Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

من هو المخرج ؟‍

ج. توفسنجوف*

ترجمة:د.صالح سعد

------------

بدون المخرج لا يمكن للمسرح أن يعيش، فهو فقط من يقوده ويحدد معالم طريقة الإبداعي ، وهو من تتعلق به جميع مشاكل فن المسرح بلا استثناء ، فالمخرج يتحمل مسؤولية ليست  قليلة عن العرض المسرحي ، فهو المسئول عن رداءة النص، وعن الممثلين وتمثيلهم المصطنع ، وعن الجمهور عندما يضحك لمواقف لا تستدعى الضحك.

والمخرج هو المتحدث الرسمي باسم كل العاملين في المسرح ، فعادة ما يكون رأيه هو المرجع قبل أي فنان آخر، فإلى المخرج يوجه أي تساؤل حول العرض ، وهو من جانبه يلتزم بالإجابة عنه..، فالمخرج بهذا يحمل مسئولية اجتماعية كبيرة ، لكنه أيضا وفى المقابل يمتلك قدرا اكبر من الحقوق.

ولابد أن يكون المخرج شخصا موسوعيا ، يلم بالموسيقى وبالفنون التشكيلية ، وبتقنية المسرح، بل وبقضاياه وأموره التنظيمية ، والإدارية والتكنيكية. وفى نفس الوقت فانه ليس ملزما بالمرة بان يكون قادرا على الكتابة المسرحية ، وبالمثل فانه من الممكن أن يكون ممثلا عاديا ، ولا يستطيع الرسم ، أو لا يعرف العزف على أي آلة موسيقية، وربما ولهذا السبب يبدو الإخراج بالنسبة إلى الآخرين عملا شديد السهولة ، وبالتالي فمن الممكن أن يستطيع أي فنان "ممثل ، كاتب ، موسيقى" إخراج عرض مسرحي، بسهولة.. ويقوى من هذا الاحتمال ، أن هناك مخرجين عديدين لم يدرسوا الإخراج أبدا ، ولقد شهدنا اكثر من مرة ، كيف أن شخصا ما يقدم نفسه فجأة باعتباره مخرجا، ثم يقوم بإخراج عرض مسرحي ، بل أحيانا ما يصيب هذا نجاحا.  

وهكذا.. وبإيجاز.. نستطيع أن نسأل عن عمل المخرج: هل هو عمل صعب أم انه سهل كما يبدو!؟ ونجيب بأنه عمل سهل لو فهمنا الإخراج على انه (صنعه)، وهو صعب لو فهمناه باعتباره (فنا)...!

وبالطبع فان المخرج (الصنايعى) لابد له من شئ ما من المعرفة ، ولكن هل تعوض الطاقة الموهبة في حالة غيابها ، أم أنها ـ ودون مواربة ـ وقاحة، هي وقاحة غياب المعرفة المطلوبة لأداء حركة الباليه الصعبة  APLOMB، فحتى مع المخيلة المبدعة للحرفي لابد له من وجود "ذاكرة مبدعة "..، وقد يترك المخرج (الصنايعى) لدى المبتدئين انطباعا بأنه هو الخبير ، ولكن سرعان ما يتضح أن ما لدى ذلك الخبير (الأستاذ) مبالغ فيه (كالبالون)، أما نجاحه فهو دائما عند الحد الأدنى.

أتذكر انه كانت هناك قبل الثورة دار صغيرة خاصة للنشر، قامت بإصدار سلسلة عن القافية الشعرية ومعها كتيب يشرح "كيف تكتب الشعر!؟" ولكن من السذاجة ـ طبعا ـ أن نعتقد أن الشخص الذي يتعلم وضع القافية ، يمكن أن يصبح شاعرا ..

‍وهكذا ، فان سلسلة من المقالات المتتابعة ، أو الكتيبات من نوع [ كيف يجب أن تخرج مسرحية؟] ، أو حتى دورات التدريب المكثفة "في أسبوعين" والمكرسة لإعداد المخرجين، هذه كلها لا تستطيع ـ مع التسليم بفوائدها ـ أن تصنع مخرجا من أي راغب في الإخراج ، فالشخص الخالي من الاستعداد الطبيعي (الموهبة) للإخراج لن يصبح مخرجا جيدا أبدا ، وفى أحسن الأحوال ، فان طيبة القلب ، وبعض الثقافة والقدرات المكتسبة ، يمكنها أن تصنع منه (صنايعى) مفيدا، فهذا يحدث أحيانا ‍!..، ولكن الموهبة الطبيعية بدون عقل واع ، أو بدون ثقافة واسعة ، بدون القدرة على التنظيم ، والقدرة التربوية (كمعلم) ، كل هذه تعطى نتائج ليست افضل بكثير من العقل بلا موهبة !

وهنا ، فانه من غير الممكن تعليم الإخراج ، فقط يمكن مساعدة المخرج الموهوب على اكتشاف موهبته ، ودفعه نحو إيجاد حلول طرفية، مع إبعاده عن الوقوع في الأخطاء الجسيمة ، فهناك بعض القدرات الإخراجية يمكن تدريبها وتطويرها وتعميقها أو توسيع مداركها ، ولكن إذا لم يكن لدى الشخص إذن موسيقية ، فانه أبدا لن يمتلكها، وبالمثل فإذا كان الشخص فاقدا لحس المراقبة (قوة الملاحظة) ، أو عديم الخيال ، أو إذا كان فاقدا لحس الفكاهة ، وللحرارة وللشعور بالإيقاع وما شابه.. وقد ينظر شخص ما إلى تخصصنا هذا من موقع متعال وبالطبع فانه  من المستبعد أن يصدق ادعاءنا بأنه من اصعب التخصصات في العالم.

المخرج وشركاء الإبداع:

بافتراض انه لم يكن هناك نزاع حول دور المخرج ، وحول من هو الأحق بالتمييز الممثل أم المخرج ، فان الوقائع الحية نفسها ، أثبتت وبصورة دامغة ، انه وعلى الرغم من أن المؤلف المسرحي هو أساس المسرح ، وان الممثل هو هيكله الرئيسي ، الذي يحمل في ذاته ـ كانسان حي ـ ما هو كامن في جوهر النص المسرحي ، إلا أن قدر المسرح اليوم ومسرح الغد أيضا ، ليتعلق بدرجة كبيرة بالمخرج ، من حيث انه يجمع في يده اليوم كل تلك العناصر التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك مسرح.

وقد يتصور البعض أنني أبالغ في تضخيم دور المخرج ، إلا أنني اعتقد أن هذا ليس صحيحا..، فالحياة نفسها أظهرت أن وجود المخرج ، لا يبخس أي فنان آخر حقه، ولا في أي ظرف من الظروف ، لان أي مشكلة إخراجية لن تهم أي إنسان ولن تعنيه إذا لم توجد أصلا، ووسيلتها في الوجود هي بالطبع الممثل الحي.

لذا فالتأكيد على أن الإخراج اليوم هو المشكلة الرئيسية ، ليس تأكيدا ـ بالمرة ـ على تمييز المخرج في مقابل الممثل. وقد تطورت هذه المشكلة بنفسها منذ فترة ، وان كان مازال ، هناك بعض المقالات المتضمنة لنوع من الاستياء تجاه تعاظم دور المخرج .

وفى اعتقادي انه لا يوجد هناك أي تناقض ما بين المخرج الجيد والفنان الجيد ، فالتناقض والصراع عادة ما يكون ما بين المخرج غير الموهوب (المنحوس) وأي مجموعة مبدعة حيه، وهو من ناحية أخرى فيما بين المخرج الفنان والممثل الكسول الغرق حتى أذنيه في وحل (الأكليشيهات).! ولكن حتى هذا لا يعنى أن هناك صراعا بين التخصصين الأساسيين في المسرح، وهما اللذان لا يمكن لأي منهما الوجود بدون الآخر.

ولا تناقض إذن في هذا..، وإنما تبدوا أزمة المسرح بالتحديد من لحظة المواجهة بين (الحيتان) الثلاثة التي ينهض على أكتافها الفن المسرحي.. أي بين المؤلف الدرامي، والمخرج، والممثل. ويوجد في جوهر المسرح تناغم "هارموني" يجمع ما بين هؤلاء المبدعين المؤسسين للفن المسرحي ، ودور المخرج في هذه العملية المتناغمة هو كونه المقدم والقائد المنظم والموجه، ولذا كان لابد من الحديث عن مسئوليته بداية.

فالقدرة على الفهم والإحساس بهذه المسئولية [المخرج] ليست متوفرة لدى الجميع ، فبيننا من يشعر بنفسه مجرد شئ ما ، مشارك في عمل جماعي ، نتيجة انه يوجد بجواره أيضا أربعون شخصا ، وهذا لا يفهم كم مهم دوره بالذات ، استنادا على أن هذا الدور محمول ـ أيضا ـ على كتفي زميله. وبالمثل فنحن أيضا [ كمخرجين] نلقى بالمسئولية على أكتاف جيراننا ، وزملائنا، ورفاقنا، ولا نشعركما ينبغي بأهمية أن يكون كل منا ملتزما بأداء واجبه هو.

خصوصية عمل المخرج:

المسرح فن غير قابل للنقل ، فليس معنى آن يُقدم إخراج عبقري لمسرحية ما في موسكو ـ مثلا ـ ، وان يصبح من الممكن أو من السهل تقديمها بنفس الطريقة وبنفس النجاح في مدينة أخرى ، بينما تصلح قطعة الغيار الجديدة للاستفادة بها في مصانع كثيرة ، وكذا يمكن أن يعيد اكتشاف طبي جديد الصحة لمريض في خليج المكسيك ، مثلما يعيدها لمريضنا ساكن "كيروفجورد". وكذا فان الإنجازات المبدعة الجديدة لأي من المؤلفين ، يمكنها أن تثرى مسارح كبيرة أو صغيرة في بلدان مختلفة، ولكن فقط ضمن ظروف محددة جدا ، وخاصة جدا.

ومن ناحية أخرى ، فان النفط ـ وكما يقال ـ ليس بتلك المادة سريعة الاشتعال ، وانه يشتعل فقط عند درجات حرارة معينة ، وأنا لا اعرف حقيقة الأمر بالنسبة للنفط، لكنني اعرف جيدا أن الأرواح الباردة الاهتمامات، الملولة ، لن تشعلها أبدا شرارة الإبداع الحارة !

وهكذا.. فكل مسرح ، وكل مخرج مسئول عن بيته ، وان كان أيضا يقدم وهو في مكانه حلولا لقضايا عامة، قد تصل في عموميتها ، إلى حد انه عليه أن يدفع شعبا بأكمله نحو المثل الأيديولوجية العليا ، أو قد يكتفي بمحاولة النفاذ إلى قلب معاصريه لتوجيه أرواحهم نحو الجانب الحساس والرقيق فيها.

ومن وجهة نظري أن الهيكل التنظيمي [ البيروقراطي] لشئون مسارحنا ، مسئول في حدود كبيرة عن أن وظيفة المخرج أصبحت إدارية وتنظيمية اكثر مما هي إبداعية ، ففي أثناء الإعداد للعرض ، يكون علينا أن نستفيد طاقتنا كرجال مسرح في حل المشاكل التنظيمية والإنتاجية ، وهكذا ننفق عبثا القدرة التي منحتنا إياها الطبيعة على التفكير بصورة تركيبية متآلفة ، تلك القدرة التي هي أساس مهنتنا.

في كثير من العروض المسرحية التي يخرجها "ا. بوبوف" نجده يضع وبصورة ملحوظة ، معبرة ـ القبح في مركز الصدارة !، وهذا غالبا ما يحدث نتيجة أنها وحدها مهنة المخرج ، دون كل المهن ، التي تعطى فسحة للسطحية ، هذا موجود ونابع من طبيعة فن المسرح ذاته ، كفن جماعي.

في أي مجال آخر يمكن أن يحدث هذا :- يظهر فجأة شخص ما ضمن وسط ثقافي رفيع ، ووسط مجموعة من المحترفين ، ويستطيع أن يشغل ـ ببساطة ـ بينهم مكانة عالية فإذا ما هو حمل ـ فوق هذا ـ بعض المصطلحات المسرحية ، وإذا ما استطاع التقاط الوسيلة المناسبة ، فانه عموما ، وبكل سهولة ، ورضى ، يبدو كمخرج ‍!.

واقعيا: فإنه مع نص مسرحي جيد ، وممثلين جيدين ، وتوزيع مناسب للأدوار ، ومع فنان بالديكور يبدع خلفيه معقولة مناسبة للتمثيل ، ومع سير العمل (الذي لا يخرج عن كونه الإشراف على هذه العناصر الموثوق فيها ) فلابد من النجاح ! وإذن .. أي تخصص هذا ؟ وأية مهنة ؟ وبأي حق يمكن تسميته فنا !؟ فإذا ما صارت الأمور وحدث أن ناقدا ما [من إياهم] كتب عن (هذا) كلمات عظيمة ، واخذ في قراءة ما الذي حققه وما الذي لم يحققه من وجهة نظر حكم معتد به ، فلابد وأنه سيتلبسه اعتقاد مريض ، بان له علاقة ما بالفن ، ولما لا فهي ليست مجرد علاقة عادية فهو مبدع أيضا.!

وهناك فنون أخرى لابد وان يفتضح فيها بسرعة أمر نقص التخصص، أو غياب الدراية بها ، مثل الفنون التشكيلية، وفن العزف على البيانو، أو تلك الفنون المصحوبة بمخاطر كبيرة مثل فن الأكروبات.. ولكن في مهنتنا ، فإنك من الممكن أن تعيش حياتك فيها، حتى ولو لم تكن فنانا، وفوق هذا فإنه من المحتمل أن تتسلم دعوة للعمل في مسرح كبير..!!!!!

واقرر أن هذه المصيبة المؤلمة ، تمتد لتسكن في طبيعة الفن المسرحي ذاته ، تلك الطبيعة التي لا تفرض على المخرج أن يكون متخصصا ، ولذا فانه من الضروري توافر استعداد داخلي عال لممارسة مهنة الإخراج ، حتى لا تتسلق الصنعة والسطحية فوق جدار الفن.

وفى اعتقادي أننا يجب أن نعمل فورا على وضع مقاييس معينة تصلح كمفاتيح "كوديه" لقوانين الإبداع ، بحيث لا يمكن للشخص الذي لا يمتلك الاستعداد الضروري للعمل الفني ، أن يملك حق الاشتغال بمهنتنا بدونها. ونحن ملزمين بهذا العمل ، وإلا فانه من الواضح أن المهنة ـ وكالعادة ـ ستُضرب في صميمها ، في قلب العملية الإبداعية للمسرح.

واليوم وقد اصبح العمل في مهنتنا غير مجزي على الإطلاق ، فان خطيئتنا الكبرى تتلخص في أننا قليلا ما ننشغل بقضية وجودنا المصيرية.

ويمكننا أن نرى مثالا لهذا حتى في أحاديثنا كمتخصصين ، وذلك عندما يدخل بيننا شخص ما من مهنة أخرى ، ولكنه مثقف بدرجة كافية ، فانه يستطيع يسمح لنفسه بالوجود كمشارك على نفس مستوانا ، بل وعلى مستوى أعلى أحيانا ، ولتجربوا مثلا الوجود في محيط "كونسلتو" طبي ، فان اغلب ما يتحدثون عنه لن تفهموه ، بينما يستطيع الأطباء الموجودون بيننا في مؤتمر للمسرحيين ، أن يقوموا ـ وببساطة ـ بمناقشة العروض المسرحية بالمشاركة.! وإذن.. ما العلة في هذا !؟.

هذا يحدث لأننا مستغرقون في حديث عام جدا ، ولا مختلف كثيرا عن هؤلاء المشاركين في جلسات البرلمان المعتادة ، ونحن نسمح لأنفسنا عادة بتلخيص المسرحية موضوع الحديث المعين والمتخصص ..وهكذا ..ومن هنا فأننا لن نجد مفر يمتلك مقاييس عامة.، وعلى سبيل المثال فعندما حدث ذات مرة ، وأن امتدت جلسة "بليخانوف" لفترة طويلة مع أحد فلاسفة المثالية ، نشأ فيما بينهما اشتباك طويل ، لم ينتهي حتى كتب "بليخانوف" إليه رسالة يقول فيها : (إنني أنهى الخلاف معكم ، لأننا نختلف حول ما لا يستطيع شياطين الأرض التحدث عن وجوده ، فما هذا الذي يدور بيننا بحق السماء ؟! ) .

والخلاصة .. أن الشيء الأساسي بالنسبة لنا ـ حسب اعتقادي ـ يجب أن يكون هو استكشاف وتقييم المناطق الفاسدة في قضايا الإبداع الفني ...، واعتقد أننا في الوقت الحالي مازلنا بعيدين عن هذا.!

  من الضروري أن يكون المخرج قادرا على العمل مع سيكولوجية الممثل ـ الإنسان ، وهو مضطرا إلى هذا ، حتى يمكنه ـ بالاشتراك مع الممثل ومن خلاله ـ أن يوقع الصدى المطلوب في نفوس الجمهور.? وهذا العمل (أي إرسال مشاعره الفنية والإنسانية عبر مشاعر شخص آخر هو الممثل ، لكي تصل إلى شخص ثالث هو المتفرج) هو موضع تناقض وازدواج صعب ، يتطلب واعيا عميقا لسيكولوجية الإنسان وبقدراته الروحية ، فبين المؤلف والجمهور يقف وسيط هو الممثل، هذا الذي بيده أن يقرر المعيار الفني للعرض !

ما الذي تقودنا إليه الملاحظات السابقة !؟

إنه هناك حاجة ـ بداية ـ لتوجيه الانتباه نحو قضايا التخصص ، قضايا المهنة : ـ

 1- الاستعداد القتالي :

في اعتقادي انه يوجد في مهنتنا شئ ما مفتقد ـ في حدود معينة ـ ، هو ما اسميه "الاستعداد القتالي " ، ففي الحياة وفى الفن يوجد دائما ما يهمنا ، وأيضا ما يستفزنا ، وما يستدعى رغبة حماسية في الدخول والاندفاع إلى الأمام في سبيل ما نعتقده ، هذا هو الاستعداد القتالي ، الاستعداد للنصر.. هذا ما يجب أن يكون لدى المخرج .

2- الذاكرة الإبداعية :

نحن لا نقوى على الادخار [التخزين] ، ولا نستطيع أن نحمل من عرض إلى عرض بذور إبداعنا ، حرارتنا ، نار أرواحنا. فانتم اليوم [مثلا] تصنعون عرضا ما لا يستثير إعجابكم تماما ، بسبب شئ ما فعلتموه انتم بأنفسكم ، أو بقوة سبب آخر، ولكن إذا تحققت ولو بروفة واحدة ، استطعتم فيها أن تكتسبوا شيئا ما جديدا لأنفسكم ، ثم أمكنكم أن تحملوا هذا الجزء معكم إلى العرض المنتظر ، عندئذ ستقدمون للإمام..

3- النقد الذاتي:

كم هي صعبة القدرة على الاقتناع الداخلي بوجود الخطأ ، دون النظر إلى النتيجة النهائية نجاحا كانت أو فشل..! فمن الصعوبة بمكان أن تستخلص لنفسك ، بنفسك نتائج أو حجج للتصحيح، والصعوبة هنا تنشأ من حب الذات، فدائما ما تتجه بحثا عن أسباب الفشل ، إلى الخارج: إلى الممثلين أو النص الرديء ، أو حتى إلى الجمهور (ففي الأغلب الأعم نحن نبحث عن أمثال هذه المبررات) ، بينما يظل من الصعب أن نضع لأنفسنا كشف حساب عن أخطائنا نحن. وكما يقولون ليس العيب هو اقتراف الخطأ ، وإنما الخطر كله في تكرار نفس الخطأ في المرة التالية ، وهذا يعنى أننا بحاجة إلى إرادة قوية وشجاعة ، لكي ننظر بعيوبنا إلى الحقيقة ـ بأمانة ـ مهما كانت مرارتها ، ذلك لكي نتعلم منها الدرس.

4- حس التقدير:

بجانب الاستعداد القتالي (مضروبا في الإلهام) يجب أن يكون هناك نوع من حس التقدير [حساب الأرباح والخسائر] ، ففي مهمتنا وحدها يجب تقدير (موتسارت) و(ساليرى) معا [كنموذج للإلهام والصنعة] كما لا يمكن في أي مهنة أخرى ، يمكننا أن نعتبر فنانين بأكثر من موتسارت ، لأنه يجب أن يكون لدى المخرج تناغم بين الإلهام وحسابات النتائج.

5- التجربة الحياتية :

هناك خطأ شائع مفاده أن الإخراج هو حرفة (البالغين).! ، وعليه فلدينا عدد قليل جدا من أولئك الذين يعملون كمخرجين مستقلين ، والذين تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين ـ وما دونها ـ والخمسة والثلاثين عاما. فلماذا إذن نعتقد أو يجب أن نعتقد أن المخرج لابد أن يمر بطريق حياتي طويل ، لكي يملك ـ بعدها ـ حق الاشتغال بالإخراج !؟.

يقول (ستانسلافسكي): إن المخرج لا يجب أن يُربى بل يجب أن يولد مخرجا !؟

وهكذا فمن الضروري أن يتشكل لدى المخرج عبر الزمن ، الذي هو عمره ، (بارومتر) التجربة الحياتية المستعادة ، واللازم لولادة خطته الجمالية، هذا بخلاف ما هو كائن بالنسبة لغير الموهوبين من المخرجين. على أن هذا لا يمنع من أن يكون فنانا ، موهوبا ، قادرا على إبداع عمل فني حقيقي ، هذا الذي قد لا يتعدى عمره أثنى وعشرين أو ثلاثة وعشرين عاما.

وبالمثل فان طبيعة التجربة الحياتية وغناها، هو ضروري أيضا للكاتب والدراماتورجى والناقد.. ولكن (جوجول) عندما كتب (أمسيات قرب قرية ديكاناكا) كان عمره اثنين وعشرين سنة ، و(جريبيدوف) كان في السابعة والعشرين عندما كتب (صاحب العقل يشقى ) ، ولقد مات (دبرولوبوف) وعمره خمس وعشرين عاما، بينما كتب (شيللر) اللصوص في العشرين ، واخرج (ايزنشتين) [المدرعة بوتمكين] وعمره سبعة وعشرين عاما، وفى السادسة والعشرين وضع (فاختنجوف) افضل عروضه ، وكتب (الكسندر بلوك) في الرابعة والعشرين (قصائد عن السيدة الرائعة )، واصدر (شولوخوف) في الثالثة والعشرين ، الجزء الأول من (الدون الهادئ) ، وفى الثامنة عشر ألف (رحمانينوف) موسيقى أوبرا (اليكو).. قد تقولون ولكن هذه عبقريات ؟! وما المانع.. فنحن قد تعودنا النظر نحو القمم.

ولكي يستطيع (ايزنشتين) أن يخرج فلمه المدرعة بوتمكين) وهو في السابعة والعشرين من عمره كان عليه أن يحوز ثقة الآخرين فيه ، ويبدو انه كان يملك الأساسي الذي تنهض عليه هذه الثقة ، ومن المستبعد أن يكون شبابنا اليوم قد صار اقل موهبة ، بحيث لم يقدموا (الإنتاج) الضروري كأساس للثقة فيهم.! وهذا كله مهم لان الموهبة (وقد يبدو فيما سأقوله مفارقة) تذبل.. فمن الواجب والحال هكذا أن تصنع وأنت في الثالثة والعشرين شئ ما يستحق أن يسمى (تجربة) ، وليس من تلك الأشياء التي قد تندم على اقترافها فيما بعد.

وتعتبر نقطة الضعف الرئيسية لدى كثير من المخرجين هي افتقاد الطابع المميز، قد يحدث أن يظهر مثل هذا الطابع، ولكنه قد يكون شخصيا (لا فني)..!

6- التفكير العملي :

حدث لي ذات مرة أن قابلت مخرجا شابا ، راح يحكى لي بصورة رائعة ونموذجية وممتعة عن أسلوب إخراجه لمسرحية ما ، ولكن آي (إمتاع) مسرحي هذا عندما عرض مسرحيته.!، فكل ما حكى عنه من تصورات ، كان غائبا تماما عن خشبة المسرح.. مؤلم هذا.! مؤلم أن يفكر الإنسان بصورة نموذجية ، ولكن بلا فعل تطبيقي، أي ليس بواسطة المسرح.! فصديقنا يرى كل شئ بصورة أدبية [نظرية] ، لكنه وبالتحديد أمام هذا الذي يجب أن تنفتح عليه عيناه، يصبح أعمى. هذا المثال ليس مصادفة ، إنما هو مرض تقليدي شائع، مرض عدم القدرة على نقل الحلول النظرية الدقيقة والممتعة والنموذجية، عمليا على خشبة المسرح.

7- حس الفرجة :

واحدة من أهم ملامح موهبة المخرج ، والتي قليلا ما نتحدث عنها هي حس (الفرجة). فبدون هذا الحس لا وجود للمخرج أصلا ، ولو أخذنا مثالا أي مسرحية ، حتى ولو من مسرحيات الدراما [الواقعية] السيكولوجية عند (تشيخوف) أو (ابسن) ـ فلا فرق هنا ـ كل هذه المسرحيات إخراجها مستحيل بدون حس (الفرجة)، على الرغم من أن مسرحيات ابسن وتشيخوف هي من اقل المسرحيات تلاؤما مع مفهوم (الفرجة).

 سر المهنة !

والآن..ما هو المغزى الكامن في مهنة الإخراج !؟ وفيما تكمن عظمتها وصعوبتها ، بريقها وغموضها ، حدود وقوتها !؟

كما هو معروف في تاريخ المسرح ، فان وظيفة المخرج كان يقوم بها في الماضي كتاب الدراما والممثلون الكبار، فقد كان كل شئ واضحا ومفهوما.. فلماذا إذن ظهرت ضرورة المخرج.!؟ وكيف ولماذا انتزع المخرج هذه السلطة في المسرح؟

ولندع الإجابة ليقدمها المؤرخون وأصحاب النظريات المسرحية، فهم بالتأكيد سيفعلون هذا افضل منى.. لكن الحقيقة تظل هي الحقيقة.. دخل المخرج إلى المسرح ولم يخرج، أصبح هو الرئيس والمشرف على كل شئ.. والقرن العشرون هو عصر الذرة، وسفن الفضاء، والإنسان الآلي.. وهو أيضا عصر المخرجين !

في الماضي كان هناك مسرح شكسبير ، موليير ، جولدنى ، اوستروفسكى.. وفى الماضي كان هناك مسرح (كومسيارا جيفسكايا)، مسرح (سارة بارنار)، والآن هو مسرح جان فيلار، بيتر بروك، بلانشون... والسر بالطبع هنا ليس في الاسم أو التسمية، لأنهم يكتبون مثلا (مسرح مايكوفسكى) ،هكذا تسمى البناية ، لكنهم يقولون (مسرح اوخلبكوف/المخرج) ، وبالمثل يسمون مسرحا ما (المسرح الكوميدي) ، لكن الجميع يقولون:هنا كان [لمخرج] اكيموف.!

أسس عظمة مهنتنا ليست فقط في أننا نملك القدرة على، أو الحق في، تحطيم كل الحدود ، وفى نزع كل الأطر ، والإبداع بحرية وشجاعة، إنما يضاف إلى هذا الالتزام بالقضايا الجماهيرية (الوطنية)، والالتزام بسطوة الخيال وألوانه الرقيقة منها والفجة.

وجذور حرية المخرج لا تكمن في أن يفعل كل ما يرغب فيه ، أو أن يستجيب لمخيلته الخصبة في تحطيم هياكل المنصة، وتنفيذ خطة سحرية مبهرة للإضاءة الملونة، أو بالظل والنور، أو استخدام السينما في العرض المسرحي، أو الاستعانة بالأوركسترا السيمفوني، أو إدارة الكرات [الضوئية]، وإنفاق الكيلومترات من الخام، والأطنان من القطع والإكسسوارات الحديدية.! فما يحسب لعظمة مهنتنا ـ بحق ـ هو القوة والحكمة معا ، هو القدرة على ضبط النفس بوعي وبإرادة طيبة، لان حدود خيالنا قد صنعها مسبقا الكاتب، ولذا فانه يجب أن يكون مؤثما اختراقها باعتباره خيانة وغدرا بالكاتب.!

والطريق الوحيد للوفاء هنا هو ـ وبالضبط ـ شئ واحد ، شئ واحد فقط هو (نسق) المسرحية ، عالم وطبيعة المعطيات الشرطية للمسرحية، القدرة على عزف الموسيقى وليس ـ فقط ـ نوتة المؤلف ، القدرة على تمثيل عمل غريب كأنه عملي أنا، هذه القدرة هي أرفع التزامات المخرج، وأكثرها صعوبة. فالمتفرج يهمه أولا وقبل كل شئ شكسبير، دوستويقسكى، ابسن، موليير، تشيخوف، جوركى.! ولذا فان سر حرفة الإخراج الغامض، وأيضا التوفيق فيها، إنما ينحصر في كيف تتم قراءة الكاتب وفهمه وتجسيده ، وبأي قدر من العمق والمعاصرة والدقة..، عندئذ يبدأ الجمهور في توجيه اهتمامه ليس فقط نحو شكسبير، ولكن نحو شكسبير بروك ، موليير بلانشون.. وغيرهم من مصابيح المسرح.

