذكّر ولم يتذكّر. رأى فقط. تسلّل الوعد الى الكتب، تسلّل الى السرطان. أخذ الجسد الى العائدين، والوطن بين الورد والخيول. قالوا. تسألكَ عشبة عن مساجد النبوءات وتتدحرج الى عتمة الينابيع. تجمعكَ الأيام بين بداية الموت وبداية الموت والمسافة لا تبدأ والمسافة لا تنتهي. تحكمكَ الأفراس البرية، تسكنكَ الكتابات والتعاويذ، تحطّكَ بين السيف والسيف. تدمنكَ أعياد العناصر بين بداية الموت وبداية الموت والمسافة لا تبدأ والمسافة لا تنتهي.                                      

تحفظ جسدَكَ المدنُ الحزينة، يحفظ جسدَكَ اندلاع الأناشيد. لجسدكَ القرية السنبلة المجذاف. لوطنكَ الملكة الرغيف العرس. فراشات تنتظر القناديل، تكتب الشفق الأحمر، تكتب الهواء الكاشف. وتقول. تستولي عليكَ كجميع جنونكَ. وتقول. تحفظكَ كجميع أحلامكَ. وتقول. توشحكَ كجميع وهمكَ. وتقول. تصطادكَ كجميع انكساراتكَ. وتذهب أنتَ تذهب أنتَ حتى تحزن هي حتى تحزن هي وتموت.