Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



"غروب"... عندما ينأى الخطو عند أسمهان الزعيم


 

غروب

 

 على وتر الريح

صار الخطو ينأى

وحيدا...بعيدا...

يشق خطاه,

يغرس ظلاله،

يعبر صفحة الوادي،

يرتل على صخب الموج

بوح الحنايا

يكنس من الذاكرة ذكراه...

 

*********************

 

كان الخطو

على هدي من خطا،

صار الخطو ينأى

وحيدا...بعيدا...

ينأى عن خطاه...

 

********************

 

تسربل الظل قرمزيا

 كتقاسيم المسا،

ندية انسكبت

من جحرها

 تهاويل السماء...

 

********************

 

ما أثقل الخطو

حين ينأى بعيدا...

ما أشرس الصمت

حين يعرج الظل

وحيدا...إلى مثواه...

 

 

1-  الانتقال من الماضي إلى المضارع

 

من جمالية الشعر ، أنه يستطيع صناعة المحال، و بناء الأضداد على مستويات متشعبة و مهولة أحيانا. هذا ما نجده في قصيدة .... للشاعرة الرقيقة أسمهان الزعيم.

 

فالزمن يختال في القصيدة متمكنا من صناعة هذا المحال عبر الانتقال بين ضفافه من الماضي إلى الحاضر جيئة و ذهابا. تبدأ القصيدة بفعل يؤسس للماضي من حيث المعنى و من حيث الصرف و من حيث الضمير.فالصيرورة تنبني على وجود حالة جديدة تحيل حالة قديمة على الانتهاء. و الفعل مصرف في ضمير الغائب و في الماضي.

 و فعل "صار" يأْتِي نَاقصا بمعنى: رَجَعَ وتحوَّلَ و هو مِنْ أخَـواتِ "كانَ". وقدْ يأتي تامّا فيحتاجُ إلى فاعلٍ وذلك إذا كان بمعنى انتَقَل نحو "صارَ الأمر إليك" أي انْتَقَل. و في القصيدة يمكن أن نجد المعنيين:

- فمن جهة، نجد الخطو يتحول من حالة التشارك و التكامل إلى حالة الوحدة و البعد "وحيدا .. بعيدا"

- و من جهة أخرى نجد هذا الخطو ينتقل من وضعية القرب إلى وضعية البعد: "ينأى"

و بالتالي يمكن إعراب " الخطو" كاسم ل"صار" أو كفاعل لهذا الفعل. وكونه ناقصا في قراءة و تاما في أخرى يساعد على تأويل هذه الصيرورة في اتجاه عمق قساوة ما سيقال فيما بعد و من ذلك صعوبة البعد و الوحدة.

و يستمر الانتقال من الماضي إلى المستقبل عبر تصريف الأفعال اللاحقة في الزمن المضارع: ينأى، يغرس، يعبر، يرتل، يكنس.

 

2-   وحدة الموضوع:

 

 انقسمت القصيدة إلى أربعة مقاطع. و نلاحظ أن كلمة "الخطو" التي هي الكلمة الأساسية

في القصيدة تكررت في ثلاثة مقاطع وغابت في المقطع الرابع. و في كل مرة يظهر هذا "الخطو" بصيغة مختلفة. فنجده أولا ككينونة ماضية: فهو في الماضي، كان في وضعية ايجابية بالنسبة للشاعرة التي تقول أنه " كان على هدي من خطاه". و هذا توصيف يبرز وجود إتلاف بينهما، مما يدفعنا للتساؤل عن الكينونة الحقيقية لهذا "الخطو" : هل هو خطو فعلا؟ أم هو مجرد كناية عن كينونة أخرى غير معلنة؟

ثم نجده ثانيا في حالة حاضره يتحرك و يشكل حوله عوالمه في ارتباط وثيق مع الطبيعة: " ظلال ، الوادي، صخب الموج، الظل". فهو" ينأى، يشق، يغرس، يعبر، يرتل ،يكنس" ليكون في حركة تجعل منه كائنا حيا بكل المقاييس.

و نجده أخيرا كنتيجة لواقع كان هو السبب في إيجاده. فيصير في الأخير موصوفا بالثقل و تصحبه الشراسة. ويصير إلى "مثواه"، و هي كلمة لا يمكن أن ننزع عنها حمولة الموت.

        و يأتي المقطع الثالث من القصيدة ليكسر الظهور المباشر للظل، و يبدله بنائب عنه هو "الظل" . وفي القصيدة فالظل هو نتاج الخطو: " يغرس ظلاله".

 

3-   الحركة  و الحركية:

 

يتميز الجو العام للقصيدة بسيطرة الحركة .و هي حركة تتخذ شكلين :

أ- حركة في اتجاه الحياة:

و تتشكل في المقطعين الأول و الثالث. حيث نرى الخطو يتحرك لكي يبني عوالمه الإيجابية . فهو:

"يشق خطاه,

يغرس ظلاله,

يعبر صفحة الوادي,

يرتل على صخب الموج

بوح الحنايا"

 يتحرك مرة كفلاح و مرة كملاح و في كلتي الحالتين فهو يعمل لينتج شيئا ايجابيا. ثم يفوض صلاحياته لأحد منتوجاته ليواصل الظهور بشكل ايجابي دائما:

"تسربل الظل قرمزيا

 كتقاسيم المساء,

ندية انسكبت

من جحرها

 تهاويل السماء"

 

ب‌- حركة في اتجاه الموت:

و تتموضع في المقطعين الثاني و الرابع.فالخطو "كان" ثم "صار" أي "لم يعد" و "لم يبق" كما كان. و صيرورته هي في اتجاه الوحدة و البعد لدرجة أنه لم يعد هو هو ذاته كما كان ، لأنه صار " ينآى عن خطاه" بعدما فقد هداه.

"كان الخطو

على هدي من خطاه,

صار الخطو ينأى

وحيدا...بعيدا...

ينأى عن خطاه..."

و نراه في نهاية القصيدة يتجه و قد أصبح ثقيلا نحو عوالم "الصمت الشرسة" ليستقر وحيدا في "مثواه"

"ما أثقل الخطو

حين ينأى بعيدا...

ما أشرس الصمت

حين يعرج الظل

وحيدا...إلى مثواه..."

 

4-  الوحدة و التعب الروحي

يسيطر جو رهيب من الوحدة و التعب الروحي على القصيدة. و تتخذ الوحدة هنا وجهان: وجه أول يشكله غياب وجود "أي آخر" في المحيط الزمكاني للشاعرة/ الخطو؛ فلا وجود في القصيدة لكائن حي. الشيء الذي لا ينفي وجود حياة متحركة، داخل فضاء القصيدة، لكن في اتجاه الموت و العدم. و وجه ثان يشكله البعد و التباعد الذي يمارسه الخطو على ذاته و على نفسه. فكلمتي " وحيدا" و"بعيدا" تكررتا ثلاث مرات في القصيدة. و ما يثير الانتباه و يعمق الشعور بالوحدة كونهما ترافقتا في المقطعين الأول و الثاني بنفس الترتيب لتبتعدا عن بعضهما ولتغيرا ترتيب ظهورهما في المقطع الأخير. مما يجعل القصيدة تبدأ و تنتهي بالوحدة التي تضم بين ثناياها البعد و التباعد.

و ينضاف الى الوحدة شعور بالتعب الروحي يؤكده "بوح الحنايا" و "تهاويل السماء". و يقوي التعبير عنه استعمال اسم التفضيل مرتين، مسبوقا في كل مرة ب"ما" التعجبية: " ما أثقل الخطو" و "ما أشرس الصمت". و يكفي معنى كلمتي "الثقل" و "الشراسة"  للتعبير عن قوة هذا التعب الروحي و الداخلي.

 

5-   الموسيقى الداخلية

اعتمدت القصيدة على بناء سلس تناسجت فيه التركيبة النحوية للجمل الفعلية بأصوات الحروف لتشكل كلا متماسكا. فكل الأفعال المستعملة في القصيدة تعبر عن حركة و عن حركية منسجمة و هادئة: " يشق، يغرس، يعبر، يرتل، يكنس، ينأى، تسربل، انسكبت، يعرج"؛ فباستثناء فعل "شق" الذي فقد قوته باستعماله مجازيا في "شق خطاه"، كل الأفعال تعبر عن حركة هادئة. و جلها (7/9) يبتدئ بالياء – الحرف الرخو- مما يجعل الموسيقى التي تخلقها الجمل القصيرة التي تأخذ طابعا هادئا و لكنه حزين.

و تتشكل الموسيقى كنغمات متجددة و متواصلة يربطها استعمال القافية ب"اه" في "خطاه" و "ذكراه" ثم "خطاه" مرتين ف"مثواه". و يسيطر على الموسيقى الداخلية للنص صوت "السين" و الصاد" اللذان تكررا ثلاثة عشر مرة، بالإضافة إلى صوتي الياء و الهاء اللذان تكررا معا اثنان وعشرين مرة.

 

6-   خلاصة

 

يمكن اعتبار قصيدة أسمهان الزعيم " على وتر الريح" صرخة هادئة، أو أنينا مسموعا يعزف في صمته الهادر الحان الرحيل و الابتعاد. هي أيضا شكوى مبحوحة أو لنقل أيضا مقبورة لا تريدها الشاعرة أن تكون واضحة المعالم حول حالة نفسية ( شخصية) أو اجتماعية (عامة). فالخطو يتشكل ككائن تسري عليه قوانين الحياة من حضور و رحيل و غياب. فهل يكون الخطو كائنا بشريا..؟

 


 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات