Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



صرخات "الأنا" الأنثى

قراءة في قصة " قطرات من ينبوع السراب" لحليمة الإسماعيلي.


 

عندما تكتب حليمة الإسماعيلي، سواء تعلق الأمر بالشعر أو بالقصة أو بالمقالة، فإنها دائما توجه صرخة للتعبير عن موقف غالبا ما يترتب عن حالة حزن. ولا يخرج الأمر عن هذا الإطار في قصتها "قطرات من ينبوع السراب".

 

تطرح هذه القصة مشكلة صراع مزدوج تعيشه الشخصية الرئيسية في النص. صراع مع زوجها، وصراع مع ذاتها في لحظة مقاومة شديدة للماضي واليأس. فالشخصية "آية" تجد نفسها فجأة لوحدها في جو بارد يطبعه نزول المطر، تحدث نفسها عن القطيعة بينها وبين زوجها.

هذا الحوار الداخلي يدفعنا إلى اعتبار قصة "قطرات من ينبوع السراب" قصة نفسية، حيث تعمل حليمة الإسماعيلي على الدخول إلى عمق هذه الشخصية لاكتشاف الصراع النفسي الذي تعيشه كرد فعل على وضعيتها.

للتعمق في هذه القصة، نود أن نبدأ من هذا الجانب –أي من جانب الشخصية- فالقصة تتقاسمها شخصيتان، لكن بشكل غير متواز. فالشخصية الأولى، والتي يتمحور حولها النص هي شخصية "آية". وكل ما يقدمه النص حولها من معلومات يتلخص في اسمها "آية" ووضعيتها العائلية، فهي متزوجة وليس لها أولاد- وتحمد الله على ذلك، ولا يقدم النص أي شيء حول شكلها، ولا يقف إلا عند دواخلها.

والشخصية الثانية هي شخصية الزوج. وتقدم شخصيته بطريقة مختلفة حين نجد له وصفا ظاهريا، يقول النص: "هو بعينيه السوداوين، بشعره الكثيف، بسيجارته العالقة بين شفتيه بسخرية".

وإذا وقفنا عند طريقة تقديم الشخصيتين من طرف السارد، فإننا نستخلص أن هناك هيمنة للنفسي على "الجسمي" وهو ما يؤكد طرحنا بأننا أمام قصة نفسية. ولا يسعنا بذلك إلا أن نتبع صاحبة النص والاقتراب من الشخصيتين في إطار مقاربة نفسية.

"آية" هي امرأة تعاني من مشكل عاطفي-اجتماعي حيث تجد نفسها فجأة وبدون سابق إنذار في حالة خصام مع زوجها. حالة ستصل إلى نقطة اللاعودة، عندما يطلقها زوجها. هي بين الحب والكرامة. ويتكرر تأكيدها على هذا الصراع كلما تدخلت في خطاب مباشر، تقول: "لن أبكي، لن أذرف الدموع كقطرات هذا المطر.. نعم.. الآن بالضبط على أن أحمد.."، "آه لو رجع ما كنت لاهتم به"، "آه لو رجع الزمن للخلف ما كنت أحببته أو تزوجته أو حتى عرفته" تكثر آهاتها، وتسجل نوعا من الندم، لكنها لا تستطيع أن تخفي حبها المستمر له رغم كل المشاكل: "تذكرت ما توعدته به، هيهات.. توعدت، هددت، صرخت وعندما طرق بابها كل شيء اختل، حتى قلبها لم يستجب لها إنه يخفق في عنف شديد. كانت تتمنى أن يفعل أي شيء...".

أما الرجل-الزوج، فيبدو أن السارد (أو القاصة) حاول أن يظهره بمظهر اللامبالاة، بداية من "سيجارته العالقة بين شفتيه بسخرية" إلى برودته وعدم اكتراثه بزوجته: "لكنه ذبحها بقسوة حين مد يده بأظرفة وقال مغمغما: هاهي ذي رسائلك وصور..زف.. زفافنا نسيتها في درج المكتب". ويبدو بذلك كما لو أنه كان ينتظر المناسبة للتخلص من زوجته. ونسجل استعمال كلمة "بقسوة" التي تؤكد انحياز القاصة مع المرأة ضد الزوج.

