Jawad Al- Hattab

شواغل الرؤيا في شتاء عاطل

 علي حسن الفواز

   

حقا ان الشعر يركض فينا وان اعصابنا واوراقنا وتفاصيلنا المفتوحة للوحشة تحولت الى فضاءات متسعة يمارس فيها الشعر تحولاته وشجونه ليتركنا نشيخ دونما زمن او اطياف او كلام ..

 في لحظات الشعرالفاتنة تلك يبدأ الشاعر فروسيته واوهامه يمسك اللغة من عنقها وينزع اسرارها مرة واحدجة يشحذ سيفه وبروقه وامطاره ويغادر طواحينه وبيت طفولته الى غابة السحر ويصعد جلجلة الاشتعال .

  جواد الحطاب هذا الشاعر المسكون بالغناء حد الاختناق .. والرائي لمدن الحرب وحرائق الجسد وغموض الاحتمال وقلق اللذة يطل علينا في مجموعته الشعرية ( شتاء عاطل ) وهو يحمل غناءه البليل وزوادة المحارب ليقول لنا : تلكم هي الآزفة فلتطفو عصافير الكلام واناشيد المحارب الآتي من زمن المدن البعيدة واعالي البرد الى زمن الاسئلة حيث الحصار يعلق ساعاته على حبال الروح ويمارس عطلاته في ايامنا التي تركض سريعا ويعلمنا ان الثورة هي كيف تقاوم الجوع والقلق واحزان الاصدقاء الهاربين .. وان تلم المرايا بتكون معلما وحالما وعاشقا .. ونطلق ( الاوهام ) البيض على الساعات التي تتكرر دائما .

  ان ازمة الشاعر هي رحلته في ارتشاف الحلم والوقوف عند بكاءات الروح .. فهو الذي ارهقته الحرب الطويلة يصر على الحلم والبحث عن المرايا كأي ( عوليس ) اخذت البحار والمدن والجنيات هاجسه البعيد واطلقته في زمن هو نشيده واستيهامه ورغبته في مناهضة فكرة الموت .

 ان الشاعر جواد الحطاب يحمل في فصول ( شتائه العاطل ) يقظة المحارب .. وهذا التضاد البنائي يفضي الى نوع من اتساع الرؤيا التي تبصر الاشياء وتعيد تركيبها وكأنها مسافات تفصح تعدد حدودها وتفضي الى ايهامات شخصية يتوارى خلفها مبهورا شاكا ماخوذا يستعير يومياته وفصوله في نوع من الغرائبية الباهرة .

 قصيدة الحطاب بما تفصح عن حضور يتصف بغناء له توهج الذاكرة وخيال الحلم يكشف لنا ان محاولته في استحضار اليومي تخفي في ( هواجسها ) ايهامات بمقاومة تجاعيد الزمن ولملة خواء ( اللحظة ) .

والخروج عن العطالة / عطالة الزمن الى استعلاء منجز .. وتأمل هو مشاركة في لعبة تعدد المرايا التي تضمر تسويفات ( لا مرئية ) هي حالة الالماع التي يصير اليها الشاعر دائما .. لانه الحالم والرائي والخارج من ملاقاة الروح الى ملاقاة الحلم .

  ان الشاعر في اسئلته التي تمور بالقسوة عن آخر ما تبقى من النهارات القديمة واصوات المدافع وبقايا الجسد المتحقق المنشور يعني ان خصوصية هذه التجربة ما زالت عالقة في مخيلته .. وان عطالته هي ( عطالة ) المحارب الذي يتكئ على الحلم ويتقئ انكار نرجسيته ويحلم بالطوفان في الامكنة والمرايا .. لكن طوفانه لا يشبه طوفان اوتونابشتم في البحث عن الخلود الانطلوجي .. انه طوفان الوعي القلق اللجوج بالبوح والدهشة او ربما ترجيع للحظة الابصار التي تقلقه دائما وهي رؤيا الحلم او رؤيا الحرب التي ( يبصر ) فيها البلاد التي احب وكأنها كرة حمراء طافية على سطح من النفط الراكض الاشتعال لكنه بدون سيقان كما يقول الشاعر .

  لقد حاول ( جواد الحطاب ) في هذه المساكنة التاملية ان يكون شاهدا وهو يحمل ذاكرة ( المراسل الحربي ) الفضفاضة بالشواهد والفصول والبكاءات .. وان يصر على تجديد هذه ( الرؤيا ) من خلال مناهضة كابوسية الزمن والموت والتماهي في رؤيا ( الراوي ) الذي تتسع امامه ملامح المكان والطقوس والاحداث وان يقاربها رغم وجعها العالق في الجسد والروح .

تتواصل بتلقائية باذخة نستدل من خلالها على شواهد كثيرة .. تبدأ من الوصفية الجميلة الى الكشف عن ذات الشاعر وهي ذاهلة في بهائها وحزنها الشفيف والقاسي احيانا بما يجعل القصائد وكأنها بانورما للحزن المقدس المغلول الى لغة ( النائي ) الذي يؤسر لحظاته في نشيد من التراجيديا او الاستهامات التي تتداعى وكأنها صور مكشوفة في مرايا .

 بنائية القصائد في هذه المجموعة اعتمدت ( الثيمة ) الايقاعية والجملة القصيرة التي تتلاحق دون ابطاء رغم ان ( الثيمة ) الشعرية في المجموعة هي استذكارات في رؤيا الزمن الشخصي للشاعر المغلول الى قلق ( الرائي ) والتي يمكن ان تتسع الى انماط بنائية اخرى .. لكن انحياز الشاعر الى هاجسه الغنائي والى لحظته الشعرية المكثفة وان يطلق دهشته دائما تجعل من هذه المجموعة ليست موحيات في عطالة الزمن بقدر ما هي استيهامات لجسد لم تهذبه الحرب ولم تشبعه الشظايا حرائق

انها اشتلهامات للروح التي تطلق نداءها دائما ..