Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



قراءات بجعدية

مقاربة لبعض القصائد التي ألقيت في ملتقى أبي الجعد

 

بعد أن نشرنا في الصفحة السابقة تغطية لملتقى أبي الجعد الأدبي الرابع، ننشر فيما يلي القسم الأول من مقاربة لبعض القصائد الملقاة في الملتقى المذكور.

سيطرت غمامة من الحزن على كل القصائد التي قرأت بأبي الجعد بمناسبة ملتقى أبي الجعد الرابع الذي نظمته جمعية البلسم. وفي إحدى الجلسات المسائية الحميمية للملتقى، كان سؤالي استفزازيا عندما قلت للأصدقاء: لماذا يهيمن الحزن على قصائدكم؟ كشاعر، كان على أن لا أطرح هذا السؤال، ولكن كناقد وكدارس وجب علي أن أزيد الجرح عمقا بالسؤال، وأن أساهم، مع من أراد ومن يريد، في البحث عن تمظهرات هذا الحزن وعن أسبابه.

من بين الأصدقاء الذين وافقوا على تزويدي بقصائدهم لمقاربتها هناك الشعراء المصطفى بن الثريا، وعياد أبلال وعبد الله بن ناجي وعبد العزيز الراي، ومحمد الشمسي، ومن خلال قصائدهم وجدت أن هذا الحزن العميق يرتبط بتيمتين أساسيتين:

1- الألم والحزن: تتعدد الأسباب لدى شعرائنا، لكن يتوحد عندهم الإحساس بالألم والحزن، حزن عميق، وألم يتجدد طالما أن أسبابه باقية ومتكررة بعمق و تجذر، هذه الأسباب تمتد من الإحباط إلى الإحساس بالظلم مرورا بالقهر والتشتت والانهزام.

هو ألم يبدأ منذ البدء، منذ الولادة ليستمر إلى النهاية أو إلى ما لا نهاية، يقول عياد أبلال:

ولدت في يوم لا أدريه

وشبت في يوم لا أدريه

كل ما أدريه أنني قضيت الطفولة

بين الوحل...

والحجر !

لا أدريات تفضي إلى الوحل. أي اندحار هذا أن تشيب دون أن تدري كيف ومتى، وأن لا تدري إلا أنك قضيت طفولة لا لعب فيها ولا راحة فيها؟ ! أليس طفلا حزينا ذاك الذي قضى طفولته يلعب فرحا (وكيف ذلك؟ !) في الوحل؟ أن يأتي الشيب بعد الولادة مباشرة فذلك يظهر مدى قوة هذا الحزن الذي رافق الشاعر إلى عتبات السجن ليصبح شجنا وضجرا:

تبدد الحلم بين السجن

والشجن..

والضجر !

أما عند عبد الله بن ناجي فيرتبط الحزن بالوفاة، حين يوازي بين وفاة الشاعر- الناطق الرسمي باسم الأمة- ووفاة الأمة، والمناسبة للتعبير عن الحزن هي وفاة الشاعر نزار قباني. يعترف عبد الله بن ناجي:

الشعر بعدك مهزوم

والقصائد مهزومة

ولغة الأعراب استسلمت

وليس لها خيار

فهل يعقل أن تعيش مدينة حراسها موتى، وأعداؤها داخل الأسوار؟!  

مقطع، أو اعتراف، يبرز عمق الجرح والأسى، حيث تتقاسم الهزيمة والموت كل الأمكنة في المساحة الشعرية. فكل بيت يحمل في طياته كلمة أو معنى للموت والهزيمة: مهزوم، مهزومة، استسلمت، خيار (منفي) عيش (لا يعقل)، موتى، أعداء.

ثم، أليس حزنا دفينا، منغرزا في الأعماق أن تصل الهزيمة إلى اللغة؟ وإذا انهزمت اللغة، فحتما سينهزم الفكر الذي تحمله، فأي عيش بعد انهزام يتغلغل إلى أعماق الأعماق؟ وأي حزن أدمي من هذا الحزن الذي حمله الشاعر الميت، ويحمله الشاعر الذي مازال يصارع بين الأحياء؟

ويبقى الحزن هو رغم أن سببه يتغير عند عبد العزيز الراي، سبب مزدوج:

تطلعت إلى الأفق

تهجت أحرف الحصار !...

ا

ل

ح

ص

ا

ر

.. وقبل أن تستغيث بسحائب

ضيف...

اغتصبها ابن السيد في واضحة

النهار...

وكأن الحصار وحده لا يكفي ليصنع المرارة في قلب "ها"- الذي لا يمكن إلا أن يكون في نفس الوقت قلب "هـ" هو أيضا، أي الشاعر –ليضاف إليه الاغتصاب، ومتى؟ في واضحة النهار. وكأن الألم لا يريد! لا أن يكون واضحا بقدر ما يختفي ابن السيد وراء اسم أبيه، ولا يدع الفرصة للمظلومة كي تستغيث. وحتى إذا استغاثت، فبمن؟ أو بماذا؟ بسحائب صيف، بأمل راحل، ولا بقاء له.

ونعود مرة أخرى إلى الموت والهزيمة، وهذه المرة مع محمد الشمسي، حيث يبرز الخصم/السبب في الحزن كجمع غائب يواجه مخاطبا مفردا:

حكموا عليك أن تغني في صمت رهيب.

يودون نفيك بعيدا عن ذاتك

يودون إعدامك بالموت البطيء.

و إخماد سرابك الوهاج.

وحمل نعشك على أكتاف اليتامى.

فالمخاطب هنا في وضعية الضعيف الذي ليس له إلا أن يقبل حكم القوي، الذي يحكم ويود ليبقى هو صاحب الإرادة، بينما ضعيفنا، الذي يحمل الشاعر همه يظل لعبة في أيدي الآخرين:

ما خيروك لكن فجأة

من بطن أمك هويت

سنوات عمرك تتساقط مسرعة

كما تتساقط أسنان العجوز

والزمن ينخر في أيامك المعدودة

كما تنخر الديدان جثث الأموات

ومرة أخرى، يبرز الموت كقوة ذات جبروت يتجاوز أخذ الحياة ليسلهم في التشويه، تشويه جثة الضحية التي مرت بالعجز لتصير جثة تهاجمها الديدان.

و "للبحر رهبته" عند ابن الثريا، فيختلط الحزن بالخوف، ويرتبط الألم بالمرواغة أحيانا:

أخاتل حلمي وأغلق الأبواب

و بالإحساس بالقهر حينا آخر عندما يمزج الشاعر نفسه بذاك الشاب الهارب من واقعه، ومن محيطه الذي لفظه في اتجاه البحر، يتألم هذا الفتى عندما:

تلسعني الأرصفة الخائنة كم مقرفا أن أنبت على جوانبها كلاما

كم مضحكا سفري التائه على الرصيف

سأمضي إلى الضفة الأخرى من البحر.

كي أتنفس.

ومما يثير الانتباه هو أن شعراءنا لا يكادون يظهرون رفضا مباشرا أو واضحا لهذا الحزن لدرجة يبدو معها أنهم ينخرطون في هذا الحزن ولو رفضوا أسبابه، لأن داعي الرفض الوحيد هنا هو كتابة الشعر والتعبير، ليصير الكلام دليل الرفض الواحد والوحيد. 

2- الوطن والامتداد:

لا حدود لوطن الشاعر، فجغرافية الشعراء تمتد إلى ما وراء المسافات ووطن الشاعر مجموعة من الآلام و الآمال التي يجري دوما ويتعب من أجل تحقيقها. ففكرة الوطن، إذن، هي إحساس بالانتماء، انتماء للمحيط القريب وانتماء للمسافات اللامتناهية للجنس والعرف والقومية والدين. هذا الامتداد يأتي تعبيرا عن الارتباط بالقضايا الوطنية والقومية.

وأهم ما في هذا الارتباط، ليس هو التبجيل والتكريم والمدح، لكنه نبرة من العتاب، وحشرجة آلم، لا موت، تؤكد على أن الشعراء يريدون رؤية وطنهم وقومهم بمنظر آخر، هذا الرفض للواقع الآني يظهر كهجرة عند محمد الشمسي:

                مهانة وحقارة وهوان

                 تهميش والظلم ألوان

                غابة ذل مصيرها الهجران

                 فهاجر أيها الحمام الزاجل

                 ليس الحمام الزاجل

ليس الحمام الزاجل إلا ذاك الانسان الذي يحمل رسالة التغيير، والذي يرى أنه غلب على امره ولم يبق له إلا أن يغادر المكان. مكان اجتمعت فيه كل السلبيات من مهانة وحقارة وهوان وتهميش وظلم وذل، وكأن الشاعر أمام هذه الفظاعة فقد كل قواه على المقاومة ولم يبق إلا الرحيل.. ولكن إلى أين؟

لكن هل الرحيل ممكن؟ فنجد الجواب سلبيا عند كل من عبد العزيز الراي والمصطفى بن الثريا، فالأول يقول:

                 كان صباحا بلا وجه

                 حين أفاقت وردة صغيرة

                على منظر الاسلاك يسيج الابصار..

ويؤكد بالتالي على أن الرحيل مستحيل لأن الكل مسيج، لتصل قوة السياج إلى الابصار بعدما تجاوزت الأحجام الجسمية، اختفت كل المناظر ليبقى منظر الحصار سيد الموقف، فحتى الحلم أصبح في قبضة الآخر الذي يمارس الحصار ويعلنه في "واضحة النهار".

والثاني يخبرنا عن مهاجر سري جعله فقدان الارتباط ب "الارصفة الخائنة" ينسى هويته:

هنا بطاقة الهوية

هنا جواز السفر

أتذكر

ملامح وجهي

أتلمس

أعيد الملمس

هل أنا من في البطاقة والجواز صورته

أم تراه سواي

هكذا تصبح بطاقة الهوية وجواز السفر رمزا بدون محتوى. وكأنه آخر خيط يربط صاحبنا بوطنه أصبح قاب قوسين من الذوبان، كيف لا وهو يؤكد:

أجمع الكل تحت أضلعي

كما الاسفنجة امتص كل الاهانات واصبر.

وإذا كان هذا الأخير قد بدأ يفقد هويته فإن عباد أبلال يستوقفنا أمام ذاكرته التي لم تعد تسجل إلا السلبيات أمام صورة الوطن. يقول:

كل ما أدريه أن وطني

حدائق..

حقول بلا شجر

هو اللاشيء إذن. فهل هناك وجود لحديقة أو لحقل بلا شجر؟ أي هواء سنتنفس إذا لم تجدده الأشجار؟

ويضيف أبلال بعنف أكبر:

كل ما أدريه أنهم في وطني قتلوا الوفاء،

والنداء..

واعتقلوا الإشارة

والرمز..

والخبز !

أي وطن هذا الذي يعج بالسلبيات، بالممنوعات، بالقتل، بالاعتقال، بغياب الوفاء، والنداء والإشارة والرمز والخبر؟ لنقل هو وطن لم يبق فيه ما يبقى فيه الشاعر!

واستمرار لهذا النهج من الرفض و التموقف أمام سلبيات صنعها "هم" في الوطن "الضيق" تأتي صرخة عبد الله بن ناجي كتأوه وتحسر لما يقع في الوطن "الضيق" والوطن "الممتد":

آه..

آه يا وطني

كم من الوقت

يا وطني؟

سؤال يبقى مشرعا لكل الأجوبة. لكنه يحمل السؤال الأبدي للشاعر: إرادة التغيير؟ وقت التغيير؟ سؤال يستمر وتوافقه كل الملاحظات:

جنودنا مدججون بالسلاح

قلوبنا مليئة بالجراح

ما الفرق يا وطني؟

ما الفرق يا وطني؟

ما تحمله الريح..؟ !

من حق الشاعر إذن أن يطرح السؤال، أن يبحث عن الجواب، أن يقدمه وأن لا يقدمه ليثير انتباه البعض وحفيظة البعض الآخر، لم لا وشعراؤنا كانوا علامة مميزة في فضاء أبي الجعد خلال الأيام القليلة جدا التي قضوها بهذه المدينة الصغيرة، بعدما أثاروا بتحركاتهم انتباه المواطنين، وبأشعارهم انتباهات أخرى.

 

 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات