Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

الأساطير المؤسسة للنشاط الصهيوني ليهود المغرب ـ أسطورة الاستلاب ـ

النشاط الصهيوني بالمغرب: الجذور والامتدادات

 أدى وجود أرضية فكرية وسط اليهودية المغربية ذات قابلية لاستيعاب الأطروحات الصهيونية وإعادة استنباتها في الداخل، إلى تبلور نشاط تنظيمي متصاعد للصهيونية المغربية.

والملاحظ أنه رغم كثافة الكتابات عن اليهودية المغربية لا نكاد نجد كتابات وافرة عن تطور النشاط الصهيوني بالمغرب، اللهم إلا من شذرات هنا وهناك، تتيح عملية تجميعها تكوين صورة عن التجليات التنظيمية والدعائية والمالية للنشاط الصهيوني.

منذ بداية القرن العشرين تتالى تشكيل الخلايا الصهيونية في المدن المغربية، ونشطت حركة جمع التبرعات المالية لصالح اليهود المهاجرين بفلسطين، كما تغلغلت الدعاية الصهيونية وسط التجمعات رغم الاعتراضات الجزئية لفرنسا، والتي كانت تتوجس من احتجاج المسلمين على النشاط الصهيوني السافر وانعكاس ذلك على جهودها الشاقة لإحكام قبضتها الاستعمارية على المغرب من جهة، وخشية حصول عملية هجرة تؤدي إلى إفقاد الاستعمار الفرنسي نخبة نوعية من الأطر اليهودية والذي رعى عملية تأهيلها من خلال مدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية، (أسست أول فرع لها بالمغرب سنة 1860)، وحصول هذه الهجرة سيحول دون توظيف اليهود المغاربة كجماعة وظيفية لصالح المشروع الاستعماري بالمغرب، هذا فضلا عن الموقف الخاص للمقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي بالمغرب.

رغم أن تسرب النشاط الصهيوني للمغرب بدأ منذ سنة 1893 مع قدوم الدكتور زيميغ سبيفاكوف (صهيوني روسي) إلى المغرب (1) فإن البدء الفعلي في تأسيس خلايا صهيونية محلية سيكون سنة 1900، وذلك على إثر المؤتمر الصهيوني الرابع (1900) عندما وعد هرتزل ببذل الجهد لنشر الدعاية الصهيونية في إفريقيا وآسيا (2)، ففي سنة 1900 قام دافيد بوحبوط (يهودي مغربي) بإنشاء "أبواب صهيون" بالصويرة (3)، وفي نفس الفترة أسس تنظيم "عودة إلى صهيون" بتطوان على يد الصهيوني الروسي ي. بارليافسكي، وتتالى في نفس السنة إنشاء خلايا صهيونية بكل من طنجة، مراكش، وأعلن في المؤتمر الصهيوني الخامس (1901) عن حصيلة إنشاء التجمعات والخلايا الصهيونية بالمغرب (4)، وظهرت بذلك ثمار تعيين الصهيوني فالينسن في مؤتمر بال كرئيس مسؤول عن الصهيونية بالمغرب (5)، وفي سنة 1903 أسست بآسفي جمعية "حب صهيون" والتي راسل رئيسها هرتزل مسائلا إياه عن دلالات الانتماء الصهيونية وهل يكفي شراء الشيكل مرة في السنة ليكون المرء صهيونيا؟ وهل ستكون الصهيونية عملا إحسانيا (6) وبسبب وفاة هرتزل في 1904 حصل نوع من الخفوت في النشاط الصهيوني بالمغرب، وذلك إلى غاية 1908 عندما ظهرت جمعية "افتتان بصهيون" بفاس، وانخرط في عملية التأسيس  للخلايا الصهيونية عدد من الأخبار البارزين وسط اليهود المغاربة رفائيل أبنسور، مورد خاي سيرينو شلومو ابن دكان، فيدال سرفاتي (7) كما أعلن  حاخام مكناس يشوع بردوكو عن تأسيس  حب صهيون، وذلك في المركزية الصهيونية المنعقدة بكلوني، وقد احتل هذا الحاخام منصب الحاخام الأكبر للمغرب في الأربعينات  (7').

مع مجيء الاستعمار الأجنبي للمغرب في 1912 وتوقيع معاهد الحماية حصل تحول نوعي دفع النشاط الصهيوني للتراجع ظاهريا، خصوصا بعد إقدام الإقامة العامة الفرنسية بمنع عقد مؤتمر صهيوني بالصويرة في 1919، (8) ومما أسهم في الموقف الفرنسي حالة الخلاف بين الصهاينة ونشطاء الرابطة الإسرائيلية العالمية بالمغرب، حيث كانت رغبة هذه الأخيرة تدفع في اتجاه إدماج اليهود المغاربة داخل وطنهم وتقوية ارتباطهم بفرنسا عن طريق التجنيس، وهو ما كان يتعارض مع الهدف الصهيوني المتمثل في إعداد اليهود للهجرة لفلسطين (9). ولئن كانت العرقلة الفرنسية قد حدت من حيوية النشاط الصهيوني، فإن الموقف البريطاني  بعد صدور وعد بلفور وقرارات مؤتمر سان ريمو، خلق مناخا محفزا عند اليهود المغاربة، حيث تكاثرت عمليات إنشاء الخلايا الصهيونية في المدن وارتفعت عمليات شراء الشيكل، كما برزت الاستعدادات الميدانية للهجرة والتي انطلقت فعليا في 1919 (10).

ويكشف الدعم الفرنسي لعملية جمع التبرعات من اليهود المغاربة لصالح اليهود بفلسطين عن أن جوهر الاعتراض الفرنسي ارتبط بمشكلة الهجرة وتثبيت الاستعمار بالمغرب، أما ما عدا ذلك فلم يكن يشكل لديها أدنى مشكل، كما أن المقيم العام الجنرال اليوطي  كان يتجنب تكرار التجربة الجزائرية والتي منحت فيها فرنسا لليهود الجزائريين حق التجنيس وفق مرسوم كريميو (1870) وكان لذلك انعكاس سلبي على التحكم الاستعماري. والحاصل أن التنافس البريطاني ـ الفرنسي على اليهود المغاربة بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا مع بداية 1860، حيث سعت فرنسا من خلال مد أنشطة الرابطة الإسرائيلية العالمية وبمنظمة يهودية فرنسية ذات الوجه التعليمي الإحساني، إلى المغرب إلى بسط نفوذها على اليهود المغاربة عبر تكوين أجيال متعلمة في مدارس الرابطة ومتشبعة بالثقافة الفرنسية (11). وفي المقابل بدأت بريطانيا بالتعاون مع "مجلس نواب اليهود" في محاولة التغلغل في صفوف اليهود المغاربة، من خلال العمل الإحساني لرئيس المجلس مورس مونتيفيوري(12) وقد سبق لهذا الأخير أن قام بزيارة المغرب في 1864 ومحاولة استصدار ظهير من السلطان محمد بن عبد  الرحمن لصالح اليهود المغاربة (13)، مع ذلك فقد كان النشاط المدعوم من فرنسا أكثر قوة وتأثيرا، ولهذا صعب تأسيس إطار رسمي موحد لجميع الخلايا الصهيونية في المغرب، ويكون مرتبطا مباشرة بالحركة الصهيونية العالمية، إلى أن تم التوصل إلى صيغة وسطى عبر جعل فرع الحركة الصهيونية بالمغرب بمثابة فرع محلي للفدرالية الصهيونية الفرنسية (1923)، ورغم ذلك فإن المقيم العام الجنرال اليوطي بقي على موقفه السلبي  حيث منع بمرسوم في 1924/5/20 صدور صحيفة صهيونية هاأولم (Haolam) (14)، وبدأ فرع المنظمة الصهيونية بلندن يعمل على إعادة تنظيم العمل الصهيوني بالمغرب وتم إيفاء مندوبين لذلك، من بينهم الصهيوني المالح في 1923 والصهيوني هالبرن في 1925.

إلا أن الانعطاف الكبير في النشاط الصهيوني بالمغرب، حصل مع استقالة المقيم العام الجنرال ليوطي في شتنبر 1925 ومجيء مقيم عام جديد ثيودور سنيغ، والذي كان لا يشاطر مواقف المقيم السابق اتجاه الحركة الصهيونية، تزامن ذلك مع قدوم تاجر بولوني ج. تورز كممثل عن المنظمة الصهيونية العالمية للإشراف على تنظيم العمل بشكل مركزي (1924)، وأثمرت جهوده في 1926 بإصدار جريدة صهيونية محلية سميت بـ Lصavenir Illustré (المستقبل المصور) في 1926/7/22 والتي شكلت الذراع الإعلامي للنشاط الصهيوني المغرب. كما أعلن رسميا في ماي 1926 عن الفدرالية الصهيونية بفرنسا ـ فرع المغرب ورأس اللجنة التنفيذية للفرع س. ليفي، .واشتغل  ش. أوحنا ككاتب وج . بنزيراف كخازن (16).

على صعيد مواز بدأ اليهود المغاربة يتابعون أشغال المؤتمر الصهيونية العالمية منذ 1921 (المؤتمر 12) حيث أرسل المغرب مندوبا عنه، إلا أن مشاركة اليهود المغاربة  كانت سلبية، بالنظر لكون المناقشات داخل المؤتمرات كانت تتم باللغة اليديشية (لغة يهود أوروبا الوسطى) (17) والتي كانت مجهولة من طرف اليهود المغاربة.

ورغم وجود حالات هجرة، إلا أن أولويات النشاط الصهيوني كانت تحرص على تأجيل موضوع الهجرة والتركيز على قضايا الدعاية والإعلام وتعليم العبرية والتاريخ اليهودي وجمع التبرعات ومد عملية تأسيس الخلايا، وهو ما ظهر بوضوح في قرارات المؤتمرات الصهيونية الثلاث الأولى بالمغرب  (1936 1938 - 1937 -) فضلا عن المؤتمرات الجهوية في 1937/1/31 - 30 (18)، ولم تطرح قضية الهجرة كأولوية إلا بعد الحرب العالمية الثانية. بظهور إرهاصات الاستعداد لإنشاء الدولة الصهيونية، وقد كان عدم التركيز على الهجرة نابعا من وجود أولوية صهيونية ليهود أوروبا من جهة ومحدودية إمكانات الاستيعاب من جهة ثانية. ولهذا كانت عدد التأشيرات المرسلة من الوكالة اليهودية إلى المغرب محدودا جدا، مثلا في يناير 1935 لم تستجب إلا لطلبات ثلاث تأشيرات (19).

ومع مجيء الحرب العالمية الثانية وصدور قوانين فيشي النازية التمييزية ضد اليهود تراجع تأثير الرابطة الإسرائيلية العالمية وأخذت قوة الحركة الصهيونية داخل اليهود المغاربة ترجح بحيث تمكنوا من "احتكار تمثيلية يهود المغرب في المؤتمر اليهودي العالمي بأطلنتيك ستي بأمريكا بين 1944/11/20 - 8.

وكان ضمن جدول أعمال المؤتمر المطالبة برفع القيود الإنجليزية التي تحد من الهجرة نحو فلسطين وتنشيط مساعي تأسيس دولة يهودية (20) ومما ساعدهم على احتكار تمثيلية المغرب هو تحكمهم في عملية توزيع الإعانات الخارجية الموجهة لسكان الملاحات. وقد مثل يهود المغرب في المؤتمر كل من س. د. ليفي وبروسبير كوهن وموشي مارسيانو والتحق بها في أمريكا يهوديان من أصل طنجاوي ومستقران بنيويورك وهما حاييم توليدانو وجاك بنتو وكونوا لجنة أمريكية ليهود المغرب. وقد انتخب س. ليفي كتائب لرئيس اللجنة السياسية للمؤتمر وركز تدخلاته على شعار "بنو إسرائيل في أرض إسرائيل" وعلى الأهمية الحيوية التي أصبحت تكتسيها الجماعات اليهودية بالمغرب بعد إبادة خمسة ملايين يهودي في أوروبا، وركز على ضرورة المساعدات المادية هذه الأخيرة التي لعبت دورا في ازدياد تقبل جماهير اليهود للبرنامج الصهيوني (21) وظهر آنذاك الدور الأمريكي في دعم الصهيونية المغربية.

نتج عن هذا النشاط التنظيمي المحموم، سواء في إنشاء الخلايا المحلية، أو في تنظيم العمل المركزي، أو في ضبط العلاقة مع المنظمة الصهيونية العالمية، دينامية قوية على ثلاث مستويات، الدعاية، جمع التبرعات ثم الهجرة، وسنتاول كل من المستوى الأول والثاني تباعا على أساس أن يكون المستوى الثالث موضوع الأسطورة الثالثة في النشاط الصهيوني  المغربي، وهي أسطورة التهجير والاجتثات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ***** Benros, J.Migration du Maroc (1991) P 56

وقد عمل هذا الدكتور الذي كان يقوم بمهام الطبيب الرئيسي للمستشفى الفرنسي على تأسيس اللجنة الصهيونية المحلية بطنجة في 1919، وقد استفادت اللجنة من وضعيتها كمنطقة دولية ذات هامش واسع من الحرية، لجعلها محطة استقبال للمبعوثين الصهاينة الأجانب وتنظيم جولات لهم في كل من المنطقتين الفرنسية والإسبانية، فضلا عن إصدار عدد من الأسبوعيات الصهيونية كـ "La Libertéس و "Renacimiento de Israel والتي كان يشرف على تحريرها الإسباني ـ البولوني أنشل برل الملقب بالحاخام أوشر. أنظر محمد كنبيب، يهود المغرب 1948 - 1912، م. س. ص 102.

(2) Chouraqué, A . Histoire des Juifs en Afrique du Nord P 475 Hachette, 1985.

(3) Benaroch, Elie, زle Sionisme Au Marocس P 97 in Les Juifs du Maroc: Image et textes; Goldenberg, A pp 96 - 102 Ed de Saib - Paris - 1992.

 

(4) Chouraqué, A Op. cit p 475.

(5) Benaroch, Elie. Op. cit P 96.

(6) Ibid P 97

يتبع