|
تسمح الأعراف للشاعر أن يتعامل مع
اللغة بطرق لا تخولها إلا إياه. ولكن، وضمن هذه الأعراف التواصلية، لا
يكون الاستثناء هو الأصل. لأن الشاعر مطالب، رغم كل اختراقاته لمعاني
وتراكيب ومعاجم اللغة بأن يحافظ على خيط، مهما كان رفيعا، يربطه بدائرة
التواصل مع متلقيه. فالكتابة بكل أشكالها، مشروع إنساني متوحد يشترك
فيه الإنسان "المنتج" مع الإنسان "المستهلك". وهذه الثنائية قطبية لابد
منها ولا محيد عنها.
فالشاعر لا ينتج قصائده، ولا يطبع
دواوينه لنفسه ولا تسهتدف انتاجاته شخصا دون آخر ولا مجموعة دون أخرى.
بكن للأسف هذا ما طبع الساحة الثقافية عموما والشعرية خصوصا في العالم
العربي. إذا أصبح المثقفون وضمنهم الشعراء، ينظرون إلى نتاجهم كرأسمال
مادي وليس مثاليا، ويحاولون استعماله للمشاركة في الصراع حول السلطة
والنفوذ- وهو ما اسميه بالبورجوازية الثقافية. وقد دفعهم هذا إلى
التنكر للفئات العريضة من مجتمعاتهم.
ويوضع هذا التنكر طريقة التعامل مع
اللغة إذ حاول ويحاول مثقفونا وشعراؤنا التعامل بلغة تبتعد كل البعد عن
المتناول وعن اليومي في حياة شعوبنا العربية.
ولا مبرر لهذه الاختيارات سوى البحث عن
وسائل للتعالي والمباهاة. فتاريخيا لم يكن هناك سبب للنزوح عن الأسلوب
الواضح والتراكيب السليمة في العالم العربي، كما لم يكن الشأن بالنسبة
للأوربيين الذين حفل تاريخهم منذ نهاية القرن الماضي بمجموعة من
التحولات والمتغيرات، كان بعضها إحباطا للفئات المثقفة مما جعلها تبحث
عن أساليب مغايرة وغامضة و"مرضية" في بعض الأحيان للتعبير عن واقعها.
ونتساءل: لماذا أصبحت الصورة الشعرية،
كوسيلة لبناء القصيدة، كثيرة الغرابة إلى حد التيه أحيانا، وأحيانا
أخرى إلى حد اللامعنى؟ هل هو موقف سياسي؟ أم موقف ثقافي؟ أم تراه موقف
أدبي؟ لا أعتقد! لماذا إذن تداعت كل المقومات البلاغية، الأصيلة لتبني
الصورة الشعرية على التضادات والتناقضات، أو على الغموض المتطرف؟
نحن في الواقعية الجديدة لا نملك
الجواب على هذا السؤال لأننا لا نتقاسم مثل هذه الرؤية.
نحن نريد أن يكون المتن الشعري بليغا
وفصيحا. نريد أن نبني أشعارنا على أساس من الوضوح وإذا أردنا أن نبرز
التناقضات فليس على مستوى التركيب فقط بل على مستوى الدلالات والمعاني
وبذلك فإننا لا نريد أن يكون النص الشعري "سببا للقراءة أو القراءات
النقدية بل أصلا لها.
ولا يمكن للنص الشعري أن يكون كذلك إلا
إذا كان ملتصقا بواقعه.. والواقعية جديدة.
|