Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

"الخطر الإسلامي" أم الخطر الغربي والصهيوني؟

أطـروحتــان وشبــه أطروحــة(2)

سعيد شبار

3 ـ بالنسبة لشبه الأطروحة، الأطروحة الناقصة التي لا تنضبط لمعيار منطقي عقلي أو ديني أو تاريخي أو ثقافي أو حضاري.. أو غير ذلك. فهي كامنة في المواقف المعلنة والخفية للنخب الفكرية والسياسية في البلاد العربية والإسلامية، والتي تتجاوز قناعات شعوبها، بل وتتجاوز إرث الأمة الديني والتاريخي والثقافي.. وكل ما يمت لهويتها وكينونتها بصلة. فالمفروض أن تستجيب الإصلاحات والتغييرات لطموحات الشعوب وأن تكون تعبيرا حقيقيا عنها، بل وأن تسهم تلك الشعوب إسهاما فعالا في صنع تاريخها ومستقبلها وتحديد مصائرها ووجهاتها. وللأسف فإن محترفي دعوات التغريب لا يأخذون عن الغرب إلا وجهته السلبية المدمرة للذات، ففي بلدان الغرب المختلفة ليس هنالك حديث أو جدل أو تنافس بين مختلف المكونات الفكرية والسياسية إلا عن كيفيات تطبيق الاختيارات الكبرى للبلد التي تضمن له المزيد من الاستقلالية والحرية والحفاظ على الذات والهوية، مع الحيلولة دون أي شكل من أشكال التبعية والإلحاق في ظل نظام العولمة السائد. فلم نسمع ببلد أوروبي يعمل مسؤولوه على طمس لغته أو هويته أو تبذير خيراته ومقدراته.

فكيف يعقل في بلدان إسلامية كل ما فيها من بشر وشجر يشهد وينطق بعمقها الإسلامي تغتال فيها لغة القرآن ويجهز فيها على مقوماتها الدينية والثقافية ويعمل على إلحاقها يمن كان ولا يزال رمز استعبادها وقهرها؟!

كيف يفهم أيضا ـ مع كل هذا ـ أن تنحاز أو تتحيز النخب العربية إلى مقولة "الخطر الإسلامي" دون الخطر الغربي والصهيوني؟ وأن تعمد إلى تجسير العلاقة مع الكيان الصهيوني الغاصب؟ وأن تنخرط في مسلسل التطبيع في تسابق محموم وتحتفي بكل ماهو خارجي على حساب ما هو داخلي؟... وكأن العزة والرفعة والنهضة والتحديث والنماء والتقدم.. كل ذلك لا يمكن أن يكون إلا غربيا وبتأشير ورضى صهيوني!!.

ترى أذلك راجع إلى إنعام الغرب الدائم على هذه النخب حيث رعاها في المهد وكهلة ما دامت صالحة وظيفيا وإجرائيا؟! أم ذلك راجع إلى إرث فكري لعقود تجد هذه النخب صعوبة في التخلص منه وكأنها بذلك تفقد مبرر وجودها ومواقعها المكتسبة؟! أم ذلك راجع إلى عقدة تفوق الآخر وتخلف الذات التي تجعل هذه النخب ـ وخاصة الناشئة منها  تفقد الرؤية المستبصرة بإمكانات وآليات ومجالات النهضة والتقدم؟!..

الحق أن كل هذا موجود بنسب مختلفة لدى هؤلاء أو أولئك، وهو الأمر الذي يجعل هذه النخب تستمر على حالها والتجارب تلو التجارب تعطي الدليل القاطع على فشل هذا الاختيار أو ذاك في أن يكون حلا.

لكن إلى متى ستستمر هذه النخب التي لا قاعدة لها ولا تعكس توجهات حقيقية لشعوبها وتقوم بدور "اليهودي الوظيفي" داخل أوطانها؟ وهل "الحل الإسلامي" الذي تحمله الصحوة الإسلامية الآن، والذي يجد امتداده الطبيعي في الأمة ونموه المتزايد وتمكينه المستمر في النفوس المهيأة له دينيا وتاريخيا، إذ هو تعبير حقيقي عن عميق هويتها وكينونتها، هو "الخطر الإسلامي" المقبل الذي ينبغي الإعداد والتصدي له؟! وأنه في أولويات القوم مقدم على الخطر الغربي والصهيوني إن كان ثمة فعلا استشعار الخطر من هذا النوع؟! وهل مبررات هذه الفئات والطوائف في الترويج لمقولة "الخطر الإسلامي" ودرء"مفاسدها" المرتقبة هي المبررات ذاتها التي دفعت وتدفع الكيان الصهيوني إلى ذلك؟! لاشك في أن هناك عناصر مشتركة تتجلى في المصالح الكبيرة أو الصغيرة التي يخشى عليها، وفي فقدان مواقع الهيمنة والتسلط على البلاد والعباد.

لكن الذي ينبغي أن يعلمه الناس جميعا، أنه إذا كان مفهوما بالمنطق الغربي والصهيوني أن الإسلام "خطر" كامن قادم، أي أن منظومة أخرى مغايرة في أصولها وفروعها وتحكم عليها بالإفلاس والزوال، فكيف نفهم أن الإسلام "خطر" على بلاده التي استقر فيها وامتد عبر أجيال وقرون، وعلى شعوبه التي اعتنقته وآمنت به طوعا واختيارا، وبه كانت حضارتها وهو لحمة ونسيج ثقافتها، وبدونه هي الآن أسفل سافلين؟!. فكيف لا نعتبر نحن خصما من يعتبرنا كذلك ونعد له كما يعد لنا ولو بالبداهة الحسية الفطرية والبعيدة عن التحليل وعن مثل هذه الأسئلة المحرجة التي لا تستطيع تلك النخب الإجابة عنها بالوضوح الكامل من غير لف ودوران؟!. ألا تبدو أطروحات الغربيين في "صدام الحضارات" أكثر تماسكا ومنطقية من العدمية التي تفكر بها نخبنا العربية؟ وكأني بها تطمئنهم بأن لن يكون هناك صدام، وكيف يكون صدام بين متماهيين؟! فنحن أنتم وأنتم نهاية التاريخ!!. لكن الغرب للأسف لا يسمح لهم أن يكونوا كذلك ولا يقبل بهم إلا مقلدين من الدرجة الثانية أو الثالثة وأجراء وظيفيين لا أقل ولا أكثر، والنماذج على هذا وفيرة وكثيرة.

ولعل التبرير المجرور المكرور لدى هذه النخب حول "الخطر الإسلامي" هو كون هذا الأخير متأتيا من جهة القائمين به من حركات وتنظيمات، لا من جهة الإسلام كوحي ونص أو كتجربة نبوية أولى نموذجية. أي أن النقد متوجه على التجارب لا على الأصول المقدسة، وهذه كلمة حق غالبا ما يتوسل بها إلى باطل. فالنقد في حق التجارب صحيح ومطلوب والمراجعة والتصحيح فضيلة من الفضائل، ولا عصمة ولا قداسة لأحد كائنا من كان بعد اكتمال الوحي وانقطاع النبوة. فالقداسة المتبقية هي للوحي الحاكم قرآنا وصحيح السنة، والعصمة المتبقية هي لمجموع الأمة لا آحاد أفرادها. لكن المطلوب في هذا النقد ـ إن صح القصد ـ أن يكون بالإسلام ومن أجله وحفاظا عليه لا غيره ومن خارجه وبما يعود عليه بالإلغاء والإبطال. ولو أن زعم نقد التجربة لا الأصل صحيح، لكانت على الأقل ثوابت هذا الأصل وكلياته وقطعياته محفوظة مصونة ومعمولا بها، والواقع يثبت أن كل ذلك مهدور ولا اعتبار له حيثما يممت. بل وثبت أن نقد التجربة ليس إلا معبرا لنقد مستندها الأول، النص. بحيث يصبح فشلها من فشله وعجزها من عجزه، فتسقط بذلك دعوى احترام النص وتقديسه وعندما تحكم فيه تجارب البشر ولا يكون هو حاكما عليها، به تقاس وإليه تحتكم وعلى محكه تسدد وتقوم.

ختاما، إننا لا نعيب على أحد أن يعتقد وينتحل من الملل والنحل ما يشاء، وأن يولي وجهه القبلة التي يرضاها. والله تعالى الذي خلق الإنسان وكرمه وأسبغ عليه من نعمه ظاهرة وباطنة خيره في أن يؤمن به وأن لا يؤمن، وهو بعد ذلك مسؤول أمام ربه عن اختياره. كما أننا لا نخشى على هذا الدين أن يزول بالشرق أو الغرب، فالله تعالى حافظه وممكن له بنا أو بغيرنا إلى يوم القيامة. وإنما الذي نعيب هو هذا الإرغام للناس على أن يتوجهوا إلى قبلة لا يرضونها، وهذا الاغتيال لحرياتهم باسم الحرية وهذا التقرير لمصائرهم دون إشراكهم... وأن يتم كل هذا العزل والتحييد والتهميش والإجهاز على الحقوق باسم الديموقراطية، ويغلف بأغلفة الحداثة الوهمية الزائفة.

ونحن نعيش مرحلة الإفساد الإسرائيلي الثانية بعلوها واستكبارها وحماية الغرب لها، كشف الشعب الفلسطيني المجاهد، ويكشف وسيكشف، وهو ينوب عن الأمة "مضطرا" في الدفاع عن أرضها ومقدساتها، عن كثير من سوءات الأنظمة والنخب المتنفذة. فبدل أن تجند جنود الأمة ضد العدو الصهيوني، نجدها تجند ضد جماهير هذه الأمة وتستخدم في قمعها بعضا مما يستخدمه الصهاينة في قمع الانتفاضة، منعا لهم من التعبير عن تضامنهم وتواصلهم ودفاعهم عن مقدساتهم. كما نجد معانقة لرموز الصهيونية وخشية وخوفا من غضبهم وغضب أبيهم وأمهم أمريكا... فلله دركم أحياء وشهداء فلسطين، ويكفي "الخطر الإسلامي" في فلسطين وجنوب لبنان فخرا وشرفا وعزة ورفعة في الدنيا والآخرة أن يكون هو حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله... في طليعة شهداء تحرير الوطن والمقدسات من الخطر الصهيوني والغربي. فهل من معتبر؟! وهل يصح في الأذهان شيء، إذا احتاج النهار إلى دليل؟!