Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

Lebanese Communist Students Web Community

Established on November, 16th 2002

   
Main Documents Gallery Links & Contacts Activities Downloads
   

في الزنزانة.. برفقة ابن مسؤول يساري وعميل سابق

   

إنها الليلة الأولى في الزنزانة. لم أدخلها بتهمة سياسية، للأسف، كانت التهمة: نسيان تأجيل <<الدفتر>> (خدمة العلم). فكان علي أن أقضي ليلة في السجن لأكفر عن ذنبي ولأؤدي واجب الإعتذار عن هذه <<النسوة>>.
أتقدم مع العسكري باتجاه <<المركز>>. هناك، يدخل المحقق لينظفني من الاوراق التي نسيتها في محفظتي وفي حقيبتي. التهكم سيد الموقف. فاستدرك الأمر وأخبر المحقق، أنا العارف بخبايا القانون، ب<<ألا يحق لي باتصال واحد؟>>. السخرية سيدة الموقف: <<لا هاتف لدينا>>.
انتظرنا حتى يكتمل عددنا ليقلنا الباص إلى الثكنة. في هذه الأثناء، دخل شاب الغرفة والسخرية تعلو وجهه، يجلس إلى جانبي مكبل اليدين، ومن سؤال المحقق أستنتج أنه إبن مسؤول في حزب يساري عريق. أتفاجأ: كيف لا أعرفه وأنا العالم بخبايا اليسار الشاب؟ حسناً، قد يكون رافضاً للوراثة السياسية. ومن حديثي المختصر معه، اكتشفت أنه لم يقض حياته في لبنان، وهو اليوم يدرس أيضاً في الخارج. جيد. سوف نقضي الليلة مع ابن مسؤول. لكني كنت قد نسيت قصة الاتصالات السحرية. فالمحقق الذي، منذ قليل، شدد على احترام النفس وعلى كون القانون فوق الجميع <<هنا>>، بادر الشاب ابن المسؤول بهدوء: <<تفضل معنا>>. يا إلهي! لم يمض على دخول الشاب أكثر من عشر دقائق وها هو يبتعد بسيارته وربما لن يعود أبداً إلى هذا البلد. أبدأ بلعن اليسار وبلعن نفسي. أشعر بالإختناق.
تمضي ساعتان قبل أن تصل الدورية لتقلنا إلى الثكنة. فصل أخر من المحققين الحازمين.. العبوس هو سيد الموقف. نسلم حاجاتنا، نظرة حازمة عميقة. التخشيبة فالتحقيق فالتخشيبة مجدداً.
يدخل شاب يرتدي بيجاما رياضية دامع العينين، يجلس جانباً، يأخذ نفساً عميقاً.. آخ.. إنه شربل ، ابن إحدى القرى المحررة. كان شربل في سجن رومية يقضي فترة عقوبته البالغة ثمانية أشهر بتهمة التعامل مع العدو الصهيوني وانتسابه في جيش لحد. إنه أحدهم، أقول في نفسي. ابتسامة صغيرة تقفز فوق وجهي: <<هل كنت مقاتلاً في جيش لحد؟>>. يستنكر شربل بلطف وتلبك، <<لا، كنت أقدم القهوة وأنظف فقط>>. اتنفس بعمق. حسناً. كان يقدم القهوة فقط. <<قضيت في إسرائيل مدة سنة وسبعة أشهر ومعش قدرت حتى رجعت لهون>>. عادت الإبتسامة لتحتل كامل مساحة وجهي. يقطع الحارس الحديث، يخرجني من التخشيبة باتجاه التحقيق فالزنزانة.
<<فوت بإجرك اليمين>>. كل شيء كما توقعت: رائحة كريهة، رطوبة وضوء خفيف جداً. أحيي الشباب بحرارة علاقة يومية، ألمح شربل في الزاوية، ابتسم، أقترب منه وكانت الدموع محبوسة في عينيه. كان من المفترض أن يستعيد حريته اليوم وأهله في انتظاره في الخارج لكن القرار صدر بابقائه ليلة إضافية لا شك بأنها ستكون بمثابة ثمانية أشهر أخرى عليه. شربل لم ير قريته منذ سنتين ، هو الذي لم يخرج منها يوماً، لا يعرف شيئاً عن لبنان، لم ير بيروت يوماً. أقول له: <<بسيطة، أنا لم أر قريتي طوال عشرين سنة>>. أنظر إلى وجهه، لا أرى أي أثر لحقد.. هل أقنعني حقاً بأنه اضطر على التعامل وأنا الحاقد الكاره لكل العملاء، غير المقتنع أبداً بأن هناك من أضطر على التعامل.. أقطع أفكاري لأسأله عن <<إسرائيل>>. يتلفت بحذر، يزداد تلبكه ثم يبتسم هازئاً.. فهو لم ير شيئاً من إسرائيل. أسكنوهم في مجمعات ومنع عنهم الخروج أو التحدث مع الإسرائيليين. كان راتبه مئتي دولار في الشهر. أبتسم. <<كنت خليك هونيك>>.
بقي شربل على تلك الحال طوال مدة إقامته في إسرائيل قبل ان يطلب تعويضه الذي يرتفع ثلاثة أضعاف حجمه الأصلي إن كان طالبه يريد العودة إلى لبنان. أخذ الأضعاف الثلاثة وعاد ليصرفها طوال مدة عقوبته في رومية.
أنتبه إلى أنني أصبحت مبللاً نتيجة قوة الرطوبة والحر. أنظر إلى شباك باب الزنزانة، أقف، أتمسك بالقضبان لأختبر ذلك الشعور جيداً، أخلع قميصي، أنظر إلى شربل، كان غارقاً في صمته، أشعر بالحاجة إلى سيجارة، الرائحة تخنقني، رائحة كريهة جداً، أبتسم: حان موعد الرجولة.
نام شربل. أتأمل وجهه فألمح ضيعتي المحررة. أنتبه إلى أني لم أقل <<فلسطين المحتلة>> بدلاً من إسرائيل ولا مرة. أتذكر كلامه حول التعويض الثلاثي الأضعاف فتمر صور الأسرى وهم معتصمين أمام السراي الحكومي ولا أرى معنى للمقارنة.
أنظر إلى وجهه الغارق في عرقه فتمر أمامي صورة ذلك الشاب الهازئ بالوطن، ابن المسؤول اليساري ولا أرى مجالاً للمقارنة.
صباح الخير أيها الوطن.

احمد غصين

 

Back To Documents