ففي المسرح (بمعناه الحقيقي) لابد وان تتوهج تصورات الكاتب بين أصابع المخرج. والمخرج المعاصر ، لابد وان يكون افضل قارئ لكتابات معاصريه، وهكذا وفى القرن العشرين ، فان المعاني التي تنطوي عليها روعة وصعوبة مهنة الإخراج، لتتضح بالاقتراب ـ إلى الحد الأقصى ـ من تصورات الكاتب، أي من المنبع الأصلي لمعاني المسرحية، وليس باستغلال موارده الطبيعية، تلك التي ستضمر عاجلا أو آجلا، وكأنها لم تكن يوما ما عظيمة.

ومن ناحية أخرى فان الحرية الإبداعية للمخرج لا يحدها فقط الكاتب، ولكن أيضا هناك المجموعة المبدع من الممثلين، فاعظم أفكار المخرج لا تساوى شيئا، إذا لم يجسدها من خلال الممثلين ، فهم حملة أفكار الكاتب، وتصورات المخرج، وهم بهذا ليسوا فقط مجرد مؤدين، بل مبدعي العرض المسرحي.

ولدي هنا تنويه لابد من التوقف عنده ، ويتلخص هذا في أن فكرتي عن الدور القيادي للمخرج قد فهمها البعض على أنها إقرار منى لاستبداد المخرج اللامحدود. ولذا اعتقد أنه من الضروري الإجابة على هذه المقولة. أجل أنا اعتقد أن المخرج هو العمود المركزي في المسرح ، ولكن الإرادة الفنية للمخرج لا يجب أن تفهم خطا على أنها طغيان ذوقه الخاص.!

أتذكر أنني في شبابي، قد وضعت مرة عرضا مسرحيا بهدف وحيد هو لفت الانتباه إلى، كان النص والممثلون بالنسبة لي مجرد أدوات أو مواد خام، حاولت بهم أن أعلن للعالم كيف أفكر أنا فيه، وتدريجيا، وعندما أصبحت لدى تجربة وقدرات واضحة ، انتصب أمامي سؤال: هل من الصحيح أن أدعو الجمهور إلى مائدة أفكاري ومزاجي ومعاناتي،  قبل أن أتأكد مسبقا هل هم مهتمون حقا بـ (البشرية المعذبة) أم لا.؟

وباختصار فان فردية المخرج، وآرائه الفنية والسياسية يجب أن يعبر عنهم في العرض، لكنه من الواجب أن يكون قبلا قادرا على التعبير، وان يكون قد امتلك حق التعبير عنهم. فدائما يجب أن نتذكر أن الجمهور لا يذهب إلى المسرح فقط من اجل اكتشافات المخرج، أو مفقوداته، وهو لا يذهب أبدا من اجل التعرف على ابتكارها.!

ومثال على هذا حلم (ج.كريج) بممثلين (سوبر ـ ماريونيت)، الذي لم يتحقق على المسرح كما كان يعتقد ، فكما انه لن يعوضنا عن موتسارت أو شكسبير ، افضل الأعمال الكاملة اليوم، كذلك  فان اكثر (السوبر ـ ماريونيت) اكتمالا ، لن يستطيع الآخذ بلب الجمهور مثلما أخذ بلبه ممثلون عظام، أمثال ماريتنوف، ليونار دوزيه، أوفيرا كومسيار جيفسكايا، أو نيقولاى خيميلوف.

وبالنسبة لي شخصيا ، فانه أبدا لم تظهر لدى أية رغبة في التحرر من اسر النص المسرحي ، ومن الارتباط بالممثلين، ومن المسئولية تجاه الجمهور، وغالبا ما ادخل مع هؤلاء في خلاف، ولكن برضى ، كشريك وليس كعبد ، كصديق، أو أخ اكبر وليس كسيد، ولم استشعر في هذا ضررا بحريتي، على الرغم من الصعوبة الكبرى التي يتضمنها تحديد خيالي داخل إطار معين، ففي هذه الصعوبة نفسها تكمن روعة الإخراج ومتعته.

 عن ستانسلافسكي:

من بين كل المدارس المسرحية، اذكر فقط هنا مدرسة (ستانسلافسكي)، فهو وحدة من بنى منهجه على أساس من قوانين الوجود العنصري، قوانين الطبيعة. ولكن وللآسف، فان فن (ستانسلافسكي) قد تم تقسيمه ، إلى ما هو نظري وما هو عملي، فهذا الفنان الباحث بحرارة وبدن توقف (إلى حد التهور) قد تم تعميده نصيرا عنيدا لمذهب الطبيعة الكئيب. بينما وصل الأمر بتلاميذه العاقين (ميرخولد، فاختنجوف، ماردجانف وآخرين) إلى انهم طوروا تعاليمه نفسها، في نفس الوقت الذي تصوروا فيه انهم يناقضونه.! هذا لأن (ستانسلافسكي) لم يتحجر، ولو انه مازال حيا إلى اليوم، فاعتقد انه كان سيصبح اكثر المخرجين المعاصرين، معاصرة، فقوانين الطبيعة الفنية ما تزال كما هي لم تتغير، فقط هناك بعض الاكتشافات، لكنها ليست بقوانين جديدة !

المخرج ..مرآة المسرح:

أحيانا ما تعقد مفاضلة بين المخرج كوعاء جامع للطاقات الإبداعية ، باعتباره أفضل من الآخر، الذي يشع في كل الاتجاهات، على الممثل، وعلى الكاتب، وعلى الجمهور. وفى اعتقادي أن المخرج هو نقطة التماس التي تلتقي عندها زمنيا إحداثيات الفكرة الشعرية، وفن الممثل، أو الجمهور والكاتب، والممثل أيضا. فالمخرج هو تلك العدسة اللامة في بؤرة واحدة لكل مكونات الفن المسرحي، وهو كعدسة جامعة للأفضل دائما، ثم عاكسة له، فانه يصبح كوعاء يضم ويعكس أقواس قزح.!

فكما لم يكتب أحد أبدا عن الهموم الثقيلة (الرصاصية) للريف والأقاليم الروسية، كتب (جوركى) عن الجمال المنسي، وعن العالم عندما تصبح الطيبة فيه تناقضا وجوديا. وأيضا كتب (دوستويفسكى) عن شياطين الحياة المرحين، وكتب الكاتب الجيورجى (دومبازاده)، مثل هؤلاء يجب أن يكون المسرح دوما، أن يقدم للناس فرصة اكتشاف العالم. والمسرح المفتقد للمبادئ والمثل العليا للنقاء البشرى، ليس مسرحا، بالنسبة لي، ولا احب أن أخدمه أو أمارسه، فليس عندي ثقة أنه ضروري للناس، وليس عندي ثقة بأنه يمتلك أية آفاق.

خلال آلفين وخمسمائة سنة صعد فيها المسرح إلى أعلى، واعتقد الجميع انه شفى من كل أمراضه، ولم يمت، وبالفعل..

فالمسرح لن يموت.. ما بقى متماسكا اتحاد الكاتب والممثل والجمهور. أما المخرج فهو القوة الرئيسية المركزية لهذا الاتحاد، فهل هناك من لا يعتقد معي في هذا ؟

هكذا لا يعتقد الجميع..!  

 



* هو جيورجى الكسندر توفستنجوف ، وكما يشير اسمه الأول فهو من "جورجيا" التي اشتهرت بثقافة أبنائها الرفيعة وبأصولهم الشرقية التي يعتزون بها ، ولد عام 1915، وعمل كممثل ومساعد مخرج وعمره ستة عشر عاما فى مسرح الشباب بالعاصمة "تيبلسى"، ثم سافر إلى موسكو ليدرس الإخراج بمعهد "جيتيس" المعروف ، ليعود مخرجا ومدرسا بمعهد المسرح فى (تيليسى) ، ويضع عدة أعمال هامة ، تؤهله لاقتحام الساحة المسرحية فى لينيجراد "سان بيتر بورج" ، فيعمل بها أيضا مخرجا ، ومدرسا في معهد المسرح "ليجتميك" ، حتى يصل إلى درجة "بروفسور" ويرأس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد، وحتى يموت بأزمة قلبية مفاجئة فى أواخر 199.، فينهار بموته واحد من الأعمدة الأخيرة ـ وان لم يكن آخرها ـ للمدرسة الروسية العملاقة في الفن الدرامي مدرسة "الواقعية السيكولوجية" أو مدرسة "الطريقة" أو " نظام ستانسلافسكى" كما تسمى عادة ..، "ففي خلال الربع الأخير من قرتنا ، كان اسم (تفستنجوب) قد بات معروفا كواحد من هؤلاء الأساتذة القلائل الذين تعزف أعمالهم ـ رغم تنوعها الشديد ـ النغمة المميزة للفن المسرحي السوفيتي" ، هذه كلمات "ك. رونيتسكى " فى تقديمه لكتاب "مراه المسرح" لمؤلفه "ا. بوفستنجوف" ، وهو كتاب فى جزأين ، وهذه المقالة واردة في الجزء الأول منه صدرت منه طبعتان عن دار (الفن) بموسكو "198.،1984"...

وقائمة اعمال "توفستنجوف" قائمة منوعة ، وحافلة ، من التراث الدرامي الكلاسيكي الروسي الذي قامت على أساسه مدرسة "ستانسلافسكى"، اى مؤلفات "تشيخوف" و"جريبدوف" و"شولوخوف" و"شيدرين" و"دوستويفسكى"، إلى التراث العالمي عند "شكسبير" أو غيره من المؤلفين القريبين ـ آنذاك ـ إلى المزاج الأيديولوجي المحافظ في الفترة التي عمل فيها "تفستنجوف" على خشبات المسرح الروسي .