Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



الموقف والمحطات

                      قراءة في قصيدة "سمفونية الرحيل" للصديق زين العابدين اليساري


 

 

 

        ترتبط الكتابة عند زين العابدين اليساري بالموقف. فمن خلال القصيدة الفصحى أو الزجل نجده دائما يؤسس لعلاقاته بالعالم من خلال صراع مفتوح على كل الاحتمالات لا تهمه الهزيمة أو الانتصار، وبقدر ما يهمه الموقف، وكأنه يقف مطلا على مشارف الواقع كمشاهد من جهة، وكمساهم فاعل من جهة أخرى.

      ومن خلال قصيدته "سمفونية الرحيل"... !" يواصل اليساري تموقفه من ذات /خصم لا يعبر عنه مباشرة حتى لا تلطخ القصيدة بهويته المرفوضة، أو حتى يبقى باب التأويل مشرعا.. وما أكثر خصوم الشعراء !

       وسنحاول في قراءتنا لهذه القصيدة الوقوف عند ثلاث محطات رغم أن القصيدة مفتوحة على قراءات أكثر تعددا وزخما.

1- الزمـــن.

       تتكرر عبارة "بالأمس كنت" ثلاث مرات إلى ثلاثة مقاطع مختلفة الحجم. والملاحظ في هذا التكرار أن فعل الماضي الناقص يتكرر مرتين ثم يترك مكانه لحالة ناقصة بدورها: "بالأمس كنت وكان لي"، "بالأمس كنت شبه واقف" فليس هناك وقوف تام بل هناك وقوف ناقص، شبه وقوف وكأن الرحيل رحيل أبدي امتزج فيه الماضي بحالة النقصان. وحتى عندما يذكر الشاعر المستقبل فانه يربطه بحالة الموت.

غدا أموت

وعلى قبري تزهر

الأيادي باللهب

        الغد مرتبط بالموت، و الازهرار يتم على القبر ولا يكون إلا باللهب، فالنار حالة ثقافية على حالة الموت وهو يؤكد أن سمفونية الرحيل هي سمفونية للموت. فالفعلان "أموت" و"تزهر" المصرفان في المضارع هما الوحيدان في القصيدة اللذان يعنيان فعلى الزمن المستقبل بينما كل الأفعال الأخرى رغم كونها في المضارع فهي تحيل إلى الزمن الماضي لارتباطها بفعل كان الماضي الناقص.

      في القسم الثالث والأخير من القصيدة ينفي المضارع بلا النافية.

لا تحرقه..

لا تلغيه

زخات المطر

و ينضاف إلى ذلك وجود أفعال في الأمر:"غني... غني أكثري" ومعلوم أن الأمر يمثل زمنا يمكن أن يتحقق فيه الفعل أو لا يتحقق.

       هذا الانطلاق من الماضي إلى المستقبل يجعل العنصر الشعري يمزج بينهما ليدفعنا كقراء إلى الوقوف عند الحاضر، وهو زمن الشاعر وزمن موقفه، خصوصا وأنه يبدو كمن يحكي في انه عن ماضيه ويحاول تصحيح المستقبل الذي يتطلع إليه.

2- الإحـــالة:

      تحيل قصيدة اليساري إلى رمزين مختلفين، بل متعار ضين يشكلان قطبين متضادين، وهما المتوج وفيروز.

أ- المتوج:

            يستحوذ المتوج على واحد وعشرين شطرا من القصيدة، وهو ما يمثل أكثر من نصفها. هذا الاستحواذ العددي يساهم في شرح خطورة هذا المتوج الذي يطرح في القصيدة كموضوع سلبي لكنه خطير لمجموعة من الاعتبارات.

-       أولا:           يلامس شغب الموج

                     في انكماش الخريف

         يرتبط حضوره الأول بالخريف، فصل الموت وهذه التيمة ستتكرر بشكل آخر في الأبيات التالية، لتشكل حضورا مهما يرافق هذا المتوج لينزع الشاعر عن الحكم صبغة الحياة ويجعل الحركات التي ليست سوى ملامسة، ترتبط بالموج الذي طالما قتل، والخريف الذي يشهد كل مرة يعود فيها موت ما كان في السابق اخضر.

-       ثانيا:               يوقف النزيف

                        بالنزيف

تذكير آخر بالموت، وبالتحديد بالطريقة التي يأتي بها هذا الموت. بطيء يضيف فداحة أخرى إلى تهتك هذا المتوج المراوغ المقاتل.

-       ثالثا:                  يفتش في صدري

                          عن صاج

                           للخطب الفائحة بالاشتهاء

         يلبس المتوج في هذه اللحظة ثوب قضاة التفتيش. ونتساءل: ألا يريد الشاعر هنا أن يضع علامة استفهام حول انتماء هذا المتوج، هل هو فعلا من نفس فصيلة الشاعر ومن نفس العشيرة أم هو غريب قريب –كما سنشير فيما بعد- قريب بانتمائه غريب بطبعه؟

               يفتش في الصدر يصل إلى أعمق الأعماق محاولا حرمان المفتش (بفتح التاء) من إحساساته الداخلية مشكلا بذلك أقصى الاعتداءات و الخروقات عندما يبحث حتى في المسكوت عنه.

                و عماذا يبحث؟ عن صاج ليطبخ فيه العبارات التي سيصطاد بها ضحاياه خصوصا وأن خطبه فائحة بالاشتهاء وتدعو الضعاف لتناولها. ونعرف جيدا ماذا أصبحت، عندنا، تعنيه كلمة الطبع كلما تعلق الأمر بتنظيم ما أو بعلاقات المسير بالمسير (بجر الياء ونصبها).

-       رابعا:                     يخيط البياض..

                              ثوب كفن..

                               لهيكل العراء

                يعود الشاعر إلى ربط المتوج بالموت فبعد القتل، ها هو يستعد للدفن ويخيط الكفن وكأننا أمام المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" مما يشجع على وصف المتوج بالمنافق، وتبدو الضحية ضعيفة جدا. فهي هيكل وهي عراء وهي محتاجة للثوب الذي يخيطه المتوج لتستر عورتها –كلمة تقترب في تركيبها وتجانس كلمة العراء.

-       خامسا:                   يغلق الأسوار

                              في وجه الغريب القريب

                              لئلا يتسرب الهواء

              يظهر المتوج في احد أدواره الأساسية وهي المنع الذي يصل إلى الضروريات التي لا غنى للإنسان عنها، وأهمها الهواء. ويبرز طباق كلمتي الغريب والقريب وجمعهما. وكأن الثانية نعت للأولى، مدى جبروت هذا المتوج الذي لا يسلم من طغيانه عدو ولا حبيب.

-       سادسا:                 يصنع له الظل

                           صورة..

                            في الهديل.

            هذه هي المرة الأولى التي لا يكون فيها المتوج هو الفاعل.. ورغم ذلك فهو المستفيد من الفعل لأنه هو الذي يحصل في الأخير على نتاج الصنع. لكنه صنع، وأن بدا ايجابيا في ظاهرة، لا يخلو من قدح. لأن هذا المتوج لن يكون إلا صورة سوداء كالظل تتمطط لتكبر فترهب، وتصغر فتضيع في ذاتها كما يفعل الظل عند الزوال.

           وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا الوقوف عند الحمولة المعجمية لكلمة الهديل التي تحمل معنيين، الأول: صوت الحمام وهو بعيد عما يريده المعنى لعدم ارتباط الصوت بالصورة. والثاني: "الرجل الكثير الشعر، وقيل هو المتلبد الشعر الذي لا يسرح رأسه ولا يدهنه- ورجل هديل: ثقيل".

         وبذلك أليس هذا المتوج ثقيل الظل، ثقيل الطبع؟

         ونستخلص من هذا الختام أن الشاعر قد بدأ يعد العدة لإزالة التاج عن رأس المتوج والإطاحة به. استعداد سيجعله ينادي على الإحالة الثانية لتساعده في مهمته هاته.

ب: فيــروز

         لان فيروز تظهر كرمز ايجابي فإن الشاعر يسرع لكي يحقق معها تواصلا أوليا بواسطة القول لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الطلب:

قلت لفيروز:

يا فيروز غني للغياب

يا فيروز غني أججي مشاعر الغضب

           يتكرر اسم فيروز ثلاث مرات ليبدو جليا إلحاح الشاعر على تواجدها لا كصوت للغناء فقط ولكن من أجل غناء هادف. فالشاعر يريدها أن تغني للغياب، لمن غابوا ومن سيغيب ولمن غيب وللتغييب الذي فرضه المتوج، فيؤكد طلبه للغناء مرتين على تبني مواقف ايجابية، تبدأ بتفاعل مشاعر الناس مع الواقع المرعب المرفوض لتصل إلى الغضب وهو الحالة الأولى للرفض. هذا الرفض الذي سيأخذ طابعا اعنف بعدما يتم تأجيجه ليصبح نارا:

        اشعلي النار

        واكثري من الحطب

         لا يكتفي الشاعر بالنار العادية، بل يريدها نارا مستعرة قوية تعادل في قوتها جبروت المتوج. وقد يبدو هذا الموقف متطرفا إلا أن الشاعر يسرع فيطمئننا على أنه الموقف الذي يجب اتخاذه في الظروف التي يواجهها، ويعلل قائلا:

        فوجه الليل

        لا تحرقه..

        لا تلغيه

        زخات المطر.

         فلكي يتم إحراق المعتدي يجب أن تكون النار مستعرة بحجم الرعود القوية لا بحجم زخات المطر ويمكن أن نستشف منها دعوة إلى شرح الموقف النضالي الذي لا يجب أن يكون عبر محطات متفرقة كزخات المطر بل يجب عليه أن يكون في قوة النار التي يراقبها مشعلها و يتعهدها بالإكثار من الحطب لكي لا تخبو أو تقل قوتها.

3- القـافـيــة:

           يساهم البناء الخارجي للقصيدة في دعم المعاني التي تحملها. ونقف هنا لدراسة القوافي التي اعتمدها الشاعر،وللبحث في ترابطها مع المضمون العام للنص الشعري. نبدأ بالقافية المربعة والتي تمتد عبر كل المسافة النصية لتضمها من بدايتها (السطر الثالث) إلى نهايتها (السطر الخامس قبل الأخير)، وتتكون من الكلمات "خشب، اللهب، الغضب، الحطب"، وهي كلمات بنفس الوزن وتنتهي بالصوت الصامت الانفجاري {ب} الذي يصدر من الشفاه لتستنبط أن القصيدة قبل أن تقال فهي على طرف الشفاه وكأنها كانت تنتظر الفرصة لتخرج مدوية كما هو حرف الباء. أما عن معنى الكلمات المكونة لهذا الرباعي فيمكن جمعها في حقل دلالي واحد يرتبط بالنار كمعنى حقيقي ومجازي، مما يؤكد لنا دعوة الشاعر إلى إحراق هذا المتوج عندما يتأجج الغضب ويشتعل الحطب والخشب ويقوى اللهب.

          وتنتهي القافية الثانية بحرف الفاء المستمر ليستمر النزيف وعودة الخريف، ويظل الموت حاضرا بقوته المعهودة. أما القافية الثالثة فتنتهي بالهمزة المجرورة، وكلماتها تنتهي بدورها لحقل دلالي واحد يتجه في اتجاهين متعارضين. فبقدر ما تحمل كلمات "الاشتهاء والعراء والهواء" من معنى ايجابي تحمل أيضا معنى سلبيا. فالاشتهاء أمر ضروري لتناول شيء ما (مادي على الخصوص) والعراء وسيلة لإبراز الحقائق والهواء ضروري للحياة. والعكس ممكن فالاشتهاء والعراء يرتبطان بالمسائل الزائلة التي لا قيمة لها إلا في أنها، والهواء في المفهوم العامي يعني الخواء واللاشيء لتبدو قوة المتوج كأنها لا شيء أمام الموقف الثابت للشاعر.

       أما القافية الأخيرة التي تمثلها كلمتا الأسوار والنار فتنتهي بحرف الراء المستمر بدوره كاستمرار اللهب الحارق والحواجز التي يضعها المتوج أسوار أمام الرافضين.

       نلاحظ إذن أن زين العابدين اليساري قد شحذ على كل الأصعدة قصيدته المتكونة من حوالي تسعين كلمة بما فيها العنوان، وجعلها تحمل بالإضافة إلى همه موقفه المستعد للمواجهة. فالمعاني التي يحملها النص الشعري تفوق كثافة امتدادها الفضائي وهو ما يجعلها بالنسبة لنا نصا شعريا ناجحا حقق أهدافه الفنية والأدبية والإستراتيجية.

 


 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات