Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

رداًعلى مقالة أحمد بزون عن أمسية مظفر النواب
ليس تكراراً فالحقيقة والقضايا لا تتغير

فاطمة الرز غدّار

 

كيف يكرر نفسه من يواكب الحدث؟
وهل أصبح تبنّي القضية الفلسطينية تكراراً؟
هل أصبحت مواكبة التحرير في جنوب لبنان وبقاعه الغربي تكرارا؟
هل أصبحت مواكبة الانتفاضة في فلسطين المحتلة تكرارا؟
هل أصبح رفض الذل والاستسلام للكيان الصهيوني تكرارا؟
لا شيء يتغير، لا الشعر ولا الانسان... الأشياء تتطور.. والتغيير لا يعني أن نلغي أنفسنا، بل يعني ان نطوّرها دون إلغائها.
قضايانا القومية هي هي.. قضايا قومية. القومية لا تنقلب الى صهيونية او امبريالية أميركية او الى تسوية مع العدو الصهيوني، او الى صمت معيب أمام أبشع الجرائم الصهيونية بحق أبطال الانتفاضة في فلسطين المحتلة.
علاقتنا بالقضايا القومية لا تتغير، فحب الوطن هو حب الوطن وعشق الأرض هو عشق الأرض، والاحتذاء على الخط الحسيني الثوري هو التزام بهذا الخط. وعلاقة الشاعر بكل تلك القضايا: الشعر.. الانسان.. القضايا القومية.. الوطن.. الأرض إلخ.. هي علاقة حب يستحيل على من لا يفهم ماهية الشعر أن يفهم ماهية هذه العلاقة.
مظفر النواب لا يتشفّى من العرب، بل هو يتشفّى عنك وعني، لك ولي: من بعض الحكام الذين لا يقفون مواقف صلبة في المواقف الصعبة، وليس تحت راية شتمهم.
من منا لم يشتم بينه وبين نفسه تلك القمة؟! ومن منا لم يقل بينه وبين نفسه لماذا هذا الصمت أمام موت الأطفال الذين يُقتلون على أيدي الصهاينة الغادرين الظالمين المغتصبين أرض سواهم؟!

تحريض


يبدو ان كاتب المقال هو الذي يتشفّى من مظفر النواب بهجومه غير الموضوعي وغير المبرر عليه. وقد وصل بهذا الهجوم الى حد محاولة تحريض رجال الدين المسلمين على الشاعر الكبير مظفر النواب، وإن "بطريقة غير مباشرة"!!! ووصل في هجومه هذا الى حد اتهام الشاعر باستخدام الألفاظ "المحرمة" كمفاتيح لموجات الترحيب بشعره يُهين بها النواب جمهوره.
ان من يهين الجمهور العربي بجميع فئاته هو كاتب المقال لأنه يحط من قدر وعقل المواطن العربي الذي أتى لحضور أمسية النواب متهما إياه بأنه لا يستجيب سوى للشتائم والألفاظ المحرمة..
ثم يخلط كاتب المقال الحابل بالنابل حين يتساءل عن مستقبل الشعر الذي يرتكز في رأيه الى الغرائز الجنسية، ويعرج على الفضاءات العربية التي تعرض أفلاما إباحية. فما علاقة هذا بذاك؟ وما علاقة الشاعر الكبير والمناضل العربي مظفر النواب بكل هذا الذي يذكره الكاتب؟!
يبدو ان كاتب المقال يجهل ان من حق الشاعر توظيف واستغلال كافة الوسائل اللغوية والتعبيرية لتجسيد فكرته التي يريد التعبير عنها، ولم يعرف بل لم يفهم كاتب المقال ان من حقّ الشاعر ان يسخّر الخمّارة وبائعات الهوى وأجسادهن والشتائم والجنس كرموز يدل بها على فكرة معينة او واقع معين.
يتحدث مظفر النواب في قصيدة "في الحانة القديمة" عن الغربة والسكر ليتذكر الوطن، وحين يتحدث عن المومس يتحدث عن الموقف أكثر مما يتحدث عن الجنس او يستهدف الإثارة الجنسية.. فهو يقول: "عفوَكِ عفوَكِ سيدتي/ لم يتلوّث منكِ سوى اللحم الفاني/ فالبعض يبيع اليابس والأخضر ويدافع عن كل قضايا الكون ويهرب من وجه قضيته/ سأبول عليه وأسكر/ ثم أبول عليه وأسكر/ ثم تبولين عليه ونسكر". فمظفر يعتبر بيع الموقف او الهرب من القضية اكثر عهرا من بيع المومس لجسدها، ولا يبرّر وضاعة بيع الجسد، إنما من فعل ذلك هو الكاتب صاحب الاسئلة "المحرمة" في مقالته بقوله بالحرف الواحد ".. فأنا لا أعترض لا على الخمارات ولا حتى على بائعات الهوى.." فهو باعترافه ذلك يهين كل الناس بما في ذلك رجال الدين. وهذا يتناقض مع ما ذكره مظفر النواب وقصده في قصيدته "في الحانة القديمة" وما اعترض عليه كاتب المقالة.


قول الحقيقة


ثم ان مظفر لم يشتم اليسار كفكر، بل أدان "بعض يسار قليل المروءة مستلم ويمين عميل". وثمة فرق شاسع بين "البعض" والكل... فلماذا يُصرّ كاتب المقال على تحريض كل الجهات والقوى والمراجع والجماهير و"السلطات" العربية، ضد شعر مظفر؟! أم ان الكاتب يعبّر عن مزاجيته الخاصة المضادة لإجماع معظم التيارات والفئات المختلفة على الإعجاب بشعر النواب ومواقفه؟!.
لو ان كاتب المقال سمع جيدا جميع الشعر الذي قاله النواب في تلك الأمسية لفهم ان المقاطع التي احتوت شتائم لا تقاس بما قيل من شعر احتوى على صور في غاية الروعة والجمال.
ولو ان كاتب المقال قرأ او سمع او اطلع على معظم نتاج النواب الشعري لعرَف بأن النواب شاعر متمكن في شعره، مجدّد ومتطوّر مع تطوّر الحياة والأحداث.
قبل أن يُحاكِم كاتب المقال شاعرنا الكبير مظفر النواب، فليحاكم نفسه لأنه سمح لنفسه بأن يحكم على شاعر من خلال بعض عبارات وجمل من شعره.
ان الحكم على شاعر يكون بعد الاطلاع على معظم نتاجه الشعري إن لم يكن جميعه.
لا يبحث مظفر النواب عن "النجومية"، يبحث عن الانسان في داخل كل إنسان عربي ليستثيره على الحفاظ على كرامته العربية وقضاياه القومية، وقول الحقيقة لم يكن أبدا بحثا عن النجومية. قول الحقيقة هو أحد أهم وظائف الشعر، وما استجابة الجمهور للنواب في تلك الأمسية إلا حب للحقيقة وليس استئناسا بألفاظ وعبارات معينة.

 

.ردا على مقال أحمد بزون "أسئلة محرّمة، الى مظفر النواب" في جريدة السفير 5 12 2000، العدد 8774.

 

.المصدر: جريدة السفير –12 ديسمبر 2000 – بيروت.