Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

أسئلة محرمة الى مظفر النواب

لماذا يصر الشاعر مظفر النواب على تكرار نفسه بهذه الطريقة منذ السبعينيات وحتى الآن، كأن الدنيا لم تتغير، والعرب لم يتغيروا، والشعر لم يتغير، ثم كأن المثقفين أنفسهم لم يغيروا علاقتهم بالقضايا القومية والسلطات؟
لماذا يصر الشاعر على لغة التشفي الدائمة من العرب، تحت راية شتم الحكام. تماماً كما كان يفعل سلفه الشاعر الراحل نزار قباني، مع احترامنا لقامتيهما الشعرية.
في الأمسية التي أحياها الشاعر النواب، في قصر الاونيسكو ببيروت السبت الماضي، كان لا يزال السؤال نفسه يتكرر. وإن لم يكن السؤال تركز، في الأمسية المذكورة، فقط حول أسلوب التشفي، فالذي تكرر أيضاً هو الشعر نفسه، والمضامين نفسها والمطالع والايقاعات، وإن اختلفت العناوين… وغابت دائماً الاسماء المشتومة.
قد يقول قائل إن شاعرنا لم يشتم العرب، وإنما شتم الحكام والقمم، ولهذا كان العرب الحاضرون في الأمسية يطلقون عواصف التصفيق كلما علت الشتيمة في تشفيها، أو أسفّت نحو بذاءة الألفاظ التي استخدم منها الكثير في الأمسية البيروتية…
لكنني أسأل: من يا ترى استثنى الشاعر من شتائمه التي كانت تلقى ترحيباً أيما ترحيب؟ وهو الذي "لا يستثني أحدا" من "أولاد القحبة الذين يستمعون إلى صراخ بكارة القدس" ومن "المعزى والغنم والحمير". كأنما على الشاعر أن يكون مبالغاً ومسيئاً في رسم الصورة حتى يستطيع أن يؤثر في الناس أكثر، او كأنما عليه أن يهين الناس ويخزهم ليستنفرهم في معركة الذود عن كراماتهم، تماماً كما يجوّع ثائر الناس كي تصح دعوته إلى الثورة.
مظفر النواب "شتم" في القاعة الإسلاميين وإن بطريقة غير مباشرة، وفي مقدمة الصفوف عدد لا بأس به من علماء الدين، عندما أمضى معظم قصائده في الخمارة ومع بائعات الهوى، فحتى الصيحات التي كان يطلقها في مناجاة ربه كانت مفعمة برائحة الخمر وأجساد بائعات الهوى، ولا أقول ذلك من أجل التحريض فأنا لا اعترض، لا على الخمارات ولا حتى على بائعات الهوى، وإنما أورد ذلك على سبيل الإحصاء والحصر. وهو، الى ذلك، شتم بقايا اليسار، كما شتم اليمين، ولم يوفر قسماً من رجال السياسة والصحافة… ومع ذلك فالتصفيق بقي على اشده، فكان يتصاعد كلما قست الشتائم وعلا صوت شاعر المنبر.
لا نشك في عروبة مظفر النواب، إنما نعترض على تماهيه مع التصفيق ومع ما يطلبه جمهور المستمعين منه، فيلجأ الى تحريك سواكن الناس بالألفاظ "المحرّمة"، كمفاتيح لموجات الترحيب بشعره.
ولا نشك في صدق اعتراضه على القمم وتحمل تبعات مواقفه نفياً ومنعاً وإقصاء، لكننا نعترض على هذا الجانب من الاسلوب النزاري نفسه الذي يكرره النواب مرتكزاً على استغلال نقاط ضعف في الجمهور العربي. ولا أدري ماذا يحدث لذلك الشعر المرتكز الى الغريزة الجنسية مثلاً، عندما تصبح فضاءات العرب مستباحة بكل صنوف أفلام البورنو؟!.
ولا نشك في شعرية مظفر النواب وقدرته على ابتداع اجواء شعرية جميلة، خوّلته أن يكون نجماً منذ السبعينيات حتى الآن، لكننا لا نستطيع إلا ان نعبر عن شعورنا بضرورة ان يغادر الشاعر نفسه وألا ينام على نجومية مهددة بالبهتان.

أحمد بزون

-------------------

المصدر: جريدة السفير - يوم الثلاثاء 5 ديسمبر 2000م - بيروت.