Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

مغترب يرسم

يضعُ أبني عُلبة ألوانهِ أمامي

ويطلبُ مني أن أرسُم لهُ عصفوراً ..

أغطُّ الفرشاة باللون الرمادي

وأرسمُ لهُ مربعاً عليه قفل ..وقضبانْ

يقولُ لي أبني ،والدهشة تملأ عينيه :

" ولكن هذا سجن ..

ألا تعرفُ ،يا أبي ،كيف ترسم عصفوراً ؟؟ "

أقولُ له : يا ولدي ..

لا تؤاخذني

فقد نسيتُ شكل العصافيرْ ..

 

يضعُ أبني عُلبة أقلامِهِ أمامي

ويطلبُ مني أن أرسم له بحراً ..

آخذُ قلم الرصاص

وأرسُمُ له دائرةً سوداءْ ..

يقولُ لي أبني :

" لكن هذهِ دائرةٌ سوداء ،يا أبي ..

ألا تعرفُ أن ترسم بحراً ؟؟ "

ثم ألا تعرفُ أن لون البحر أزرقْ ..

أقولُ لهُ : يا ولدي ..

كنتُ في زماني شاطراً في رسم البحارْ

أما اليوم ..فقد أخذُوا مني الصنارة ..

وقارب الصيد ..

ومنعوني من الحوار مع اللون الأزرقْ ..

واصطياد سمك الحرية

 

يضعُ أبني كراسة الرسم أمامي ..

ويطلبُ مني أن أرسم له سُنبُلة قمحْ ..

أمسكُ القلم ..

وأرسُمُ له مسدساً ..

يسخرُ أبني من جهلي في فنّ الرسمْ ..

ويقولُ مستغرباً :

ألا تعرفُ ،يا أبي ،الفرق بين السُنبُلة ..والمسدس ؟؟

أقولُ له : يا ولدي ..

كنتُ أعرفُ في الماضي شكل السُنبُلةْ ..

وشكل الرغيفْ ..

وشكل الوردةْ ..

 

أما في هذا الزمن المعدني

الذي انضمت فيه أشجارُ الغابة

إلي رجال الميليشياتْ

وأصبحت فيه الوردةُ تلبسُ الملابس المُرقطة

في زمن السنابل المسلحةْ

والعصافير المسلحةْ

والثقافة المسلحةْ

والديانة المسلحةْ ..

فلا رغيف اشتريه ..

إلا وأجدُ في داخله مسدساً

ولا وردة أقطفُها من الحقل

إلا وترفعُ سلاحها في وجهي

ولا كتاب أشتريه من المكتبة

إلا وينفجرُ بين أصابعي

 

يجلسُ أبني على طرفِ سريري

ويطلبُ مني أن أسمعهُ قصيدةْ

تسقُطُ مني دمعةٌ على الوسادةْ

فليتقطها مذهولاً ..

ويقول :

" ولكن هذهِ دمعةٌ ،يا أبي ،وليست قصيدةْ "

أقولُ له :

عندما تكبرُ يا ولدي ..

وتقرأ ديوان الشعر العربي

سوف تعرفُ أن الكلمة والدمعة شقيقتانْ

وأن القصيدة العربيةْ ..

ليستْ سوى دمعةٍ تخرجُ من بين الأصابعْ ..

 

يضعُ أبني أقلامهُ ،وعلبة ألوانه أمامي

ويطلب مني أن أرسم له وطناً ..

تهتزُ الفرشاةُ في يدي ..

وأسقطُ باكياً ..