يؤكد طرحنا السابق الوضعية التي يتواجد فيها السارد في معية الشخصية. ونلاحظ أن هناك تناوبا بين السارد والشخصية لسبر أغوار هذه الأخيرة. توافق يصل إلى حد ما يمكن أن نسميه "التناوب على الوظيفة" ففي بداية النص يتكفل السارد بإعطائنا الإطار الذي ستتحقق فيه الأحداث. ومباشرة يلج إلى عمق الشخصية ليقربنا من حالتها الحزينة. بعد ذلك يدع لها المجال للكلام الذي يمكن اعتباره مونولوجا داخليا. ويتسمر بناء النص على هذه الشاكلة ليتحقق التناوب بين السارد وشخصيته، لإبراز مشكلتها والآثار النفسية التي خلفتها وضعية التصادم العائلي مع زوجها. لنلاحظ المقاطع التالية:

أ-1. "حبات مطر خجولة تطرق زجاج النافذة، المطر يغسل كل شيء حولها ما عدا الحزن والذكريات"

أ-2. "هكذا فكرت آية وهي تجلس قرب المدفأة التي تبدد برودة شهر يناير.."

أ-3. "إحساس جميل ينتاب آية في هذه اللحظة (...) هكذا تشعر كلما عبر إليها صوت أم كلثوم، تلتقط مقطعا رائعا قل للزمن ارجع يا زمن"

ب-1. "لن أبكي، لن اذرف الدموع كقطرات هذا المطر"

ب-2. "إلا هي لم أحس أني باردة وقلبي كقطعة جليد غير قابلة للتذويب، في وجوده لم أكن أشعر بالبرد"

ب-3. "أم كلثوم أشكرك. ماذا لو رجع الزمن... آه لو رجع ما كنت لاهتم به"

المجموعة (أ) تمثل تدخلات السارد والمجموعة (ب) تشكل خطاب الشخصية.

في كل لحظة نجد أن هناك استمرارية لمضمون الخطاب. ويمكن أن نقول إن السارد – لأنه على علم مسبق بما ستقوله الشخصية، أو لأنه الشخصية في ثوب مغاير- يجعل من خطابه مقدمة لخطاب الشخصية. ويمكن أن نتحدث أيضا عن ازدواجية أو نوع من الانفصام عندما تشطر القاصة نفسها شطرين وتوزعهما على السارد وعلى الشخصية للتعبير عن موقف خاص بها.

هذا الموقف هو ما دفع- حسب رأينا- القاصة إلى إنتاج النص الذي بين أيدينا. فإذا كنا قد عنونا قراءتنا ب "صرخات الأنا- الأنثى"، فإننا نعرف أن اتجاه الكتابة عند حليمة الإسماعيلي يمضي في اتجاه التعبير عن موقف رافض لوضعية غير مقبولة في الحياة. لا نعتقد بأن الأمر غير مقصود بل هو مشروع يتجه نحو التكامل حول مجموعة من المواقف الإنسانية التي يأتي على رأسها مشكلة أو مشكلات المرأة.

في هذه القصة، ينقسم الصراع- كما أشرنا إلى ذلك سابقا- إلى قسمين، صراع الذات مع نفسها وصراع الذات مع الآخر. والقاصة تميل للدفاع عن قضايا الذات/المرأة، حيث تتبنى موقف الشخصية. وهاهي تضعنا أمام صراع مزدوج يتميز بمقاومة داخلية عنيفة رغم أنه ينتهي بنوع من الاستسلام. ففي البداية، ترفض "آية أن تبكي، ورغم ذلك تعرف بأن قلبها بارد وجامد، وتستمر مصارعتها لذاتها محاولة تأكيد نسيانها لزوجها، لكنها سرعان ما تسجل نوعا من التراجع عندما تجده أمامها لتعاود الإصرار على رفضه عندما يقرر التخلي عنها نهائيا لتنتهي القصة بدموع غزيرة كالمطر.

عندما نقف على المشكل المطروح بين آية وزوجها، وهو مشكل عائلي يبدو عاديا: فراق بين زوجين، فإننا لا نجد له أسبابا داخل النص، أو بعبارة أخرى، لا تحاول القاصة أن تبرز أسبابه، مما يساعدنا على تأويل ذلك بأن القضية تنطلق من خطأ للرجل، لا سيما وأن المرأة مازالت متعلقة بوضعيتها كزوجة وكحبيبة، وتنتظر من زوجها الرجوع إليها ولم الشتات وتضميد الجرح. فمقابل رغبة المرأة في العدول عن الفراق هناك إصرار للرجل عليه.

وكما هي العادة عند حليمة الإسماعيلي فإن النهاية تحيل على أن المشكل يتحمل وزره الآخر/الرجل، الذي لا يظهر في هذا النص إلا كعنصر سلبي في حياة المرأة.

 

 

 

 

 


 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات