Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

مظفر النواب ينشد في بيروت للانتفاضة والمقاومة

قصائد تنطق بلسان الناس وتنبض بقلوبهم

دائما يجد الشاعر مظفر النواب جمهوره، وحين يصعد الى المنبر تتوقف الأسئلة حول شعبية القصيدة وقدرتها على ان تكون لسان حال الناس والناطق الأمين بلغة قلوبهم وعقولهم.

وفي الأمسية التي أحياها النواب في قاعة قصر الأونسكو في بيروت (مساء السبت) بدعوة من المؤتمر الدائم لمناهضة الغزو الثقافي الصهيوني وهيئة دعم المقاومة الاسلامية، تكريما للمقاومة وتضامنا مع انتفاضة الاقصى... كسر مظفر النواب عزلة الكتب، وأثبت ان الشعر جدير بالانشاد ويستحق التصفيق. واللافت في هذه الامسية ان جمهورها لم يقتصر على الشعراء والأدباء والصحفيين، بل استقطبت اجيالا متنوعة غصت بهم قاعة الأونسكو رغم قدرتها على استيعاب أكثر من ألفي شخص.

هاني مندس منسق عام المؤتمر اعتبر في تقديمه للشاعر ان القيود تسقط ويصبح الوطن أكثر دفئاً وقرباً من اليد والقلب حين نستمع الى قصائد النواب. كلمة هيئة دعم المقاومة الاسلامية ألقاها رئيسها حسين الشامي، وجاء فيها ان الكلام عن المقاومة والانتفاضة كلام يجمع بين القوة والشعر، بين العقل وقلبه، بين الفرحة والألم. بعد ذلك بدأ النواب الحفر في مسيرة الذات، حيث الغربة والمنفى والتيه والحنين الى أماكن الطفولة ووطن القلب-العراق: سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل، وان يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان.. ورضيت يكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير.. لكن سبحانك حتى الطير لها أوطان.. وتعود إليها وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر سجون متلاصقة.. سجان يمسك سجان.

وكعادته في القصيدة السياسية، عرف النواب كيف يهز جمهوره من خلال عزفه على وتر الجرح العربي، معيداً بذلك للقصيدة الساخرة والزاخرة بمرارة الواقع حضورها وتغريدها وخفقاتها، ومع هذه القصائد استعاد مظفر النواب نوعاً من الأخوة الشعرية بين القصيدة والجمهور... مثيراً بذلك أكثر من سؤال حول الشعراء الذين يرفضون ان يكونوا حاضرين كخطباء بين الناس، وتجلت هذه الأخوة في هذا السيل الإيجابي بين الشعر ومتذوقيه. وتأكد لنا من جديد ان هذه المغامرة المنبرية ضرورية كي يتخلص الشعر من هامشيته التي فرضت عليه.

مظفر النواب قرأ بعاطفة جياشة، وأطل علينا مدسوساً بالجنات المفقودة او الذاوية، والأحلام الخائبة. وتدفقت كلماته مثل سيل من الأنغام، ضارباً عرض الحائط القيم الأخلاقية السائدة، مجترحاً مفردات تليق بهذا التخاذل الذي يتجلى في مواقف بعض الأنظمة العربية. لكن هذه المشاهد المأساوية والسوداء، يظهر من بينها خيط ضوء، جسدته الانتفاضة ونشج معالمه أطفال الحجارة، ليرسم مظفر النواب بعد ذلك صورة للطفل محمد الدرة: لم تكن تتقي وابل المجرمين بظهر أبيك.. ولكن ترص عزيمته لاختراق الرصاص .. ورغم صراخك، كم كان صوتك عذباً، وكأن جميع الطيور ذبحت وهي تشدو.. وبين الرصاص لمحت حذائك، كان صغيراً لكنه حتفهم لا مناص.

بالأمس انتهت القطيعة بين الشعر المكتوب والشعر المقروء، القصيدة النشيد عاد إليها ألقها، نما الشعر الصوتي وقراءاته المتجلية، واستعدنا مرة ثانية تقاليد الإلقاء الشعري.

حسين نصر الله

 

المصدر: جريدة الكفاح العربي - العدد 2754 - الاثنين 4 ديسمبر 2000م - بيروت.