Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

الموت

الموت حق علينا جميعا، فلماذا لا نتحدث عنه إذا؟ نقصد بذلك الحديث عن الجوانب، البيولوجية، والطبية، والاجتماعية منه. الموت وعلم الأحياء يرى علماء الأحياء، في الموت بركة مضاعفة. فانقراض الديناصورات قبل 65 مليون عاما مكن الثديات من التطور، مما سمح بنشوء الجنس البشري. وهكذا، نجد في موت البعض، حياة للآخرين. أيا كانت وجهة نظرك، ففي الحياة شيء من المعجزة. علما أن جميع الكائنات الحية على الأرض، من الأبسط منها، وحتى الأشد تعقيدا، مر ولو باقتضاب، في عالم الأحياء. قد يعتقد البعض أن الموت، كنهاية حتمية، هو عقبة في طريق تطورنا. ولكن العكس صحيح. فبدون الموت، لا يمكن للتوازن البيئي أن يكون قائما، ولا يمكن للأنواع الأخرى أن تتطور إطلاقا، ولا أن يكون للحياة وجود. رغم وجود كائنات حية يمكن أن توصف بأنها خالدة. هي الجراثيم. في أجواء تحتوي على الكميات اللازمة من الأغذية يمكن لهذه العضويات البسيطة أن تنقسم كل نصف ساعة كمعدل وسطي، لينتج عن كل جرثومة خليتين متشابهتين تماما للخلية الأولى. يمكن التحدث عن الخلود في حياة الجراثيم لان كل جيل يشكل استنساخا عن الجيل السابق. أي أن ضمان الغذاء الكافي لمجموعة من الجراثيم كفيل نظريا بجعلها تعتمد على نفسها إلى الأبد. أما العضويات الأكثر تطورا فهي لا تعرف الخلود. فلكل نوع منها معدل عمر محدد أو حد أقصى لحياته. لا يمكن في افضل الأحوال حتى للفأر أن يعيش اكثر من ثلاث أعوام، والأرنب ثمانية أعوام، أو لبعض السلاحف أن تعيش أكثر 150 عاما. الأرقام القياسية في طول العمر تنطبق على الأشجار. حيث يمكن لبعضها أن يعيش خمسة آلاف عام. ولكن حتى هذه المعمرات، الأطول سنا في العالم، لا بد أن تموت يوما ما. التوالد الجنسي وحده يحول دون انقراض هذه النباتات والحيوانات. على خلاف انقسام الجراثيم، ينجم عن التوالد الجنسي نمو أفراد يختلفون عن بعضهم البعض. قد يبدو موت الإنسان خسارة لا تعوض على اعتبار أنه كائن فريد في هذا العالم. ينجم الموت عن عملية هرم تنال من كل خلية في الجسم. أثناء هذه العملية تبدأ الروابط بين هذه الخلايا بالتفكك. لتذبل عندها وتضعف. وأخيرا لا تنقسم نواة هذه الخلايا التي تحتوي على جينات وراثية، بل تشكل مركز التحكم بنشاطات الخلية، ثم تتحول إلى أجزاء صغيره منفصلة عاجزة عن التفاعل. هكذا تموت الخلايا من الناحية العملية، ما يؤدي ==إلى موت الجهاز العضوي الذي يتشكل منها. يبدو أن موت الخلايا مسألة مبرمجة ضمن الجينات الموروثة في الأنواع، حيث تنقسم خلايا الجسم في الحياة، فتولد الأنسجة. مع أنها حين تنقسم لعدد محدد من المرات، يصل إلى الخمسين، تتوقف الخلايا عن الانقسام. تؤكد التجارب أن خلايا الجينات تستحث انسياب نوع من البروتين اسمه تيرمنين. تؤكد إحدى النظريات أن هذه المادة تجمد نواة الخلايا التي تساعد على نشوئها. لهذا يمكن أن نعتبر هذه المسألة عملية انتحارية مبرمجه. قد يتساءل البعض لماذا تصر الطبيعة على التضحية بمخلوقات مرت بكثير من المراحل لخلقها؟ أما الإجابة فهي أن في موت الأفراد، بقاء للأنواع على قيد الحياة. لنعد قليلا إلى نموذج الجرثومة التي تعيش في ظروف حياة ملائمة، لتستطيع نظريا العيش إلى الأبد، أما من الناحية العملية، فتتضاعف الجراثيم بسرعة تجعلها تفتقد الغذاء فتتحول إلى نفايات سامة. تباد نتيجة ذلك مجموعة الجراثيم بأكملها. وهكذا فأن هذه المجموعة من الجينات العضوية "الخالدة" ضعيفة وعرضة للمتغيرات في بيئتها. ينال الموت من أنواع أخرى اقل ضعفا من هذه الكائنات. وهكذا، فإن الموت يؤكد انقراض الأنواع الأكثر ضعفا، وبالتالي يبقي الأقوى على قيد الحياة. عادة ما تقتل الحيوانات المفترسة مثلا فريستها الأضعف. لينجم عن ذلك، تطوير لقدرات الباقين على قيد الحياة وإمكاناتهم في الدفاع عن النفس. يسمح الموت أيضا للأنواع بالنمو، بضمان التجديد المستمر من جيل إلى آخر. والحقيقة أن لكل الأنواع دورات حياتيه، تبدأ بالحمل والولادة، مرورا بالنمو إلى مرحلة التوالد، لتنتهي بالهرم والموت. كلما تسارعت دورة الحياة، كلما عظمت قدرة النوع على التعود. فالحشرة مثلا، التي تنهي دورة حياتها الكاملة بأقل من عام، قادرة وضمن فترة قصيرة، على تطوير السبل اللازمة للالتفاف على المبيدات الساعية لقتلها. أما الجنس البشري فهو يحتاج لأعوام طويلة من دورة حياته التي تدوم لعشرات السنين، كي يتمكن من القيام بعمل مشابه. الموت ليس ضروريا لتطور الأنواع وحدها، بل لا بد منه أيضا لضمان التوازن البيئي على هذا الكوكب. فموت النباتات والحيوانات على الأرض ينفع أنواع أخرى كي تعيش وتستمر. تقوم بعض الكائنات التي تتغذى على العفن، بتقسيم الأنسجة الميتة إلى مركبات ابسط تمتزج في نهاية المطاف مع التراب، ليعيد النبات تحويلها إلى مادة حيه. وهكذا يخرج الميت من الحي. قد تتحول الأرض دون هذه العملية المستمرة والمتكررة، إلى صحراء قاحلة لا حياة فيها ولا أحياء. يسمح الموت أيضا للأنواع بالنمو، بضمان التجديد المستمر من جيل إلى آخر. والحقيقة أن لكل الأنواع دورات حياتية تبدأ بالحمل والولادة، مرورا بالنمو إلى مرحلة التوالد لتنتهي بالهرم، والموت. كلما تسارعت دورة الحياة، كلما عظمت قدرة النوع على التعود. فالحشرة مثلا، التي تنهي دورة حياتها الكاملة بأقل من عام، قادرة وضمن فترة قصيرة، على تطوير السبل اللازمة للالتفاف على المبيدات الساعية لقتلها. الموت ليس ضروريا لتطور الأنواع وحدها، بل لا بد منه أيضا لضمان التوازن البيئي على هذا الكوكب. الموت والطب كان الاعتقاد الشائع يؤكد أن الموت ناجم عن توقف القلب. إلا أن التقدم الطبي تمكن من تأخير لحظة اللاعودة. ولكن هذا السؤال لم يجد إجابة بعد: متى تنتهي الحياة، ويبدأ الموت؟ كان تحديد الفرق بين إنسان ميت وآخر حي، مسألة بسيطة. فعلى جميع الأحوال والاحتمالات، حين يتوقف خفقان القلب والتنفس، تتوقف الحياة. كان الطبيب في الماضي ، ليؤكد حصول الوفاة، يتفحص النبض، أو يضع مرآة تحت انف المريض. فإذا توقف النبض، ولم ينعكس البخار على المرآة، يمكن للطبيب أن يفترض بأن المريض قد مات. لم يعد هذا ما يتبع اليوم، فبفضل التقدم الطبي، يمكن لمن يعتقد بأنهم فارقوا الحياة، أن يعودون إليها مرة أخرى. مما يفرض إعادة تعريف جديده لمعنى الموت. حين يتعرض المرء إلى ذبحة صدرية، يسرع الفريق الطبي إلى فراشه. وفي سبيل إعادة التنفس وخفقان قلبه الطبيعي، يحاول فريق الأطباء إعادة تنشيطه. توقف قلب الإنسان عن الخفقان لا يعني بالضرورة انه مات. فالقلب مبدئيا لا يتعدى كونه مجرد مضخة تدفع الدم في الجسم لإيصال الأكسجين وتغذية أعضائه. بعد اخذ الأكسجين من الرئتين، يصل الدم أولا إلى الأنسجة حيث يفقد بعضا من الأكسجين فيتم ضخه مرة أخرى إلى القلب ليدفع الأكسجين فيه من جديد. للقلب حوافزه الكهربائية التي تعزز نبضاته. ولكن عند إخفاق تلك الحوافز لا تعود عضلات القلب قادرة على الضخ كما يحدث في الذبحة القلبية مثلا حين يتوقف القلب عن الخفقان. فيتوقف الدم عن الدوران ويكف الأكسجين عن الوصول إلى أنحاء الجسم. يمكن لغالبية أنسجة الجسم وأعضائه أن تعيش لفترة طويلة نسبيا بدون أكسجين. باستثناء الدماغ، فهو يختلف عن بقية خلايا الجسم، لأن خلايا الدماغ لن تتمكن من الانقسام بعدها، لتحل محل الخلايا الميتة. لهذا لا يمكن حرمان الدماغ من الأكسجين لفترة طويلة. إذا ما أعيد المريض إلى الحياة بعد دقائق من إصابته بالذبحة القلبية، من الممكن أن يشفى تماما. أما إذا لم يتلق العناية الطبية بالسرعة اللازمة يمكن لبعض النورونات في الدماغ أن تموت، ما قد يؤدي إلى الموت، أو لحالة من الشلل الدائم تسمى السبات. السبات هي ما قد يعرف بالحد الفاصل بين الحياة والموت. إذ أنها قد تنجم عن توقف الطبقات الخارجية للدماغ، أي قشرة الدماغ. أو المناطق الداخلية التي تعرف بالمهاد أو جذع الدماغ. المهاد هو العامل الوسيط للدماغ والعنصر الرئيسي للقيام بمهماته الحيوية. جذع الدماغ مثلا هو منظم التنفس ووتيرة خفقان القلب. وهو يحتوي أيضا على مجموعة نورونات تتولى تنشيط النظام. تلعب هذه البنية دورا رئيسيا في استمرار التنبه الدائم، وإبقاء المرء بحالة الوعي. في حالة السبات تتوقف كل هذه المهام أو تبطئ جدا. لهذا يكف المريض عن التنفس العادي رغم استمرار قلبه بالخفقان، فلا يعود المريض إلى وعيه بل يستمر في الغيبوبة. في حال فقدان العناية اللازمة يمكن للمصاب بالغيبوبة أن يموت فورا . إلا أن أقسام العناية الفائقة في المستشفيات تتمتع بكل التقنيات والأجهزة اللازمة لإبقاء المرضى على قيد الحياة والاستمرار في محاولة إنقاذهم. عادة ما يعلق للمريض وسيلة للتنفس الصناعي وتهوية الرئتين. تنسجم نسبة الأكسجين مع الكمية التي في دم المريض. يتم مراقبة خفقان القلب وضغط الدم باستمرار كما يتم التحكم بها بالأدوية إذا لزم الأمر. تراقب هذه الغيبوبة بشكل يومي، فنجاة المريض تعتمد على عوامل متعددة، إذ يعود التنفس العادي أحيانا إلى حالته الطبيعية بسرعة، أما إن تعرض جذع الدماغ إلى أضرار جسيمه، تصبح إمكانات شفائه ضئيلة جدا. يلجأ الأطباء إلى عدة فحوص لتحديد نسبة الأضرار. عادة ما يتضمن الرد الطبيعي حركة في الرموش وتجاوبا مع الحوافز في قرنية العين، كما وتقلص للبؤبؤ تجاه النور. في فحص آخر، يحرك رأس المريض من جانب إلى آخر. عادة ما يؤدي ذلك إلى تحرك عينيه نحو الاتجاه المعاكس. يمكن أن يفحص أيضا إحساسه بالألم، وعادة ما يتجاوب المريض الذي لم يتعطل دماغه. ردة الفعل الإيجابية تجاه أي من هذه الفحوص، يزرع الأمل بأن المريض سيخرج من حالة الغيبوبة أخيرا ليشفى تماما. كما أن عدم تجاوب المريض نهائيا مع هذه الفحوص، سيعني أن الدماغ مصاب بأضرار جسيمه، توحي بموته التام. تكمن إحدى الفحوص التي تحدد موت الدماغ التام، برش ماء بارد في أذن المريض. عادة ما يؤدي ذلك إلى حركة مفاجئة في العين تجاه الأذن المصابة. إذا كان دماغ المريض ميتا، لن يكون لديه ردة فعل تذكر. يلجأ الأطباء للتأكد من تشخيصهم إلى تخطيط للدماغ ليعكس هذا التخطيط حجم النشاط الكهربائي للدماغ. تعتبر حالة الموت السريري بمثابة نقطة اللاعودة بالنسبة للحقل الطبي في هذه الأيام. والحقيقة أن المريض بهذه المرحلة لا يعد إلا قلب نابض في جثة هامدة، لن تستعيد الوعي أبدا. ولكن ليس من المستحيل أن تتمكن العلوم الطبية يوما ما، من إعادة الحياة، إلى من يعتبرون اليوم، بلا أمل. الموت والمجتمع موت شخص عزيز، يصيب المجتمع بفاجعة كبيره، يكاد يرفضها. إلا أن الموت خطوة رئيسية في التجربة البشرية. يدرس الباحثون اليوم كيف يقوم المجتمع والأفراد بمحاولات لجعل الموت جزءا من الحياة. ليلة الحادي والثلاثين من تشرين أول أكتوبر من كل عام يخرج أطفال أمريكا الشمالية إلى الشوارع وهم يرتدون ملابس تنكريه على هيئة أشباح أو هياكل عظمية، فيطرقون الأبواب المجاورة، كجزء من التقليد، طلبا للحلوى والسكاكر. ساد اعتقاد شائع هناك يقول بأن تلك الليلة شهدت عودة شبح الموت إلى الأرض. أما تقديم الهدايا للأطفال فكان يعتبر شكلا من القربان السلمي لأرواح الأجداد الهائمة. وما زالت تقاليد هذا الاعتقاد سارية هناك حتى يومنا هذا. شعائر الموت هذه، قائمة بشكل أو بآخر في عدد المجتمعات الإنسانية. لهذا يؤكد انتشارها في أنحاء المعمورة على حقيقة دامغة، مفادها أن الإنسان هو الكائن الأوحد الذي يهتم بموضوع موته. يرافقنا هذا الاهتمام منذ الطفولة، ولكنه ينال منا بقوة فعلية ونحن على فراش الموت. حين يبلغ الطبيب مريضته بأنها مصابة بداء لا علاج له، تتعرض المريضة إلى حالة نفسية مؤلمة. يكون ردها الأولي بالرفض حيث ترفض المريضة إصابتها وقد ترفض العلاج أيضا. ثم يأتي الغيظ بعد الرفض ممزوج بحالة من الإحباط والملامة. يلي ذلك شعور بالكآبة وبحسرة على خسارة كبيرة جدا. لماذا أنا دون غيري؟ في هذه المرحلة يحاول المريض أن يفاوض، أو أن يؤجل ما لا بد منه، وقد يلجأ للتضرع إلى السماء عله يؤجل القدر. وعادة ما يشمل دعائه مهلة من الوقت بدون ألم أو قلة الراحة. أخيرا يتغلب المريض على حالة الرفض والغيظ والكآبة اليائسة ليصل إلى المرحلة الأخيرة من رفضه للأمر الواقع، بقبوله دون سعادة أو تفهم ولكن بهدوء. فقدان شخص عزيز عادة ما يصدم الأهل والأقارب. ما يصيبنا بالفاجعة والحزن. قد يكون تأثير الفاجعة على الحياة اليومية للمرء محطما. يقوم كل منا طوال حياته ببناء صورته الخاصة عن الحياة، انطلاقا من عناصر متعددة، كما هو حال صورته المادية ومشاريعه وطموحاته وما يحيط به من أفراد. حين يحطم الموت هذه الصورة من العالم القائم، بأخذ شخص عزيز علينا على المرء أن يسير ببطء لبناء عالم جديد لنفسه. تمر فترة الحداد أيضا بمجموعة من المراحل. تؤدي الصدمة الأولى إلى مرحلة من عدم الثقة، لا يستطيع المفجع فيها تقبل خسارته، فقد تستمر الأرملة مثلا بترتيب مائدة لشخصين، وكأن زوجها ما زال على قيد الحياة. في المرحلة التالية يعترف المصاب بخسارته، تتميز هذه المرحلة برغبته في استعادة الشخص الذي عايشه يوما. وكثيرا ما يشعر المفجع في هذه المرحلة بوجود فقيده إلى جانبه. قد يؤدي عدم قدرته على بناء حياته كما عرفها من قبل إلى مرحلة من اليأس، ورغبة بالتخلص من أشياء فقيده. في هذه المرحلة فقط، يمكن للمفجع أن يعيش حياته من جديد رغم انه لم يدمل جرحه بالكامل بعد. ولكن للحداد أيضا عوارض أخرى، فكثيرا ما يترافق مع حزن عميق وإحساس بالخوف وشعور بالذنب. يجمع الأطباء على أن الحداد يدوم لعام أو أكثر. يمكنه خلال هذه الفترة، أن يؤدي إلى حزن عميق ما يعرض صاحبه لان يصاب بأمراض حادة كالسرطان والذبحة القلبية. وقد تبدو على المفجع عوارض المرض الذي أصيب به الفقيد قبل موته. كل المجتمعات تشرف موتاها بنوع من الشعائر مهما كانت بسيطة. مع أنها يفترض أن تكون موجهة للميت، أو لضمان سعادته في العالم الآخر، إلا أن مراسيم الدفن هي في الواقع للأحياء وحدهم. إذ أنها تقام لهدف مزدوج: أولا لتساعد المفجع على تقبل مصابه بالفقيد، وثانيا للتخفيف من الحزن الذي ينتاب المشاركين في الدفن تجاه موتهم الحتمي أنفسهم. تتألف مراسيم الدفن من عدة مراحل مدروسة بدقه، يبدأ ذلك أحيانا بتوديع لجثمان الفقيد، حيث تتوافد أفراد العائلة والأصدقاء بما يشكل دعما للمفجع، ويحول الحدث إلى موت معلن. أضف إلى أن وجود الجثمان هناك، يطيل فترة صلته بالأحياء، ما يخفف من وقع الصدمة الأولى. إبقاء الميت بين الأحياء لبعض الوقت يخفف من وطأة فترة الحداد الأولى. بعد ذلك بقليل، يقطع الدفن المعلن كل صلة بين الشخص الميت وبين الأحياء. دفن الجسد يجبر الباقين خلفه على تقبل حقيقة خسارتهم، التي تبدأ عندها بالخمود. في الأشهر التالية، تصبح الملابس السوداء علامة لفترة الحداد على الآخرين بمثابة اعتراف بالخسارة النهائية للفقيد. عادة ما تنتهي شعائر الموت بصلاة على روح الفقيد. حينها يكون الجرح قد التأم، لتحتل الخسارة مكانها الطبيعي في الذاكرة الجماعية. فيدخل الحداد مرحلته الختامية في إعادة بناء حياة جديده. لتكون الشعائر قد حققت هدفها في مساعدة المصاب، في إعادة بناء حياته. تعتبر شعائر الموت بالغة الأهمية سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع. مع أنها بدأت تتلاشى في بعض المجتمعات العصرية بسرعة مخيفة. فلا بد من الاعتراف بحقيقة مفادها، أن عدم إعارة أي اهتمام بالموت يساوي عدم الاكتراث بالحياة أيضا.

علامات الموت

من علامات حضور الموت :- 1- رؤيا المحتَضَر لمَلكِ الموتِ ، فإن كان من أهل السعادة فإنه يرى ملك الموت في صورة حسنة ويرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه ، معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة ، يجلسون منه مد البصر ، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : يا فلان أبشر برضى الله عليك ، فيرى منزلته في الجنة ، ثم يقول ملك الموت: يأيتها النفس الطيبة : اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . وأما إن كان من أهل الشقاوة فإنه يرى ملك الموت في صورة أخرى ، ويرى ملائكة العذاب سود الوجوه ، معهم أكفان من النار ، وحنوط من النار ، ثم يأتي ملك الموت ويجلس عند رأسه ، ويبشره بسخط الله عليه ، ويرى منزلته من النار ، ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، أبشري بسخط من الله وغضب. 2- بهذه الحالة عندما يرى المحتضر ملك الموت يحصل له انهيار القوى ، وعدم المقاومة ، والاستسلام لليقين ، فيحصل لديه الغثيان ، وتحصل لديه السكرات والعبرات ، وعدم الاستعداد للكلام ، فهو يسمع ولا يستطيع أن يرد ، ويرى فلا يستطيع أن يعبر ، ويحصل لديه ارتباك القلب ، وعدم انتظام ضرباته ، فيصحو أحياناً ويغفو أحياناً من شدة سكرات الموت . فاللهم أعنَّا على سكرات الموت. -------------------------------------------------------------------------------- العلامات التي تدل على موت المحتضَر : - 1- شخوص البصر لحديث أم سلمة رضي الله عنها : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شَخَص بصره وأغمضه ثم قال : [ إن الروح إذا قبض تبعه البصر.. ] الحديث [ رواه مسلم وأحمد ]. 2- انحراف الأنف عن اليمين أو الشمال. 3- ارتخاء الفك السفلي لارتخاء الأعضاء عموماً. 4- سكون القلب ، ووقوف ضرباته . 5- برودة الجسم عامة . 6- التفاف الساق الأيمن على الأيسر أو العكس ، لقوله تعالى : ( والتفَّتْ الساق بالساق ) . [ القيامة 29]. ماذا نفعل بعد تأكدنا من وفاته ؟ 1- إغماض عينيه . 2- إقفال الفم . 3- تليين المفاصل خلال ساعة من وفاته ، ليسهل نقله وغسله وتكفينه. 4- وضع ثقل مناسب على بطنه ليمنع انتفاخه إذا لم يُعجل في تغسيله. 5- تغطية الجسم حتى يُشرع في تجهيزه . 6- الإسراع في تجهيزه ، لقوله صلى الله عليه وسلم :[ أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحة فخير تقدمونها،وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ] [ رواه البخاري ]. 7- المبادرة بقضاء دَينه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يُقضى عنه ] [ رواه الترمذي ]. -------------------------------------------------------------------------------- الخاتمة وعلاماتها : - أ - من علامات حسن الخاتمة من السنة : 1- الحديث الأول : عن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان آخر كلامه من الدنيا لا إلا الله دخل الجنة ] [ رواه أبو داود والحاكم ] 2- الحديث الثاني : عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ موت المؤمن بعرق الجبين ] [ أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وغيرهم]. 3- الحديث الثالث : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ] [ رواه الترمذي ]. 4- ومن علامات حسن الخاتمة أن يموت على طاعة من طاعات الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما لو مات في صلاة أو في صيام أو في حج أو في عمرة أو في جهاد في سبيل الله أو في دعوة إلى الله . ومن يرد الله به خيراً يوفقه إلى عمل صالح فيقبضه عليه . 5- ثناء جماعة من المسلمين عليه بالخير لحديث أنس رضي الله عنه قال : مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا ً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ وجبت ] ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ وجبت ] فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت ؟ فقال : [ هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه ] [ أخرجاه ] 6- ومن العلامات التي ترى على الميت بعد وفاته : أ - الابتسامة على الوجه . ب - ارتفاع السبابة . ت - الوضاءة والإشراقة والفرحة بالبشرى التي سمعها من ملك الموت ، وأثرها على وجهه. ث - أما علامات سوء الخاتمة فهي كثيرة ومتعددة ومنها : 1- أن يموت على شرك ، أو على ترك الصلاة متهاوناً بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذا من يموت على الأغاني والمزامير والتمثيليات والأفلام الماجنة ومن يموت على الفاحشة بعمومها والخمر والمخدرات . 2- ومن العلامات التي تظهر على الميت بعد الوفاة : عبوس الوجه وقتامته وظلمته وعدم الرضى بما سمع من ملك الموت بسخط الله ، وظهور سواد على الوجه . وقد يعم السواد سائر الجسد - إلى غير ذلك - عياذاً بالله . 3- وأنصح للمتهاونين في أداء الصلاة - وأخص تاركها - بالإسراع بالتوبة إلى الله والمحافظة عليها حتى يحصل الخشوع فيها ؛ لأنها عمود الإسلام ، ولأن ما بين الرجل والكفر ترك الصلاة كما علمنا نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم : [ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ] [ رواه أحمد ومالك ] . والصلاة حصن حصين لصاحبها ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر لقوله تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ( العنكبوت 45). فأين أنت يا رعاك الله من هذا الحصن… ؟ أين أنت من هذا النهر الذي يغسل خطاياك خمس مرات في اليوم والليلة… ؟ تب الآن قبل فوات الأوان … وقبل فُجاءة ملك الموت فإن حصاد ما زرعته في الدنيا يبدأ ساعة أمر ملك الموت بإخراج الروح … فازرع خيراً تجن عواقبه . أما من أعرض عن هذا الخير ، وترك الصلاة : فعلامة سوء خاتمته السواد الذي يعم بدنه عند تغسيل جنازته . نعوذ بالله من الخذلان .

ليلة القدر

ليلة القدر يستحب تحرى ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في رمضان ، و لاسيما ليلة السابع والعشرين منه ويجتهد فيها المسلم بالمزيد من الطاعة وقيام الليل فان ذلك سيكون سببا لغفران الذنوب : قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وليكثر من هذا الدعاء اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى ، و إحياء هذه ليلة بالعبادة و إن صادفها المسلم يضيف إلى رصيده من الحسنات ما يعادل عمرا آخر ( ألف شهر ) أي ما يربو على ثمانين عاما