Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



القبض على اللحظة

قراءة في قصة "سوء تفاهم" لهشام حراك

 

 

تتميز القصة القصيرة عن الرواية بتبئيرها "الحساس جدا". بمعنى أنها تقوم على ضبط عنصر محكي بصفة متقنة جدا و منضبطة و مضبوطة جدا. و في هذا الإطار يمكن أن تقارن القصة بالصورة الشمسية و الرواية بالصورة الفيلمية. فإذا كان الامتداد يميز الرواية، فاللحظية هي ما يميز القصة القصيرة. فتعريف هذه الأخيرة باختزال طرح الشخصيات و الأحداث و الفضاءات في أقل عدد ممكن ينطلق من هذا البعد التصويري اللحظي.

و القبض على لحظة الحكي، و تحديد المسار السردي تحديدا ملتزما بآليات القصر و الدقة هو ما ميز قصة "سوء تفاهم" للقاص هشام حراك. فالقصة هاته، كلاسيكية حتى الجذور، إذ تتأسس على اللحظات الثلاث في التركيبة القصصية: البداية و المشكل و النهاية. إلا أن ما يميزها – أيضا هو أن كلا من هذه العناصر الثلاثة لا يمكن أن يطرح إلا كما أوجدته القصة موضوع المقاربة. فالبداية لا يمكنها أن تعود إلى الوراء، و النهاية لا يمكنها أن تمتد أكثر مما وصلت إليه خاتمة القصة. و هذا – بالإضافة إلى ما اشتملت عليه القصة من عناصر سنحاول طرحها في مقاربتنا هاته – هو ما منح لقصة "سوء تفاهم" أحقيتها في أن تكون عملا قابلا ومتقبلا للممارسة النقدية.

 

1-   آليات العمل القصصي:

 

رغم امتدادها القصير (حوالي 160 كلمة) فان "قصة سوء تفاهم" استطاعت أن تستغل كل آليات العمل القصصي لصالح رؤية تبئيرية مركزة، هدف القاص هشام حراك من ورائها إلى إعطاء طابع واقعي محض لعمله القصصي. فقد تشكلت هذه القصة من العناصر الثلاثة المكونة للعمل القصصي، و استطاعت أن تعطي لكل عنصر نصيبه الفاعل أي المساهم في إبراز رؤية القاص و توجهه الأسلوبي الواقعي – كيف لا وهو صاحب مجموعة "السوق اليومي"، حيث يكفي عنوان المجموعة للدلالة على هذا التوجه.

 

أ – العنصر الأول: السرد

 

يبدأ سرد "الحكاية" المتضمنة في هذه القصة عندما تدخل الشخصيتان المسؤولتان عن الأحداث في مواجهة تبدأ بالنظر إلى الآخر و ينبني السرد على العلاقة الصدامية التي ستتأسس بين هاتين الشخصيتين من خلال مجموعة من الأفعال. و الملاحظة في هذه الأخيرة - أي الأفعال – أنها – كلها تقريبا – أفعال متعدية، فيكون الفاعل أحد الشخصيتين و المفعول الشخصية الأخرى: لمحته، لمحها، أجابته اتبعني، تبعها، أشار إليها، لحق بها، ابتسمت له...

هذه الأفعال المتعدية تعطي للسرد بعده العميق المتجلى في إبراز العلائق التي تنسجها الشخصيات فيما بينها و مع الواقع. و يلاحظ أن هذه الأفعال مترابطة فيما بينها حيث تبني علاقات منطقية مرتكزة على السببية و التتابع، و هذا ما ساعد القاص في بنائه "الدرامي" حيث شكل مجموع هذه الأفعال لحظة حكائية واحدة مبنية على المشاهد التالية:

1 – هو جالس في المقهى

2 – هي تنظر إليه (خارج المقهى)

3 – هو يشير إليها و هي تجيبه

4 – هما يلتقيان خلف المقهى

5 – هي تنصرف غاضبة و هو يبقى و ينفجر ضاحكا.

و يشكل توالي هذه المشاهد في مساحة حكائية صغيرة جدا ما أسميناه – بالقبض على اللحظة الحكائية و تقديمها تقديما سرديا لا يليق إلا بالقصة القصيرة.

 

ب – العنصر الثاني: الوصف

 

يتنازل السارد لشخصية الفتاة على القيام بعملية الوصف. و تتحقق هذه الأخيرة عبر رؤية الشخصية الأولى للشخصية الثانية و يتم تقديم هذه العملية بواسطة فعل "لمح". و تتم عملية الوصف من طرف الشخصية لصالحها و لصالح المتلقي: "قالت لنفسها انه يبدو شابا وسيما، و هادئا، و مهذبا، و لاحظت من خلال هندامه الأنيق أنه قد يكون واحدا من الموظفين الجدد الذين التحقوا مؤخرا بالمدينة..."

و يستمر السارد في لعبته هاته حين يوهمنا بأنه لم يسترجع دوره في الوصف و يستمر قائلا: "ابتسمت له متصورة انه سيشرع في إرسال تعابيره العذبة و المؤثرة من دون شك...كانت عيناه محمرتين و منتفختين للغاية..." حيث يمكننا من استكمال صورة الشخصية عبر نظر الشخصية المقابلة.

 

ج – العنصر الثالث: الخطاب

 

اقتصر استعمال الخطاب على مداخلتين، كل شخصية تفردت بواحدة.

قال هو: "ايوا؟..كيفاش؟ مفاهمين ياك؟

و أجابت هي: "الله ينعل اللي ما يحشم."

و المسافة بين المداخلتين عبارة عن جملة سردية تبرز تطور الموقف بين الشخصيتين.

و يأتي استعمال اللسان الدارج لتأكيد صورة الشخصيتين و انتمائهما لواقع اجتماعي لا يمكن الانفلات منه رغم كل محاولات التجميل.

 

 

        2 – مكونات العمل القصصي

 

أ – الشخصيات

 

ضبط القاص عمله القصصي من حيث المساحة و كذلك من حيث الكثافة فكان "الصراع" بين شخصيتين فقط.

شخصية الشاب: مكننا القاص هشام حراك من معرفة مجموعة من المعطيات حوله من خلال وصفه عن طريق الشخصية الأخرى، كما أشرنا إلى ذلك سابقا و نقف عند كلمتي "يبدو" و "أدركت" اللتين تشكلان بداية تشكيل الشخصية و نهاية بنائها. إذ أن الشخصية الأخرى بدأت بفرضية تستدعيها "وظيفتها" لتصل في آخر الأمر إلى إدراك استنتجته من اقترابها من شخصية الشاب و بين الفرضية و الإدراك نتوصل – كقراء – إلى معرفة الظاهر ثم الباطن من مكونات شخصية الشاب.

فهذا الأخير من رواد المقهى، و من أصحاب الهندام الأنيق الذي يضيفه إلى وسامته ليعطي عنه انطباعا يحاول من خلاله تخطي  مريديه و إيهامهم بما ليس هو؛ و كما لو أن بين العطالة و الوظيفة لا يوجد إلا فرق الهندام الأنيق. و يستمر في شماتته عندما ينهي لقاءه بالشخصية الأخرى منفجرا بالضحك. و يبدو أنه يستفيد من وضعيته المجهولة للتلاعب بالآخرين الذين يستغفلهم.

شخصية الأنثى: لا نستطيع أن نقول عنها فتاة أو امرأة، لان السارد لم يمكننا من أية معلومة مباشرة عنها. فكل ما نعرفه عنها بالإضافة إلى أفعالها و موقفها الأخير، هو تخمين الشاب حول هويتها: "فقال لنفسه: ربما تكون واحدة من بائعات الهوى المتجولات" و نستطيع أن نؤول "ربما" التي جاءت في تفكير الشاب على أن شخصية الأنثى يمكن أن تكون فتاة أو امرأة عادية في إطار البحث عن شريك و ليس عن زبون، خصوصا و أنها "انصرفت غاضبة" بعدما وبخته عندما اكتشفت سكره.

و نعتقد أن عدم تسمية الشخصيتين هي محاولة لتعميم الصورة و فسح المجال لتطبيقها على نوعيتين من الناس يحتضنهما واقع مر من البطالة و الفساد.

 

 ب – المكان و الزمان

 

يحدد قصر اللحظة المحكية في القصة المساحة المخصصة للمكان و الزمان.

فالمكان عبارة عن ثلاثة فضاءات متصلة تحدد علاقات الشخصيات و كينونتها. فالفضاء الأول هو المقهى (وهو فضاء محوري   يرتبط به الفضاءان الآخران)، و يحمل اسما ذا دلالة مهمة تؤسس للمفارقة: "مقهى الأمل"، فالجالس فيه و المتربصة على "ضفافه" يحملان داخلهما أملا في الحصول على فريسة تمكن كليهما من تغيير الواقع المر و المزري الذي يعيشانه، أو على الأقل من اصطياد لحظة متعة تنسي هذا الواقع. و قبل ذلك يشكل المقهى ملاذا لأشخاص من طينة بطل القصة، حيث يشكل مكانا مؤهلا لإمضاء الوقت (الذي لا يصلح لأي شيء سوى لإضاعته)، و الدافع ليس شيئا آخر غير البطالة.

أما الفضاء الثاني، فغير مسمى في القصة و سيشار إليه ب "من بعيد"، و يفهم من خلال السياق أنه الشارع. فالفتاة (أو المرأة) توجد في لحظة رؤيتها للشاب في مكان مقابل للمقهى، و هذا يؤكد أن المقهى بدوره جزء من الشارع إذ هو مفتوح على كل احتمالات حياة الشارع، أو هو على الأقل نافذة على الشارع و لذلك كانت النظرات قابلة للتبادل و المصيدة معدة للقبض على الآخر.

و يشكل الفضاء الثالث تجليا مهما لنوع العلاقة التي يمكن أن توجد بين الشخصيتين وهو "الحي الخلفي للمقهى". فكونه خلفيا يحيل على شكل هذه العلاقة و يصبغ عليها صفة التستر و يؤكد على عدم مشروعيتها "الأخلاقية" على الأقل. و يمكن أن نصفها باللعب خلف الستار"، اعتبارا من أن الشخصيتين تريدان من خلال ذلك الاختفاء عن الأنظار و لنقل أيضا عن الفضوليين.

لا يتضمن النص كله إلا عبارة واحدة تشير إلى الزمان، و هي عبارة "كل مساء". إشارة واحدة تساهم في تكريس رؤية العمومية التي تحاول القصة أن تبعثها في نفس القارئ كما أشرنا إلى ذلك سابقا عند حديثنا عن عدم الإشارة إلى أسماء الشخصيتين، و تساهم الإشارة إلى المساء أيضا في تثبيت صورة اللاشرعية على العلاقة التي ترغب الشخصيتان في إقامتها. فالمساء يحيل على الظلام الذي يحيل بدوره على عدم الوضوح. 

 

ج – اللغة

 

استعمل هشام حراك في قصته لغة عادية جدا. لغة تشبه في بساطتها لغة الصحافة. لغة مباشرة، خالية من كل المحسنات البديعية، و جاءت واصفة بالمقام الأول. و يلاحظ عليها أيضا أنها حاولت أن تتبنى واقعية الحدث و خلوه من كل ما يمكن أن يساهم في التجميل. و يؤكد على ذلك خيبة أمل الفتاة حينما انتظرت من الشاب أن يبدأ "في إرسال تعابيره العذبة و المؤثرة" فاللغة ارتبطت إذن ارتباطا وثيقا بالحدث و لذلك فلا عيب في أن تخلو من محسنات و من تعابير غير مباشرة و كان بإمكانها أن تكسر  مسيرة السرد القصيرة.

و بالإضافة إلى هذا و ذاك فإن هشام حراك قد حمل قصته بمجموعة من مساحات الانتظار من خلال استعمال  نقط الحذف التي لم تخل منها ولو فقرة من فقرات النص الأربع.

 

        3 – لحظة و واقعان

 

لماذا نكتب؟ سؤال عام جدا. لماذا كتب هشام حراك قصته "سوء تفاهم"؟ يمكن أن يكون الجواب بسيطا جدا كونه أراد أن يعبر عن واقع معاش، واقع يفرض نفسه فرضا، لكنه واقع مرفوض. فالقصة محاولة لجذب الانتباه إلى معاناة مستترة يحاول من يحسها أن يضمرها و أن لا يجعلها تنفجر في وجه العالم و رغم قصرها فهي تدفعنا للوقوف أمام واقعين مبنيين على خلفية المعاناة التي يحاول أصحابها طمس معالمها.

 

أ – الواقع الأول يمثله الشاب، واقع العطالة و "الجلوس بدون شغل" كما تقول العامة، واقع يدفع صاحبه ليس للانفجار و المصارعة بل إلى التزييف و محاولة إظهار ما هو بعيد عن الحقيقة.

فالملابس و الهندام و طريقة الجلوس تساهم كلها في إبراز صورة مزيفة عن الشاب. و ذاك قصده لان الصراع تحول من اتجاه المواجهة إلى اتجاه المراوغة مما يؤسس لفشل أي محاولة للقيام بتغيير هذه الوضعية.

ب – و الواقع الثاني تمثله الفتاة (أو المرأة) واقع إحباط هو أيضا، و يدفع إلى المغامرة التي لا تؤمن نتائجها. و يبرز هذا الواقع تلاعب أصحابه بالمواقف: فبين الرغبة و الرفض لا توجد إلا مسافة الانتقال من مكان إلى مكان قريب منه جدا، من أمام المقهى إلى خلفها (يكفي أن نقلب العملة على وجهها الآخر ليتغير الموقف). فعبارة "الله ينعل اللي ما يحشم" تفيد انتماءا فكريا و اجتماعيا بعيدا كل البعد عن انتماء أهل المطاردة و "الغواية"، و في هذا الإطار يمكن أيضا تأويل العنوان، فالأمر لا يتعلق فعلا بسوء تفاهم بل بتعارض في المواقف و الرغبات. لكن ما يجمع بين هذين الواقعين بالإضافة إلى الازدواجية، هو الفشل فكلتا الشخصيتين فشلتا في تحقيق ما كانتا تطمحان إليه. فشل يعيدهما إلى انتمائهما الحقيقي: فهما معا من فئة اجتماعية غير محظوظة رغم كل محاولاتهما للقفز عن واقعها بشتى الطرق المشروعة و غير المشروعة على وجه الخصوص. فئة لا يمكن إلا أن تعانق الفشل إذا ما استمرت في لعبة المراوغة "و سوء التفاهم".

 

 

 

 

 


 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات