New Page 1

بانـــــــــــدورا

 

 

 

 

 

برج الدهشة


كانَ القلبُ، على عادتِهِ،  
يخرجُ يوميا يتمشرقُ في الآفاقِ
ويرعى غزلان البلّور على شطآن الوجد
انتبهت زنبقة يانعة للهزج
المتصاعد من شفة الايقاع
الضجة تعلو في الشفة السفلى
وتخبرني الغدران
بأن سماء راقصة
تتعرى فوق العشب

 

أحدث قطعان البلّور
عن السر المخبوء بعيني باندورا
عن زرقة قامتها
والغجر المصلوبين
على أعمدة الضوء النابت في دمها

 
يا ما أعلنت لقلبي:
ان الجدوى محض سراب
والعشب الممتد أمام العين
تبدده الذكرى
يا ما أعلنت له
لكن القلب له تقويم آخر
في قرع الأجراس
وفي تسمية الجدوى

 

تفرش باندورا للقلب حرير اللقيا
تحمله بين ذراعيها
وتطير الى قصر الأسرار
هنالك حيث تنام الدهشة
في ألق البلّور
يمجدني ترف الأبنوس
أجوس خلال الرعشة
أجري مجذوبا كدراويش الآفاق
ورأسي تملؤها الأمطار
أطوف قباب الزرقة
أهبط وديان النسيان
أصلي
أتزنبق بالطور
ويأتيني الزهر المتناثر
من كفي باندورا:
انّا أعطيناك الوجد
غرسنا في أعماقك دهشتنا
وكتبنا فوق جبينك أسرار العشاق

 

يجردني حراس القصر
من الأسماء الخمسة
ألقى دون ظلال
في السدم الضوئية
تغمرني الآصال
وأحمل مخفورا
بنجوم وأيائل
عشب قزحي
وسبائك همس
ويهب على أغواري
عسل أزل
ومرايا ناصعة العطر

 
أقول لسيدة الأسرار:
اقتصدي في ترقيص خطاي
فقطعاني ثاغية في المرعى
وجنوني دون عشاء
وطواحيني أنهكها الدوران

 

 

 

برج الايقاع

 

تأتلقُ الساعةُ

رقّاصُ الأحلام يدورُ بأقصى لهفتهِ

باندورا تعقدُ اكليلا من زهرِ البهجةِ حول مفاتنِها

وتغني

يحتشدُ الطيرُ المسحورُ

من القاصي والداني

وتشعُّ الأنحاءُ بايقاعٍ تنثرُه باندورا

تكتملُ الهالاتُ بأفقِ النشوةِ

 

أجهلُ كيف تحشّدَ هذا الطيرُ

وكيف اجتمعتْ كلُّ أيائلِ أحلامي

راكضةً في مرج القدّاح

وأجهلُ معنى أن يحملني ايقاع غجريٌّ

نحو تخومِ اللذةِ

كدتُ أصيحُ

فلملمني طوفان الخدر القادم من عينيها

 

كان العالمُ يرقصُ

مسحورا بتلافيفِ الايقاعِ

الهابطِ من فتنتِها

ومرايا جذلٍ تتهدّجُ فوقَ نصوع الثغرِ

وباندورا جمعت أفراحَ الغيمِ

وأطباقَ الحلوى

وتهادت ترقصُ فوق رموشِ البرقِ

تحفُّ بها سدمُ الأشعارِ ودمعُ الليلكِ

باندورا ما كانت وهما أو حلما

بل زخّةَ ريق الغيمةِ

مسّت حجرَ القلبِ

فلبّى همستها ظمأُ السنواتِ

وأشرعةُ الحزنِ المنسية في شطآنِ التيهِ

الآجرِّ الناريِّ

غمامِ الصحوةِ أنهارِ العسلِ

الواحاتِ

رفيفِ الناي

 

العالمُ يرقصُ

والأمطارُ تبللُ جدران المبنى والمعنى

وقطيعُ نجومٍ ترعى

في الجذلِ المورقِ في أغصانِ النارِ

أنادي حوريّاتِ الجمرِ

ليعبرنَ السنواتِ

الضجرَ

النومَ بأرصفة التسهيدِ

 

هنا زوبعةُ اللذةِ

ناشرةً رئتيها

فلتتنفسْ

يا كابوسَ الخطوةِ

ناد بأعلى رقصِك حوريّات الجمرِ

ليجلبنَ القدرَ الوحشيَّ

على طبقٍ من ذهبِ الصحوِ

تمرّغْ ما شاءتْ ظلماتُك

في أغوارِ اللحظةِ

 

كان عقيقُ اللحظةِ يلهثُ

فرطَ العزفِ

على أوتارِ القلبِ

 

 

 

برج الأخطاء


زرعتني باندورا
في أصص الأنفاق
سقتني اللهفة والغليان
نقيع الوهم
وظللني كوكبها العالي
بدخان الأزمان
وموسيقى النار الأبدية

 
أورق حزني
طالت قامات اللحظات المرة
صارت مدنا أعشاب الضجر
امتد اللبلاب الناري
بعيدا فوق دوالي الريح
وشعت أوراما ساطعة في الآفاق
عناقيد الأحزان

 

شوارع صرت
مقاه وحوانيت
مكاتب، زنزانات صرت  
شعارات، أوسمة  
سكيرين، كلابا 
محكومين بأشغال التهريج
بغايا، اعلانات
صرت حرائق، اسفلتا دمويا
تسكنه الأشباح وصافرة الانذار
لصوص الأيديولوجيا

 

كبرت أخطائي
صارت قدرا رسميا
تذكر سيرته في كل الأوقات
يفهرس في قاموس الفكر
ويدرس في علم اللاهوت
وفي نظرية دارون
والنسبية
والفيزيقيا
والجينات

 

كبرت أخطائي
صارت ناسوتا يعبد
في الساحات الكبرى والصغرى
وتقام له الأنصاب
وتنحر باسم قداسته الآلاف
قرابينا زلفى
وينادى بالمعبود
ويدعى بالأزلي
ولا يتجرأ مخلوق من طين
أن يرفع صوتا أو عينا
لجلالة سيده الخطأ الرسمي
ولا يتجرأ مخلوق من طين
أن يحلم
الا بعد أوامر يصدرها
الخطأ العالي

 

كبرت أخطائي
حتى صارت تقتل
أخطائي

 

 

 


برج الغياب


باندورا تملأ كل مساء
سلتها بحرائق صمتي
تشربني خمرا ممزوجا
بعويل اللبلاب
النابت في أحداقي
تقرأ أحزاني الشخصية
بحثا عن ظل
أو ساقية
خلّفها ضجري المتواصل في الطرقات

 

يخبّرها الحرّاس السريّون
بكل تفاصيلي:
بدأ من عرس الدمعة
حتى تأبين الأشجار
وتعرف باندورا أغواري:
حقلا حقلا
جرحا جرحا
ساقية ساقية
حلما حلما

 
تعرف من أي الأصقاع أشع
وفي أي الأوجاع أقيم
تدون في تقويم أنوثتها:
مدّ الأمواج وجزر البهجة
تعرف: أسمائي السرّية  
والأرق الموشوم بذاكرتي
تعرف أعيادي وفصول حنيني
ومواسم عشقي
تعرف خارطتي
اقليما اقليما
ولهذا:
تحرص أن تعرف
سرّ وجومي
ساعة تعزفني

 

يحزن باندورا:
ان سلال أنوثتها
لا تجعلني فرحا
منثورا في الآفاق
ويحزنها:
اني لا ألبث أن أتجلبب
معطف غيمي

جمعت باندورا الأمطار
وأوصدت الأبواب
على أجنحة الغيم
أوثقت البحر الى وتد
أمرت
ان تغلق كل نوافذ قلعتها
كي لا يتمكن حلم
من تهريبي
طارد شرطتها الأطيار
وزجّ بكل سماء
في حزن منفرد
حتى تثبت غربتها

 

 

 

برج البروج


طرقت باندورا باب جنوني
أمرتني:
أن أخلع فصل الغربة عن جسدي
رشت أحداق لزوجتها
في سبع مرايا
كانت تستلقي في عشب دمي
قالت: ستعودُ
وقالت: سأعودُ  
وقالت:..........
صمتت باندورا
فاحترقت ضجتها
في موج رقادي

 

كنت بعيدا
ونحيلا
أوهى من ريق الزنبق
حين ينام
وأسمعها
تأتيني عبر بحار الصمت
حرائقها
لكني أقبع خلف لهاث الضوء
مكبلة أسمائي في فلك الدوران

يؤولني الغرباء
وتحملني عربات الذكرى
في أطياف السادس من قلقي

 
سأدق على بوابة هذا الليل
أريد سماء لا تطرقها
أبخرة الأوغاد
أقول لباندورا:
اتضحي
لا تدعي مدية عطرك
تقطع رأس جنوني

 
سبع سماوات مرت
وأنا مطعون في مطري
مهجور الق الطيبة
يا باندورا
لا يكفي مطر الأجيال
لغسل ثياب الصبح
وما عادت أعياد الناس تجيئ بموعدها

 

ما السر اذن؟
أن أدفع قلبي للنسيان
فيدفعني للذكرى
ما الجدوى
ان تبقى باندورا
وشما تحمله أغلالي
لا بد لكل مواسم أسراري
ان تمطر
كيف، اذن، سأشيّد برج الغيم
قلبي موشور
يجمع أطياف الفرح العلوي
فأين أعلق نومي
عاهدت الآتين على أن أكتم سر الوردة
لكن الآتين سراب
تعب ونحيل قلبي
حدّ الوهم
فكيف أواصل عزفي

 
تتآكل أشواقي: اغنية أغنية 
هل تكفي زوبعة أن تغسلني
أعرف: ان غناء العالم 
لا يمنع كلبا أن ينبحني
أعرف أن لغات العالم
تنسفها ثرثرة تطلق نحو حنيني
أعرف أن جيوب الوقت
محملة بالوهم وبالاجدوى

 
أسأل:
هل كانت باندورا
تعشقني حقا
هل كان البحر نقيا
ليطهرني
من زود باندورا بسلال الحلوى
ورحيق الظلمات
أهذا عمري:
أورق في الأحلام
وأذبل في دالية البوح
ويحزن قلبي:
أن العالم يجهل سر غيابي
يحزن قلبي:
أن غياب العالم سر غيابي