|
كانت صرختنا في "الواقعية الجديدة" وما
زالت، رد فعل على واقع الشعر العربي المعاصر.
وسجلنا غير ما مرة أننا لسنا ضد أحد.
ولكننا ضد اللغط واللغو الذي لم يفعل إلا أن يبعد الشعر عن المتلقي،
ويفقده هويته الأصلية والأساسية. نادينا للاقتراب من المستمع والقارئ،
للتواصل، لجعل الخطاب ذا قيمة تواصلية هادفة.
انطلقنا من الواقع لنعود إليه لنكون
أقرب من الشعر ومن الشعراء ومن المتلقي لهذا الشعر. فما جدوى أن تكتب
إذا كانت قراءتك شيئا مستعصيا، أو لا يعطي أي معنى؟ انطلقنا من التاريخ
لأننا لا نريد أن نبتعد عن جذورنا التي هي الأساس في واقعيتنا.
فلماذا كان الشعر ديوان العرب؟ لماذا
حمل عواطفهم (جميل)؟ وحكمتهم (زهير)؟ وفلسفتهم (المعري)؟ وكبرياءهم
(المتنبي)؟ وحبهم لنبيهم (بن ثابت)؟ و صعلكتهم (الشنفري)؟ وتهورهم
(طرفة)؟ ومجونهم (أبو نواس)؟ وزهدهم (أبو العتاهية)؟ ودينهم (الشافعي)؟
وحبهم لطبيعتهم (امرؤ القيس والبحتري)؟ لأن الشعر لغة الأميين. ولأن
العرب الذين كانوا أميين ("ذلك لأنه ليس علينا في الأميين سبيل"، "هو
الذي بعث في الأميين رسولا منهم") ولأن أميتهم كانت أمية قراءة وكتابة
فقط. والمؤسف حقا أن أمية عرب اليوم أصبحت أخطر مما كانت عليه. لأنه
بالإضافة إلى أمية "فك الخط" ظهرت أمية المعرفة التي يسميها البعض
الأمية الثقافية.
لقد كانت الممارسة الشعرية- كموهبة أو
كصنعة- من أهم الوسائل في نشر الثقافة والوعي إلى حدود العصر العباسي
قبل أن تتحول المعطيات الثقافية في العالم الإسلامي بازدهار العلوم
والمعارف.
والدليل على أهمية الشعر في "صناعة"
الفعل الثقافي هي أسواقه المتناثرة هنا وهناك، وتأثير الشعراء في حياة
وقرارات قبائلهم وتفاعلهم السلبي أو الإيجابي مع الحكام والولاة
بالإضافة إلى وجود العديد من الاراجيز التعليمية المنظومة خصوصا في
العلوم الدينية والشرعية واللغوية.
لذلك فالشعر لغة الأميين، وبما أن
مجتمعنا مشكل من غالبية من الاميين، فلماذا لا يعود الشعر ليشغل مهمته
الأولى ليكون أداة للتواصل، ووسيلة للتعليم، وطريقة للتعبير، وغاية
للتغني؟ لأن رد الفعل الملاحظ حاليا على خطأ المشروع المعاصر في
الكتابة الشعرية، إضافة إلى انصراف الناس إلى كلمات الأغنيات الشعبية،
والشعبية جدا، أصبح هو الزجل الذي بدأ يغزو أكثر فأكثر الفضاءات
الأدبية لدرجة يمكن أن تسير به في اتجاه تحققه كبديل للكتابة الشعرية
الحالية. وهو الشيء الذي يدفع إلى الخوف على مستقبل الشعر الذي كان لغة
الأميين وأصبح الآن لغة النخبة.
|