Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

عصر النهضــة

إعداد الدكتورة : سوسن رجب

 

يعتبر مطلع القرن التاسع عشر بداية عصر النهضة، كما هو متعارف عليه تاريخيا، ذلك أن الاحتكاك بالحضارة الغربية بدا في هذا الوقت حادا متميزا ، أسفر هذا الاحتكاك عن انتشار مدارس الإرساليات الدينية التي أمّت سواحل الشام  ومدنه، وانتشرت في قرى جبل لبنان، وتنافست في اجتذاب الناس إليها بشتّى الطرق، وفي تلك الأثناء كانت الحملة الفرنسية على مصر قد انتهت في السنة الأولى من القرن التاسع عشر بجلائها ، وعلى الرغم من قصر المدة التي أقامتها الحملة الفرنسية ، وعلى الرغم من آثارها السلبية على البلاد إلا أنها كان لها وجها حضاريا لا يُنكر تمثّل  في منجزات كثيرة نجد صورتها في الكتب التي أرّخت لها ، منها على سبيل المثال كتاب:عجائب الآثار في التراجم والأخبار " للجبرتي".

وما نود الإشارة إليه أنه كانت هناك أسباب كثيرة كان لها أثرها في النهضة واليقظة، ولكن كلها تتفرع عن هذا الأصل ، وهو الاتصال بالحضارة الغربية وثقافتها ومؤسساتها .

ولنتتبع معا هذه العوامل الأساسية الفاعلة في النهضة:

(1)     أسفر الاتصال بالحضارة الغربية عن ردود أفعال منها ، التمسك بالجذور، والعودة إلى التراث القديم ونشره ودراسته، وحركة الإصلاح الديني التي تزعمها جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ، والإحساس بأنه لا بد أن تكون لنا لغة عربية معاصرة تصلح للتعبير عن حاجات العصر العلمية والفنية ، ووضع المصطلحات وتكوين المعاجم الحديثة.

(2)     الإرساليات الدينية التي كانت ترسلها الكنيسة بحكم تصاعد الرغبة في الاستعمار، فأنشأت المدارس الإنجيلية واليسوعية ، ثم تأسست مدارس للبنات، واتسعت الفرصة بعدها لإنشاء الكليات  العالية وكانت لغة التدريس في البداية اللغة العربية، ولكن سرعان ما تحولت لغة الدراسة إلى اللغة الغربية  لذلك أصبحت هذه المدارس والكليات نافذة واسعة على الثقافة الغربية وقناة واسعة من قنوات الاتصال بالغرب وعلومه ولغاته، ثم أصبحت هذه المدارس حافزا من حوافز الرغبة في تأسيس المدارس الوطنية على غرارها، فاقتبسوا طريقتها في التعليم، وأرسلوا البعثات من الطلبة للسفر إلى الغرب ، فنشطت حركة الترجمة في ذلك الوقت لحاجة الطلبة والأساتذة إليها في الدراسة.

(3)             الغزو العسكري، الذي كان على الرغم من آثاره السلبية إلا أنه كان له أثره في الاتصال  بالحضارة الغربية وثقافتها  ومنهجها العلمي.

 

(4)     البعثات التعليمية، وكان أول من بدأها محمد علي باشا لتقوية جيشه، وتنفيذ خططه، فأرسل البعثات إلى فرنسا لدراسة الإدارة المدنية، والعسكرية، والبحرية، والسياسة ، والطب، والكيمياء والزراعة، والترجمة ، والميكانيكا، ...، وكان هدفه من خلال ذلك تقوية الجيش بالمختصين، واستثمار الأرض،وإنشاء الصناعة.

 

(5)     استقدام الخبراء والمختصين من الغرب للاستفادة من خبراتهم ، وكان أول من بدأ  ذلك محمد علي باشا ، وكان المترجمون يقفون وسطاء بين الأساتذة وبين الطلاب  وهذا أدى إلى توثيق الاتصال بالفكر الغربي وعلومه ومناهجه.

 

(6)     انتعاش حركة الترجمة التي لم تنظم إلا في عهد محمد علي، بعد عودة رفاعة الطهطاوي من فرنسا وتأسيسه لمدرسة الألسن عام 1835م ، فقد قامت حركة الترجمة على جميع أنواع المعارف والتخصصات، وقد بلغ عدد الكتب التي قام رفاعة بترجمتها هو وطلابه إلى ألفي كتاب.

الآثار الناتجة عن هذه العوامل:

1-  نشر التراث القديم، لربط الأجيال فكريا ولغويا بماضيهم، لإنارة طريقهم  إلى المستقبل ، وقد ساهمت مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي، ومطبعة الجوائب بالأستانة التي أنشأها أحمد فارس الشدياق ، ومطابع الجمعيات العامة في نشر أمهات كتب التراث في الشرق والغرب.

2-    انتشار المطابع في المراكز العلمية الكبيرة: حلب وبيروت والقاهرة والأستانة.

3-   ظهور الصحافة العربية، والتي لم تُعرف إلا في عهد محمد علي باشا الذي أنشأ الوقائع المصرية عام 1828م ثم توالت من بعدها الصحف منها: مرآة الأحوال في الأستانة، حديقة الأخبار في بيروت.... وغيرها

وأعانت هذه الحركة على نشأة نثر صحفي متحرر من القيود واللهجة والركالة، لا يحمل غير هم المضمون، ويؤديه في دقة وبساطة ووضوح، مع الحرص على سلامة العبارة ورشاقتها، وظهر صحافيون ذووا أساليب متميزة في الكتابة ،ثم توالت الصحف التي ما يزال بعضها حيّا إلى اليوم، منها الأهرام، المؤيد ، المقطم، وتأسست مجلات كبيرة مثل الهلال، والمقتطف على أيدي السوريين، ثم ظهرت المجلات المتخصصة بتوعية المرأة والمجلات الحقوقية والقضائية والطبية.

 

4- ظهور الجمعيات والأندية الأدبية والعلمية والفنية، والتي كانت مقدمة لظهور الجمعيات والمنتديات السياسية من بعد، وقد تأسست في بيروت في حوالي منتصف القرن التاسع عشر الجمعية السورية التي كان من أعضائها المعلم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، ثم الجمعية العلمية ،ثم جمعية زهرة الآداب، ثم الجمعيات النسوية لترقية المرأة ،والجمعيات الخيرية، ثم الجمعيات المتخصصة للتمثيل، ثم تعددت الجمعيات وانتشرت في بعض البلاد من بعد.

 

5-  انتشار المكتبات العامة والخاصة في مصر والشام وأقطار الوطن العربي الأخرى، ومن أشهرها: دار الكتب المصرية بالقاهرة، والمكتبة الأزهرية بالقاهرة، المكتبة الظاهرية بدمشق، مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب،المكتبة الخالدية بالقدس،مكتبة الكاظمية وكربلاء والنجف ببغداد،مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة،مكتبة الجزائر الأهلية، المكتبة الصادقية بتونس.

 

6-  نشأة المسرح العربي ، وقد كان لمارون النقاش فضل اقتباسه في بيروت من إيطاليا، وقد مثّل مع أصدقائه في بيته ببيروت مسرحية البخيل،ثم عصر هارون الرشيد، ثم انتقلت الحركة المسرحية إلى مصر، ثم أنشأت دار الأوبرا التي مثلت فيها مسرحية عايدة، ثم انتعشت الحركة المسرحية وظهرت الفرق المسرحية المتعددة.