Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

 

أبو الطيب المتنبي الشاعر الأشهر

اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي

وإنما سمي المتنبي لأنه على ما قيل ادعى النبوة في بادية السماوة

إختلاف المؤرخين في أبيه ونسبه ، أكان جعفيا أم علويا ؟

أن ابا المتنبي السقاء علوي، فكتمها مخافة على العلويين والخلفاء، وعلى هذا لم يقل شيئا عن أبيه في قصيدته طول كلامه مع أنه ذكر عن أمه وجدته

أما ما قال محمود شاكر عن نسبه أنه ولد خليفة  العباسية  ربما يكون فيها صلاحية..


التقديم:

أيها الإخوة ، العرب قوم ، أخبارهم عجب، وثقافتهم مشهور  ،  وتنافسهم الجنسية معروف ، والتفاضل في النسب معلوم ، فهي الذي يؤديهم إلي الحروب ، بين الأسر والقبائل  ،  التي تمتد إلي السنين .

فالتفاضل والتنافس  تؤدي ألي التفاخر،
والتفاخر بواسطة الشاعر أو القاعد،
 كلاهما في القبيلة أفضل الرجال ، وأكرم الناس ،
المتمايز من عامة الناس، بغير المخاطبة والمباشرة.

فصار الشعراء بعيدا من عامة الناس ، بعد العلو والكرم، فصار مكروما بشاعريته، وممدوحا بمكانته، ومعدودا في المجالس بحضرته، فصاروا حافظين على الفضائل من ضيعتها، متمسكين عليها بالنواجذ، مبعدين غيره من المصاحبة إلى جنسهم ، والمشاركة إلى عصبتهم.

        فوضعوا القواعد للشعر، قاعدة بعيدة ،

         تقصد به التباعد بينهم وبين عامة الناس،

         فجعلوها "الكلام الموزون المقفّى" ،

         فصار الشاعر كالكاهن ،

         مكرمين بين عامة الناس ، ومقربين إلى الملوك والأمراء ،

         مصاحبين معهم في المنادمة والمشاورة،

        مؤاخذين منهم الأجرة والعطاء ، متملكين لزيادتهما من الملوك والأمراء،

         هذا ما نرى من إشارة كتاب البديع لأديب المشهور ابن المعتزّ.

ولما جاء المتنبي صار الأمور مخالفا ،

 وكان بين الناس مخالطا ، ولمن حوله مصاحبا،

وفي مجالسهم مشاركا ، وفي أمورهم متداخلا ،

 فصار آمرا بسدّ الضرائب، وناهيا عن إطاعة الأمراء ، ومحرضا ضد ولاة الأشرار، وقائدا لمن حوله إلى أمر يراد،

 فصار كلامه مثل كلامهم ، وأسلوبه مثل أسلوبهم،

وصارألفاظه بالوضوح فصيحا ، من التنافر بعيدا،

 لفظيا ومعنويا.

فيقال أنه هو الشاعر العربي يعبّرتلقائيا بلغة يتحدث به الناس.

         ولنأخذ مثالا بسيطا على ذالك من قول المتنبي

         ترد كلمة "أنت" ثلاث مرات.  .  فهو يقول :

        قبيل يحملون من المعالي ****  كما حملت من الجسد العظام

        قبيل أنت أنت وأنت منهم **** وجدك بشر الملِك الهمام

        (يعني أن المعالي مشتملة عليهم اشتمال اللحم والجلد على العظام والمعنى أنهم للمعالي كالعظام للأجسام

        أراد قبيل أنت منهم وأنت أنت في علو قدرك يعني إذا كنت أنت منهم وجدك بشر فكفاهم بذلك فخرا وقد أخر حرف العطف في قوله وأنت وهو قبيح جدا وهذا كما تقول قامت زيد وهند وأنت تريد قامت هند وزيد)

والذين ينظرون الى النظم فقط فقط قد يعتبرون هذا من هثالة القول.  ولكن هؤلاء لايفهمون طريقة الكلام عند العرب،

 فالمتنبي يستطيع ان يفهمه حتى رجل العادي او الشارع أن معناه

"أنت ياممدوح مع ما أنت عليه من صفاتك ثم أنت من هذا القبيل فما أسمى منزلة هذا القبيل.


البيئة عند قدوم المتنبي

فالباحث في سيرة المتنبي عن أدبه وشخصيته متبعا للدراسات المكتوبة ، قديما وحديثا ،

 فليتفق مع القاضي الجرجاني ،

 فالنقاد مختلفون ،آراء وأفكارا، موافقا ومخالفا ،

 أما عن المتنبي ، لم يقف عند حد  النقد الأدب العربي ،

 بل تجاوز من جميع الحدود  إلى العداوة ،

ومن العداوة إلى العنت والأذى،

        فالمتنبي في أول الأمر غافلا

         ثم صار صابرا ،   حتى اللامبالاة متكلفا،

         بل عند وشك الفهم أنه قد يُغلب  ،  والأعداء سيغلب ،

         فانفجر المتنبي بالهجاء،

         ناسبا حقد أعدائه عليه،  إلى الحسد منهم إليه،

         فاخرا بكل ما يعرف من الفضائل بنفسه عليه،

         متجاوزا كل الحدود،

         حتى شبّه نفسه  بالأنبياء ، كصالح وعيسى عليهم السلام.

أنا ترب الندى ورب القوافي**وسمام العدى وغيظ الحسود

أنا في أمة تداركهــا الله  **  غريب كصالح في ثمـود

ما مقامي بأرض نحلة  إلا  **   كمقام المسيح بين اليهـود

فنال لقبه المشهور   المتنبي  ،
 نسبة  إلي هذه  الأبيات ، و إلي هذا التشبيه،
اتهاما عليه من وشاته ، وافتراء عليه من أعدائه.

فانظر إلى هؤلاء ، صاحب بن عباد ، كان شريكا للمتنبي ،

 مقصد الشعراء  والأدباء، حتى تشير الرواة إلى شدة

إعجابه بشعر المتنبي، فلما بدا للمتنبي ما بدا ،

 فأدار عن وجهه، ورفض عن يلبي على دعوته،

 فانحاز الصاحب إلى جانب أعدائه،  فتولد الكتاب

 "الكشف عن مساوئ عن شعر المتنبي"

فالأول من أعدائه ، كان شريكا له،

 وشاعرا يحب الشعر والأدب،

 ويحب المدح بنفسه عن غيره،

 ولكن المتنبي جعله عدوا،

فصار عدوا  ليس كالعدو،  بل أشد الأعداء،

حتى صار جميع محاسنه مساويئا،

 وجميع كرمه ذلة ،   وجميع أفكاره ملتقطا،

وجميع حكمته مسروقا،

كما فعل الحاتمي صاحب الرسالة ،

 ما تولدت إلا لإرضاء الوزير ألمهلبي،

ولإهداء غضبه على المتنبي،

الذي تولى عند رفضه عن مدحه ، ليفتخر أمام غيره.

  فالرسالة الحاتمية موضوعة، لغرض معينة،

 هو إرضاء عدو المتنبي،

 فضَلَّ النقد عن أساسه،

 فلا ينتهي النهاية إلا على الكذب.

ما كان مخالفا منها في بلاط سيف الدولة،

كان أبو فراس الحمداني رائدا وقائدا،

أمام سيف الدولة في قصره ،

حتى حل محله المتنبي،

 وجلب أبو الفراس من  وراءه

مثل ابن  خالويه، وأبي علي الفارسي،

 إلى طريقه الحسد والحقد،

 وجمعوا ضد المتنبي كنفس واحدة ،

 ففر المتنبي من بينهم ليسلم نفسه من الجارحة.

ولم يكن الأمر أفضل من ذلك في بلاط كافور الإخشيدي،

وهناك أيضا الوزير   المسمى "بإبن الخنزابة"

الذي ظن أنه سيفقد منزلته بحضور المتنبي،

 هوالمشار في بيته:

وماذا بمصر من المضحكات    ولكنه ضحك كالبكا

بما نبطي من اهل السود                     مدرس أنساب أهل الفلا

كما قال التبريزي ،

 فأذاع التهمة على المتنبي انه رغب على المقاطعة "صيداء"

كما أذاعها أبو القاسم الأصفهاني

 في كتابه "إيضاح المشكل في شعر المتنبي".

ويمضي الأصفهاني في حديثه قائلا عن بيت المتنبي امام الكافور:

إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية

                     فجودك يكسوني وشغلك يسلب 

قاصدا ولاية صيداء،

 أجابه كافور : " لست اجسر على توليتك صيدا لأنك على ما انت عليه تحدث نفسك بما تحدث .  فان وليتك فمن يطيقك؟ 

 وهذا الخبر ظاهر  التحمل والكذب .

  اذ كيف يعقل ان يحاور  رئيس امتد سلطانه من مصر الى الشام والى الحجاز،

  رجلا يأتي اليه لنيل هباته بمثل هذه  الطريقة؟  .

هذا ما قلت:

 فانفجر المتنبي بالهجاء،

 ناسبا حقد أعدائه عليه ، إلى الحسد منهم إليه،

فاخرا بكل ما يعرف من الفضائل بنفسه عليه،

 متجاوزا كل الحدود،

 حتى شبّه نفسه بالأنبياء، كصالح وعيسى عليهم السلام.

فنال لقبه المشهور المتنبي  ،

 نسبة  إلي هذه  الأبيات ، و إلي هذا التشبيه،

 اتهاما عليه من وشاته ، وافتراء عليه من أعدائه.

كما قال شوقي ضيف

" أن بعض الباحثين عن المتنبي

 ما فهموا معاني الحقيقة لهذا البيت ومراده،

 بل يقولون مستدلا من هذه الأبيات

أن المتنبي ادعى النبوة"

بتشبيه نفسه بعيسى وصالح من الأنبياء.

  ويقول:وكان تشبيه المتنبي لنفسه في هذه القصيدة

 بالمسيح والنبي صالح سببا في أن يتهمه بعض معاصريه

 بأنه ادعى النبوة حينئذ، 

وهو اتهام أراد به بعض خصومه الغض منه والإزدراء عليه،

  اتهام باطل لفقوه كما لفقوا عليه،

 أنه زعم إحداث بعض المعجزات ،

وأنه انزل عليه القرآن،  رووا  منه فقرا،

 حاكوا في صياغتها صياغة بعض آي الذكر الحكيم.

  وكأنهم اشتغلوا لقبه "المتنبي" ليصموه بهذا الاتهام الزائف، 

أما ما قال ابن الجنّي صديقه ومعاصره وهو

 إنما لقب بالمتنبي رمزا لعبقريته الشعرية،

 أو لعل الناس لقبوه بهذا اللقب حين رأوه يشبه نفسه بصالح والمسيح.

فصول في الشعر ونقده ص : 83

 ويقول شوقي ضيف عن حبسه في اللاذقية،

 أنه ما كان بسبب ادعاء النبوة ،

بل بدعوته ضد الملوك الجائرين،

 وتحريض الناس للجهاد عليهم بمنع الضريبة،

 وهجاء الملوك والولاة.  كما قال في ميميته:

 فبهذا يصرح المتنبي إنما عدوي الشعراء:

أرى المتشاعرين غروا بذمي   ومن ذا يحمد الداء العضال

ومن يك ذا فم مر مريض                   يجد مرا به الماء الزلالا

و يقول :

أعادي على ما يوجب الحب للفتى          وأهدئ والأفكار في تجول

سوى وجع الحساد داو فإنه                 إذا حل في قلب فليس يحول

ويقول أيضا معلنا أنه ليس غريبا بين الناس:

وحيدا من الخلان في كل بلدة       إذا عظم المطلوب قل المساعد

في فكرنا العام، وبحثنا الجليل،

 سؤال واحد أمامنا يرتفع،

فما السر لمظاهر المتنبي في خلقه الشاذ؟ 

 وما علة كراهية كل أولئك الناس  له؟   

فإنه سيجد  الجواب الشافي في أحاديثهم عنه .

  فلنصغ جميعا إليهم.

أولا ابو القاسم  الأصفهاني في كتابه  المشهور

 " ايضاح المشكل  لشعر المتنبي"

" المتنبي في الجملة خبيث الاعتقاد،

 كان في صغره قد وقع الى واحد من المتفلسفة فهوسه وأضله،

 أما ما يدل عليه شعره فمتلون،

  فمرة يذهب مذهب السوفستائية،

  وطورا  الى مذهب الشيعة،

  أو مذهب من يقول بالنفس الناطقة أو مذهب الحشيشية!!!"

فانظر إلى إحكامه،  وناقش عن نظريته،

 وافهم ما  في  نفسه على المتنبي من حقد المتأدب  الأصفهاني،

 هل نستطيع ان نوافق لهذا الرأي؟

  فإنه يهرف  بما لا يعرف،

ويتدخل فيما لايفهم؟

 ويحكم بغير عدل ، ويستدل بغير دليل،

 ويقول بافواهه ما ليس في قلوبه ،

 قابضا الثمن من غيره.

 أما اذا شئت ان تفهم سر الحاحه على نسبة الضلالة الى الشاعر،

 فإن عليك أن تعلم

أن الأصفهاني انما الف كتابه لبهاء الدولة  البويهي،

ردا على دفاع ابن الجني، عن صديقه المتنبي. 

مع أن البويهيين فلهم حديث طويل مع المتنبي.

 فالمتنبي هنا بريء ،

 إلا أنه  صديق ابن الجني.

 أما الأصفهاني لم يكتفي  بإيراد تلك  الأخبار،

 التي قصد بها ان يضع من منزلة  المتنبي، 

وإنما يختم حديثه بالتهجم على الشاعر،

تهجما يثبت تحيزه وسوء نيته.

ويقول " ولم تكن في المتنبي فروسية

وانما كان سيف الدولة سلمه الى الرواض فاستجرأ على الركض،

 اما استعمال السلاح فلم يكن من عمله !

 اما عن شعره فهو سريع الهجوم على المعاني

 يقبل الساقط الردي كما يقبل النادر البديع.

 وفي متن شعره وهن، 

وفي الفاظه تعقيد وتعويض"

فكل هذا يفهم بانه رجل مأجور،

كتب بعد ان قبض الثمن مأمور.

-  راجع إيضاح المشكل  لشعر المتنبي لأبو القاسم  عبد الله بن عبد الرحمن  الاصفهاني

لقد انصب اهتمام حساد المتنبي واعدائه على بذل محاولات يائسة القصد منها التهوين من شأنه في عالم  الشعر،  والبحث عن نقائصه  وتعداد  التهم والعيوب والسقطات عليه،  فعل ذلك  الحاتمي في رسالته سيئة  الصيت،  وفعله ابن سكرة وابن حجاج في هجائهما المخزي،  ولكن جميع محاولات هؤلاء  باءت بالفشل والخذلان، 

لأن سيرة المتنبي وشعره قد كذبا كل ما ذهبوا اليه.  و صارا شوكة في حلوقهم  وأدلة على سوء نيّاتهم .  

كان ذلك موقف الأعداء،
 اما الوقائع،  واما سيرة الشاعر،  واما شعره،  واما روايات انصاره انها الابواب التي ندخل منها الى عالَمِه  لنعرف اليه ونكتشف الحقيقة بانفسنا. 

فما أصدق قول المتنبي حين وصف نفسه  بوصفهم بقوله:

جوهرة تشرف الشراف بها                      وغصة لا بسيفها السلف


خلاصة البحث والإختراعات

وبعد بحث طويل في هذا الموضوع: اصل الى الأمور الآتي:

إختلاف المؤرخين في أبيه ونسبه ، أكان جعفيا أم علويا ؟

 فهمت من هذا البحث أن ابا المتنبي  السقاء علويا فكتمها مخافة على العلويين  والخلفاء وعلى هذا لم يقل شيئا عن أبيه في قصيدته طول كلامه مع أنه ذكر عن أمه وجدته.

أما ما قال محمود شاكر عن نسبه أنه ولد خليفة  العباسية  ربما يكون فيها صلاحية.

ثانيا إدعاء بعض المؤرخين أنه قرمطيا

مستدلا على أبياته

وليس فيها شيء يذكر ،

 لأن المتنبي مع بداية شاعريته في صباه  إذا قال شيئا ملآئما لما رآه أو مخالفا لم يكن بد على أن يكون هذا ظهور اعتقاداته وانفعالاته 

بل هناك أمر مهم، أن ما رأى حوله قد أهر في حياته وفكراته واعتقاداته وانتظاراته  ففاض ما في قلبه من الشعورات شعرا وخيالا.


ثم ادعاء النبوة : هذا هو الأمر  المهم في بحث المتنبي أكان مدعي النبوة أم لا؟

يتفق المؤرخون جميعا على حبسه بيد والي حمص ، بل يختلفون على سببه .

أما من يقولون بادعائه بالنبوة أولا على اسمه "المتنبي" حتى يقولون  " لايكون الدخان إلا بالنار" ولكن هناك صلاحية لمن يستدلون على سببية اسمه أبياته المذكورة  مشبها نفسه بالأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله ليكونوا شهداء على الناس.

 ما مقامى بأرض نحلـة إلا     كمقام المسيح بين اليهود

وقوله فى نفس القصيدة:        

إن أكن معجبا فعجب عجيب      لم يجد فوق نفسه من  مزيد

أنا ترب الندى ورب القوافى     وسمام العدى وغيظ الحسود

أنا فى أمة تداركهـــا الله        غريب كصالح فى ثمــود

وقوله أيضا :

أنا الذى بيــن الإله به الـ                     أقدار والمرء حيث ما جعله

وقوله فى رثاء التنوخى محمد بن إسحاق :

وكأنما "عيسى بن مريم " ذكره             وكأن "عازر " شخصه المقبور

وقوله:

لو كان علمك بالإله مقسما                   فى الناس ما بعث الإله رسولا

لو كان لفظك فيهم ما أنزل      الفرقــان  والتوراة والإنجيل

هذه الصلاحية جواب للسائلين "هل الدخان إلا بالنار"

أما لاستدلال بمعجزاته المروية أيضا مشكوك في صحته ،

لاسيما لما  نربطها بضوضاء نسبه،  وكفه عن زيارة جدته المريضة ، ودخول كوفة وغيرها مما وقع في حياته من العلوية

فقول محمود شاكر صحيحا جدا.

والدليل الآخر استعطاف  المتنبي للوالي ولم يكن فيها إشارة الى ما وقع منه  من فرط بالتنبؤ من قبل ، بل شكى بها الوالي عن أعدائه  الذين وشوا عليه     بقوله:

أمالك رقي ومن شأنـــه                      هبات اللجين وعتق  العبيـد

دعوتك عند انقطاع الرجـا      ء والموت منى كحبل الوريد

دعوتك لما براني البــلاء                       وأوهن رجلي ثقل الحـديـد

وقد كان مشيهما في النعال                   فقد صار مشيهما في القيود

وكنت من الناس في  محفل     وها أنا في محفل من قـرود

وقول ابي  العلاء المعري راويا من قول ابي الطيب

"وحدثت أنه كان إذا سؤل عن حقيقة هذا اللقب

قال : هي من النبوة بمعنى المرتفع عن الأرض ، وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه ، وإنما هي مقادير ،  يديرها في العلو مدير  ، يضفر  بها  من وفق ، ولا يراع  بالمجتهد أن يحقق.

قد دلت الأشياء في ديوانه أنه كان متألها، ومثل غيره من الناس متدلها

فمن ذلك قوله :

ما أقدر الله أن يخزي خليفته ... ولا يصدق قوما في الذي زعموا

وكقوله :

ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍ ... لكان أباك الضخم كونك لي أما

لئن لذ يوم الشامتين بموتها  ... لقد ولدت مني لأنفهم رغما

تغرب لا مستعظما غير نفسه ... ولا قابلا إلا لخالقه حكما

يقول خرج عن بلده إلى الغربة يعني نفسه لأنه لم يستعظم غير نفسه فأراد أن يفارق الذين كانوا يتعظمون عليه بغير استحقاق ولم يقبل حكم أحد عليه إلا حكم الله الذي خلقه.

 

وإذا رجع الى الحقائق ، فنطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الجنان ،

 لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق  ،

ويحتمل أن يظهر الرجل  تدينا، وإنما يجعل ذلك  تزينا ،

 يريد أن يصل به الى ثناء ، أو غرض من أغراض الخالبة أم الفناء."

                                    رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ص 81

أما هذا  القول  من أبي العلاء الذي روى معجزات المتنبي

 مع أن أبا العلاء  قليل الإهتمام بأمور الدين حتى أنه لا يرى بأسا أن يشير إلى هذه النبوة ،

فهو الوحيد كافيا على تأله المتنبي وتدينه.

ورواية أخرى للقاضى إبن شيبان عن الخطيب البغدادى فى تاريخـه يقول " إن أبا الطيب قد استقر عند بنى كلب فادعى أنه علوي من نسب الحسين ثم إدعى أنه نبي ، ثم رجع عن دعوة النبوة إلى إدعائه العلوية . فكان ذلك سبب سجنه.

  تاريخ بغداد لخطيب البغدادي ج 4 ص 104

 والدكتور عبد الرحمن شعيب يبين سند دعوى التنبؤ من عبارة البديعي "عن ابي عبد الله معاذ بن اسماعيل اللاذقي الذي قدم عليه صاحبنا فأكرم وفادته وأعجب بفصاحته وقال له: "والله إنك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير.  فيجيبه المتنبي مستنكرا: ويحك أتدري ما تقول؟   أنا نبي مرسل. " ثم يعرض عليه معجزته ويوصيه بالأسرار وعدم إذاعة النبأ".            

هذا هو السند الوحيد لهذه الدعوى التي لحقت بالمتنبي وعرف بين الناس بهذا اللقب مدى الحياة.

ج- ثم ان غيره من الرواة لم يصرح بحقيقة الدعوى التي دخل بها المتنبي السجن.  فصاحب اليتيمة يقول:   " وبلغ من كبر نفسه وبعد همته أن دعى الى بيعته قوما من رائشي نبله على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده وحين كاد يتم له أمر دعوته تأدى خبره الى والي البلدة.  ورفع اليه ما هم به من الخروج.  فأمر بحبسه وتقييده. "

أما حقيقة هذه البيعة التي دعا اليها المتنبي وما ذلك الخروج الذي هم به؟    فذلك ما سكت عنه صاحب اليتيمة.

فيصل أخيرا بعد بحث ومناقشة طويل أن حبس المتنبي كان من سبب  إنحراف سياسي.  بشر المتنبي بدعوة العلويين وحقهم في الخلافة وطغيان بني العباس عليهم.  فأحنق بذلك عامل الإخشيد.  لأن الدولة الإخشيدية كانت الى ذلك الحين سنة 320 على وفاق مع الخليفة العباسي

ومبينا حال المتنبي نحوه من قوله لإبن خالويه النحوي  يوما في مجلس سيف الدولة وقال له: لولا أن أخي جاهل لما رضى أن يُدعي بالمتنبي .  لأن معنى المتنبي كاذب.  ومن رضي أن يدعى الكذب فهو جاهل.  فقال : " لست أرضى أن أدعى ذلك .  وإنما يدعوني به من يريد الغض مني ولست أقدر على المنع".

 }راجع الوساطة{

ويتبرأ منها مبينا أنها بهتان من القول وزور في قوله:

فما لك تقبل زور الكلام

               قدر الشهادة قدر الشهود.

ويبين عنها أيضا تحت عنوان حقيقة الدعوة انها نتيجة  ثورته ضد خلفاء العباسيين ودعوته الى العلويين كما بينا في بحثنا المتنبي وشوقي ضيف عن عروبة المتنبي. 

فالدكتور عبد الرحمن شعيب يوافق شوقي ضيف في هذه المسألة.   لأن المتنبي ما رأى حوله الا الملوك الظالمين المجرمين اللأذلاء،  مترفين ببيت المال،  عاجزين في موكلاتهم،   قانعين بإسم الخليفة،  الا أنهم عجم،  فأغار المتنبي  ضدهم كقوله:

أحق عاف بدمعك الهمم

             أحدث شيء عهدا بها القدم

واٍنما الناس بالملوك وما

           تفلح عرب ملوكها عجم

لا أدب عندهم ولا حسب

           ولا عهود لهم ولا ذمم

 في كل أرض وطئتها اًمم

            ترعى بعبد كأنهم غنم

يستخشن الخز حين يلبسه                                                                                                                                                                                            

            وكان يبرى بظفره القلم

وكقوله:   

لا افتخار الا لمن لايضام

          مدرك أو محارب لا ينام

واحتمال الأذى ورؤية جاني-

             ه غذاء تضوى به اللأجسام

ذلّ من يغبط الذليل بعيش

            رُبّ عيش أخف منه الحمام

من يهن يسهل الهوان عليه

            ما   لجرح    بمية    اٍِيلام

أقرارا   ألذ  فوق    شرار

            ومرارا  أبغى  وظلمى  يرام

دون أن يشرق الحجاز ونجد

            والعراقان   بالقنا   والشآم

فحبسوه ودفعوا شره بالمعقل حتى خلع الوالي وتاب بعد سنتين بقوله:

كن فارقا بين دعوى أردت

               ودعوى فعلت بشأو بعيد

 

يناقش هذه العبارة بقوله " أما أنا ففي  نفسي من هذه الرواية أشياء.

1- فنحن أولا لانعرف شيئا عن أبي عبد الله هذا.  ولا نعرف مدى نزاهته في نقل الأخبار ورواية الأنباء.

ب- لم نفهم سببا لوصية المتنبي له بالأسرار وعدم إذاعة النبأ- كما زعم أكان المتنبي مرسلا اليه وحده؟ أم ان الدعوة لم يحن بعد زمن الجهر بها؟ وكان وحده المؤتمن عليها وعلى حاملها.

يقول شوقي ضيف عن حبسه في اللاذقية،  أنه ما كان بسبب ادعاء النبوة بل بدعوته ضد الملوك الجائرين ،  و تحريض الناس للجهاد عليهم بمنع الضريبة،  وهجاء الملوك والولاة.  كما قال في ميميته:

ودهر ناسه   ناس  صغار         واٍن كانت لهم جثث ضخام

أرانب غير أنهم ملوك           مفتحة عيونهم   نيام

بأجسام يحر القتل فيها            وما أقرانها الاّ طعام

وخيل لايخر لها طعين           كأن قنا فوارسها ثمام

ولو لم يعل الا ذو محل          تعالى الجيش وانحط  القتام

وكقوله في نونيته:

وانما نحن في جيل سواسية                             سر على الحر من سقم على بدن

ولا أعاشر من أملاكهم أحدا                   اٍلا أحق بضرب الرأس من وثن

لايعجبن مضيما حسن بزته      وهل يروق دفينا جودة الكفن

لله حال أرجّيها وتخلفني         واقتضى كونهادهري ويمطلني

مدحت قوما وان عشنا نظمت لهم            

              قصائدا من اناث الخيل والحصن

وكما قال في لاميته :

لا افتخار الا لمن لايضام                       مدرك أو محارب لا ينام

واحتمال الأذى ورؤية جاني-                ه غذاء تضوى به الاجسام

ذلّ من يغبط الذليل بعيش                                        رُبّ عيش أخف منه الحمام

من يهن يسهل الهوان عليه                     ما  لجرح   بمية    اٍِيلام

أقرارا   ألذ  فوق    شرار                    ومرارا  أبغى وظلمى يرام

دون أن يشرق الحجاز ونجد                   والعراقان   بالقنا   والشآم

كل هذه الأبيات تدل ما في قلبه من الغيرة لهؤلاء الحكام المترفين والرغبة الى اعتزازعامة الناس بدل إذلالهم.

ويقول شوقي ضيف:"وقد ترك "نخلة"وأهلها،  ومضى الى اللاذقية ،  وهناك اعتزم أن يعلن ثورة بين أمشاج  من البدو،  كانوا ينزلون في شرقيها ،  وما زال يألبهم ، حتى اجتمعوا كثيرون منهم لسنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة أو لسنة أربع وعشرين،  وتكاثفوا وضخم عددهم .  وكان طبيعيا أن يفزع أصحاب السلطان في تلك الجهات حين ترامي اليهم نبأ هذه الثورة،  وأسرع كثيرون ينبؤون بها لؤلؤا والي حمص للاٍخشيد وفي مقدمتهم  يهودي شرير سماه المتنبي في بعض شعره باسم ابن كروّس ،  ووسمه بهجاء لاذع مصورا كيف كان يمشي بين العرب بالعداوة والبغضاء، "

وأسرع لؤلؤ،  فقضى على ثورة المتنبي ورمى به في غياهب السجون الى عن عزل بعد عامين وخلفه ابن كيغلغ ،  فما زال المتنبي يستعطفه منكرا ما اتهم به مدافعا عن نفسه،  حتى لان له وجمع طائفة من أصحاب الجاه ومن القضاة والعلماء واستتابه أمامهم،  فتاب ،  ورد اليه حريته.

أما الآخر أنه كان قرمطيا:

أن شوقي ضيف يصل الى أن المتنبي ليس عدوا للعرب بل انه مجدد العرب حتى أنه صحب مع ملوك العرب ،  ومدح كثيرا من ولاة العرب،  ولكن كان ضدا ومحاربا للملوك المجرمين  المترفين المضلين الأسيرين للترك وغيرهم من العجم .  واستدل شوقي الى رأيه علاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني بمساعدة   أبي العشائر واليه.  يقول:" وقد يكون في لحاق المتنبي بحكام هذه الامارة  ما يدل على أنه لم يكن قرمطي الهوى،  واٍلاّ ما التحق ولا فكر في التحاق بالحمدانيين خصوم القرامطة الألدّاء. "

   (فصول في الشعر ونقده. ص 91)

ويقول عند ما يبحث عن اشتراط المتنبي ألا ينشده مدائحه الا قاعدا وأن لايكلف بتقبيل الأرض بين يديه . . . . ،   " قد قبل سيف الدولة شرطيه وعد ما طلبه استحقاقا لنبوغه الشعري اذ كان قد سمع شعره واستجاده.  واٍن دل هذان الشرطان على شيء فانما يدلان على شعور المتنبي بالعزة والاٍباء شأن العربي الأصيل،  كما يدل قبول سيف الدولة لهما على عروبته الأصِيلة هو الآخر،  اٍذ يأبى العربي الكريم الذلّ لنفسه ولغيره. "

2 (فصول في الشعر ونقده. ص92)

فيدعي أن سيف الدولة قد قبل شرطيه مكرما عروبته العزيزة

ويقول ان المتنبي لاينسى عروبته في مدائحه لسيف الدولة كأن العرب رد اليهم فخرهم وشرفهم وقواهم على يديه،  ولعل هذا هو الذي كان يشعل نفسه وشعره حمية وحماسة،  وكأنما كان يحس أنه البطل العربي المنتظر للعرب.  ولعل ذلك بنفسه هو الذي كان يؤلمه حين رأى بعض القبائل القيسية تتمرد على سيف الدولة وتشهر السيوف على وجهه.  على أنه لم يلبث حين رآه ينكل بها تنكيلا عنيفا أن رفع أمامه شعار العروبة عاليا مستعطفا اياه،  وملتمسا منه الصفح عنهم لموضعهم منه في نسب العروبة وأواصرها الوثقى،   

بل انه ليجعله مستشعرا لها  فعلا  ناهضا بحقوقها ،  لما أظهرمن بر بنسائهم حين ولوا عنهن منهزمين،  يقول:

وقاتل من حريمهم وفروا                      ندى كفيك والنسب القراب

وحفظك فيهم سلفي معدّ                         وأنهم العشائر والصحاب

ترفق أيها المولى عليهم                         فان الرفق بالجاني عتاب

ويستبقي المتنبي لهم كرامتهم مع ما نزل بهم من هوان الهزيمة ،  فيصفهم بالبأس والقوة وأن أحدا غير سيف الدولة لو تصدى لهم لعصفوا عصفا شديدا.  ويرفع أمام سيف الدولة شعار العروبة ثانية،  حتى يرفأ بهم ويلين ويرق قلبه،  بمثل قوله:

بنو كعب وما أثّرت فيهم         يد لم يدمها الا السوار

لهم حق لشركك في نزار        وأدنى الشرك في أصل جوار

فيبين المتنبي لسيف الدولة وينصحه الى البر لهؤلاء الأشقاء لأنهم  أبناء نزار ومعد.     فكيف يكون هذا الناصح ضد العرب؟.   

   ( راجع فصول في الشعر ونقده. ص96)

ومن تتمة شغفه بالعروبة في شعره ان نراه في غزله مفتونا في الأعرابيات مسحورا بهنّ يتغنى بجمالهنّ،  معلنا أنهنّ يتفوقن بحسنهن الفطري على الحضريات اللائي يصبغن وجوههنّ ويمضغن كلامهنّ،    وفي ذلك يقول :

حسن الحضارت مجلوب بتطرية           وفي البداوة حسن غير مجلوب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها                                  مضغ الكلام ولاصبغ الحواجيب.

 

نرى في تاريخ الأدب أن للمتنبي كثيرا من الأعداء، تولد بعضهم من اهمالهم المتنبي  كصاحب   بن العباد، وبعضهم تولدوا بالحسد عليه كابن خالويه وأبوفراس الحمداني وأبو علي الفارسي  وبعضهم على غضبهم عليه مثل أبو سعد العميدي، ومثلهم.

ومنهم من قال أن المتنبي قد أفنى عمره في نسخ أشعار أسلافه ومسخها والتغني بها دون أن يكون له حظ في نشأتها وأثر في ابتكارها، ومنهم من يقول ولايرى فيه الا سارقا ينتهب أفكار غيره، ويسرق معاني من تقدمه من الشعراء.

  راجع معجم الأدباء ص 18/167

332

يقول ابن خلكان" وتولد بينهم رجل اشتهر في تاريخ الأدب بلقاء المتنبي ورسالتين في ست عشر كرّاسة يبيّن فيها ما جرى بينه وبين ابي الطيب  المتنبي  من اظهار سرقاته وابانة عيوب شعره،  هو" ابو علي الحاتمي" . ويعرف هذا كتابا " للموضحة في مساوئ المتنبي" وهو أيضا يعرف ب"الرسالة الحاتمية".

من هذه العبارة لابن خلكان نفهم أن كثيرا من الاتهامات التي تفترى وتعرف على المتنبي كلها أو بعضها مفتريات أو أساطير محظة. ومن هنا نتفكر عن رسالة الحاتمية التي هي مقصورة في ست عشر كراسة، وشهرة ابي علي الحاتمي في مجال الأدب.

2 أنظر وفيات الأعيان 2:332

 

يقول  الثعالبي في كتابه  أن المتنبي قد سرق وسُرق.

الأديب المشهور عبد القادر الجرجاني الذي ألف كتابا مشهورا " الوساطة بين المتنبي وخصومه" مناقشا للرسالة الحاتمية يبين في كتابه عن بعض أبيات المتنبي من سرقاته من أسلافه. وهو يناقش اراء الحاتمي وأقواله في هذا الموضوع ، ويصل أخيرا في بعض الأبيات من الديوان المتنبي أنها من سرقاته من غيره كما ادعى الحاتمي وغيره. الأديب المشهور ابن الدهان  يبين في كتابه المشهور المآخذ الكندية من المعاني الطائية أن المتنبي قد لقط بعض الآثارمن غيره من الأدباء . فينقدها ويناقشها ويردها الأديب المشهور إبن الأثير في كتابه المشهور الإستدراك في الرد على  رسالة ابن الدهان.

يقول طه حسين في كتابه "مع المتنبي" تحت عنوان "شعر المتنبي في سيف الدولة": " نقرء القصيدة من شعره فنحس وراءها المثل الذي احتذاه والنموذج الذي اتبعه، فمرة نحس أبا تمام ومرة نحس البحتري وحينا نحس الحطيئة وحينا نلمح الأعشى، وربما خيّل الينا أننا نرى زهيرا. ولست أذهب في هذا الكلام مذهب القدماء من خصوم المتنبي حين كانوا يزعمون أنه أخذ هذا المعنى من هذا الشعر أو أخذ هذا اللفظ من ذاك،

(مع المتنبي لطه حسين ص 173)

2  (مبادئ فلسفة للفارابي(

وانما أذهب مذهبا آخر، وهوأن المتنبي كان أحيانا يجعل الشاعر القديم أمامه، أو يجعل قصيدة بعينها من قصيدة شاعر بعينه أمامه حين ينظم هذه القصيدة  أو تلك، فيظهر أثر هذا في شعره، أراد ذلك أم لم يرد، ويظهر هذا الأثر شائعا في الوزن والقافية وفي اللفظ والمعنى، وفي روح القصيدة،  ان جاز لنا أن نستعمل هذا اللفظ بحيث تحس هذا الأثر ولا تكاد تحصره أو تحدده أو تدل عليه.

2  (مبادئ فلسفة للفارابي(

فقول طه حسين في الجملة افتراء أشد على المتنبي لأنه يقول أنه ما سرق لفظا أو جملة أو معنى كما قال الحاتمي، بل أنه لقيط سرق المعنى واللفظ والأسلوب وحتى القصيدة وتأثيره قد ظهر في روح قصائده.

ومع هذا قال طه حسين في الصفحة الآتي في كتابه" وللمتنبي في هذا الطور عيوبه اللفظية والمعنوية التي لاتأتيه من تقليد غيره ، أو لاتأتيه من تعمد التقليد، إن أردت دقة التعبير، وانما تأتيه من تكوين نفسه وذوقه وطبعه ومزاجه الخاص، أدير عقله وشعوره وحسه على هذا النحو،  وأدبر تعبيره على هذا النحو نفسه أيضا."     

 

والأديب البغدادي المشهور أيضا يبين في كتابه ثلاث وتسعين حكمة من حكم المتنبي مسروقة من حكم أرسطو طاليس.

فنفهم من هذا الكلام كله كان للمتنبي كثيرا من الأعداء والحساد الذين افتروا عليه كثيرا من المفتريات المريدات لاعدام شهرته وتفوقه من مجال الأدبي. ولكن الحق أن المتنبي كان شاعرا مالئ الدنيا وشاغل الناس، كما قال الدكتور عبد الرحمن شعيب عن رسالة الحاتمية " فهي دراسة لم يحركها الفن، ولم تدفعها الرغبة في العلم، وانما دفعتها رغبة الحاتمي في النيل من الشاعر مرضات لمعز الدولة بن بويه ووزيره أبي محمد  المهلبي.

   (راجع خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي) 

ويبين الدكتور عبد الرحمن شعيب أن تأثير المتنبي بأرسطو طاليس ليس مباشرا، بل اتصاله بتلميذه فيلسوف الاسلاام الفارابي الذي عكف على كتاب أرسطو وتمرن على استفادته بقراءته مائة مرة  كما قال الفارابي عن كتاب شرح العبارات لأرسطوطاليس" اٍني قرأت هذا الكتاب مائة مرة"، وقال عن كتاب السماع الطبيعي قرأت السماع الطبيعي لأرسطو الحكيم أربعين مرة وأرى أني محتاج الى معاودة قراءته" 

 1  (مبادئ فلسفة للفارابي(

  2  (المتنبي بين ناقديه ص 255 )

وكان المتنبي  شريك  فارابي مع سيف الدولة الحمداني كماقال الدكتور عبد الرحمن شعيب" اٍجتماع المتنبي بالفارابي في بلاط سيف الدولة الحمدانيى وبقاؤهما معا ما يقرب من عامين حيث اتصل المتنبي بسيف الدولة سنة337  وقد توفي فارابي سنة339   أدركت أن المتنبي بمظنة انتفاع  بأرسطو وأن مصدره في ذلك هذا الفيلسوف الذي عكف على ارسطوولازم مؤلفاته وقام عليها شارحا ومفسرا بشغف بالغ واعجاب شديد."                                                

              

والأمر المهم من بحثنا هذا أن صاحب بن عباد أول ناقده في حياته ينصرف أخيرا مما قال عن هذا الشاعر معترفا ان السرقة  في الأدب ليس أمرا يبالي، بل هي أمر شائع منذ  بداية الأدب والقول. كما قال الدكتور عبد الرحمن شعيب " ينصرف الصاحب عن هذا البحث . لأن السرقات ليِِست من العيوب الخاصة من المتنبي. وليست بالجناية الخاصة  التي تقتضي منه أن يجلس له كل مرصد. ولكنها عيب قديم درج عليه الشعراء قديمهم ومحدثهم.- فيستدل اليه قول الصاحب من كتابه الكشف عن مساوئ المتنبي ص11-  " فأما السرقة فما يعاب بها لإتفاق شعر الجاهلية والإسلام".

1 المتنبي بين ناقديه في القديم والحديث ص.207

بعد بحثي الطويل فهمت أن العالم الأدبي على انقسام في شأنه ،

وما انقسم  العالم في شأن شاعر إلا كان عظيما.

وهناك الناقمون ، وفي طليعتهم  الصاحب بن عباد ، ثم أبو سعيد  العبيدي   ، يفتشون عن سرقات المتنبي لفظا ومعنى .

" وهناك  المريدون والمعجبون ، وعلى رأسهم أبو العلاء المعري  يَسْمُون بالشاعر الى الأوجّ ، فيدعون ديوانَه "معجز أحمد"

أن يقوم من الأدباء حزب ثالث ، يفصل بين الفريقين ،

فيتخذ  التحفظ رائدا والتوسط موقفا ، معتبرا أن خير الأمور الوسط.

هو فريق المصلحين .

كان منهم القاضي الجرجاني الذي كتب الوساطة بين المتنبي وخصومه،

 وأبو منصور الثعالبي صاحب يتيمة الدهر،

وأبو علي الحاتمي صاحب الرسالة  فيما وافق المتنبي في شعره كلام أرسطو في الحكمة .

ولكن فلما انقضى جهدهم ما زيد فيهم إلا الإعجاب والإزدراء.

فيرى أكثر النقاد فيه  الشاعر ،

 ولما أراد هؤلاء أن ينعتوا " ابن هانئ "  أشعر شعراء  الاندلس لم يروا  لقبا ملائما له إلا   " متنبي  الغرب".

 وجعله ابن خلدون  "هيكل  الشعر".

مع أن  ابن خلدون ما أنفذ بصره في علم العمران وأصوله ،

 وما أقصره في الحكم على الشعر والشعراء.

أما الأولون وصلوا أخيرا الى أن المتنبي هو الشاعر  المشهور العظيم ،

 وديوان المتنبي  المثال الأعلى للشعر العربي،

 حتى يصيح ناصيف يازجي:  " كان المتنبي يمشي في الجو، وسائر الشعراء يمشون على الأرض"

أما ما نرى من أشعاره العجيبة غير المثيلة  هي الدليل القاطع على شاعريته ،

 منها:  البيت الذي جمع فيها المتنبي أربعة عشر صيغة  أمر بقوله:

أقلْ أنلْ أقطعْ إحملْ علِّ سلًَّ أعدْ

                        زدْ هشِّ بشِّ تفضّلْ أدنِ سرَّ سلِ

وقوله الذي جمع في بيت واحد أربع مقابلة

أزورهم وسواد الليل يشفع لي*** وأنثني وبياض الصبح يغري بي

وأربع استعارة في بيت واحد :

أحبك يا شمس الزمان وبدره *** وإن لامني فيك السها والفراقد

وأروع وصفا قوله في وصف القلم :

يمج ظلاما في نهار لسانه *** ويفهم عمن قال ما ليس يفهم

وقوله:  

ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مرا به الماء الزلالا

مثاله كثير ، غير حد ولاحصر.

خصائص شعره ووصفه

ما كان شعره نسمات تهب رخاء، أو زقاق خمر تروي الشاربين، بل كان شعره جليلاً،  يهتف به شاعر عبقري،  فيذكي القلوب بنار الحماسة والنبالة، ويمتع الأنظار والألباب بألوانها الرفيع،  ويتطاول الناس إليها بمعانيها ، حتى لا يقدره حق قدره إلا الراسخون في الآداب الرفيعة ، تسمو بالأذواق إلى ما هو أعلى من أذواق العامة . فبهذا الشعر خلد المتنبي، وعلى هذا الأساس المتين بنى شهرته ونقش اسمه على صخرالدهر، بين خط معظم معاصريه من الشعراء أسماءهم على الرمال

إن المتنبي برغم بعض سقطاته شاعر عظيم. إنه لم ينصرف إلى الوصف خاصة ، بل وصف لعواطفه بليغا، ولمناقب ممدوحيه وأحوالهم مشاركا. و بدقة التعبير عن الحركات والنزعات ممتازا،  كان وصفه جامعا ومانعا ، بنوعيه منها حسيا وخياليا ،  ويستخلص من ذلك عبر الأيام وعلاقتها بازدهار المدنيات واندثارها وما إلى ذلك مما يستخدم فيه الحس توصلا إلى صور الخيال البعيدة، وإذا تأملت شعر المتنبي وجدته - كأكثر الشعر العربي - معنيا بالوصف الحسي دون الخيالي. ويتناول المناقب البشرية والمشاهد الطبيعية والعمرانية ووقائع الحرب والفروسية.

. المناقب البشرية
ويدخل فيها المديح والغزل والفخر. أما المديح (مدح الحي أو رثاء الميت) فمذهبه في أكثر قصائده ولا يخرج فيه عما ذهب إليه سواه  من وصف مكارم الممدوح وذكر أعماله وصفاته، فالممدوح هو المثال الأعلى في الشجاعة أو الكرم أو علو الهمة والإقدام على العظائم.

وصفه الغزلي

ويصدق ذلك أيضا على وصفه الغزلي. فإن القطع الغزلية التي يصوغها مقدمات لقصائده تدور على وصفه لشدة الوجد وأثره في المحب من سقم وسهاد وعناء وألم،  وله في ذلك ما يعد فنيا من الطبقة الأولى كقوله في نظرة المحبوب:

يا نظرة نفت الرقاد وغادرت                في حد قلبي ما حييت فلولا

كانت من الكحلاء سؤلي إنما                أجلي تمثل في فؤادي سولا

 

ومن بديع فنه في هذا الباب:

بأبي الشموس الجانحات غواربا               اللابسات من الحرير جلاببا

المنهبات عقولنا وقلوبنا                         وجناتهن الناهبات الناهبا

حاولن تفديتي وخفن مراقبًا                     فوضعن أيديهن فوق ترائبا

وبسمن عن برد خشيت أذيبه                   من حر أنفاسي فكنت الذائبا

وصفه الفخري

أما وصفه الفخري فينم عن شخصية جبارة يجتمع فيها العنف والأنفة وطلب المعالي:

أهم بشيء والليالي كأنها                     تطاردني عن كونه وأطارد

وحيد من الخلان في كل بلدة                 إذا عظم المطلوب قل المساعد

وأورد نفسي والمهند في يدي    موارد لا يصدرن من لا يجالد

وقال وقد أراد سيف الدولة قصد خرشنة فعاقه الثلج عن ذلك.

عواذل ذات الخال في حواسدُ ... وإن ضجيع الخودِ مني لماجدُ

وفي فخره وصف دقيق لعواطف نفسه ولتأثير البيئة فيه، وقلما تجد شاعرًا ترتسم خوالجه في شعره ارتسامها في شعر المتنبي. وما ديوانه ولا سيما الفخر والحكم فيه إلا مرآة تعكس لنا نفسية ذلك الشاعر الكبير ويبرزها في أجمل الألوان وأشدها تأثيرا في النفس. ولا يدانيه في ذلك إلا أبو تمام، ولكن المتنبي يفوقه في جمال التعبير وجلال المطلب ودقة النظر في الحياة.

المشاهد الطبيعية والعمرانية
ليس للمتنبي في هذا الباب ما لسواه من الوصافين. والغريب أنه اختبر حياة البادية والحضر فجاب السهول والجبال وتقلب في شتى الأمصار، ومع ذلك لا نرى أن مناظر الطبيعة والعمران من أنهار وبحار وجبال وقفار ورياض وقصور وآثار قد أثارت قريحته ودفعته إلى التمتع بوصفها. فها هو مثلا يمر بلبنان ويرى ما فيه من شواهق ووهاد، وما وهبته الطبيعة من جمال يخلب الألباب فلا يذكره إلا عرضا إذ يقول للممدوح:

بيني وبين أبي على مثله                     شم الجبال ومثلهن رجاء وعقاب لبنان وكيف بقطعها                         وهو الشتاء وصيفهن شتاء 

لبس الثلوج بها على مسالكي                 فكأنها ببياضها سوداء   وقال يمدح أبا عليّ

والوصف هنا جميل ولكنه غير كاف للدلالة على ميل خاص في الشاعر إلى وصف الطبيعة وقد رأى العاصي والأردن وأقام على ضفافهما، وهبط مصروجاور النيل والأهرام، وعرف دجلة والفرات واتحادهما بشط العرب العظيم، ورأى إلى كل ذلك كثيرا من المناظر الخلابة، والمشاهد المثيرة للشعور، وليس له مع كل ما عرف ورأى وصف يذكر إلا بضعة أبيات في شعب بوان نظمها في وصف طريقه إلى شيراز  فقال منها:

غدونا تنفض الأغصان فيها       على أعرافها مثل الجمان

فسرت وقد حجبن الحر عني    وجئن من الضياء بما كفاني

وألقى الشرق منها في ثيابي      دنانيرا تفر من البنان

لها ثمر تشير إليك منه                             بأشربة وقفن بلا أوان

وأمواه تصل بها حصاها                          صليل الحلي في أيدي الغواني

وقائع الحرب والفروسية

وهنا يبلغ شعره الوصفي أعلاه. فالمتنبي فارس، خاض غمرات الحروب وعرف وقائعها، فإذا وصف الكتائب وعراك الأبطال ساق الكلام على سجيته وجاء بالنظم الفائق. وهو يمتاز بتصوير الحركات وما يثيرها من نزعات، فإذا وصف معركة لم يكتف بذكر عظمة الجيوش ومعداتها الحربية بل نظر نظرًا دقيقًا إلى حركات الفرسان ومضاء خيولهم كقوله:

تبارى نجوم القذف في كل ليلة نجوم له منهن ورد وأدهم

يطأن من الأبطال من لا حملنه  ومن قصد المران ما لا يقوم

فهن مع السيدان في البر عسل وهم مع النينان في البحر عوم

وهن مع الغزلان في الواد كمن                وهن مع العقبان في النيق حوم

شروح ديوانه

أما تعدد الشروح والتعاليق  على شعره يتنافس فيها أدباء  العرب  والمستشرقون

من ابن جني  الى الأفليلي  الى المعري الى التبريزي الى الواحدي الى العبكري الى اليازجي في الشرق ، ومن رايسكه الى دي ساسي الى هامر الى نيكلسون الى بروكلمن  الى بلاشير الى فرنشيسكو كبريالي في الغرب.

أبو الطيب والنحاة:

 ونقل صاحب الوساطة  عيب المتنبي في مفرداته من النقاد في قوله:

فأحرام شعر يتصلن لدنّه  ***  وأرحام مال ماتني تتقطع.

"فصيغة لدنّ مع الشدّ للنون ما نرى في أي قاموس عربي" هذا هو العيب في هذا البيت.

ولسنا ندري من أين سوغ المتنبي لنفسه  المجيئ بها على هذه الصيغة حين إضافتها الى الضمير الغائب. مع أن مقتضى القياس عدم التشديد. لأنها وردت في القرآن الكريم دون التشديد عند الإضافة، مثل قوله تعالى:"وإن تك حسنة يضاعفها  ويؤت من لدنه أجرات عظيما" ومثل قوله تعالى: " لينذر بأسا شديدا من لدنه "

راجع الوساطة ص 333

وما  رأينا في لسان العرب إلا أربعة  صيغة لها، كلها خالية من التشديد وهي لَدُنْ و لَدْنٌ و لُدْنٌ ولَدَنْ

فيقول العكبري عن هذا بعد مناقشة أقوال النقاد

كقول ابن جنّي " أن استعمال هذه الصيغة خارجة عن المعروف عند العرب ، فأن المتنبي قد تجاوز المألوف في هذه الكلمة".

 وقول ابو الفتح " قوله لدنه فيه قبح وشناعة وليس هو معروفا في كلام العرب. وليس يشدد إلا إذا كان فيه نون أخرى نحو لدنّي ولدنّا"

لسان العرب ج 17 ص 269

"فأحيانا  يرى أن ياء المتكلم كهاء الغائب  في أن كلا منهما ضمير . وما دامت تلك النون  قد ضوعفت لدى اتصالها بياء المتكلم ساغ لنا أن نضاعفها لدى اتصالها بهاء الغائب المشابهة لها فالنوع".

 شرح عكبري ج 1 ص 387

فجرجاني يستدل هذا ويقول: " لما كانت الهاء خفيفة والنون ساكنة وكان من حقها أن تبين عند حروف الحلق حسن تشديدها  لتظهر ظهورا شافيا"

فهذه الكلمات من النقاد موافقا ومخالفا ينتهي الى جواز استعمال هذه الكلمة لدنه مسددا حسب مقضى ضرورة موضعه.

كما قا ل العكبري " ويجوز أن يكون ثقل النون ضرورة"

شرح عكبري ج 1 ص 387

كلما جاْء في هذا الموضوع مثل هكذا،  أما الشارحون بعضهم لم يفهم هذا المجال البلاغي والبديعي.

 وقالوا ما رأوا في فكرهم وبحثهم.

وليس هذا خطأ المتنبي البليغ الفذ ، ومجرب اللغوي.


التجديد والإبتكار :

أن التجديد والإبتكار من أهم مظاهر العبقرية الفنية ،

ومن الأدلة على براعة الأديب في إدراق أعماق التجارب التي يمر بها، والنتائج التي تنتهي اليها،

ومن أمرات قدرته على الخلق الفني المقنع للعقول، المثير لعواطف والنفوس.

ومن الأدلة على ثقافة الأديب واتساع باله في مجال الأفكار والمعاني.

من أجل ذلك يهتم النقاد بمعرفة الجديد لدى كل أديب،

لمعرفة الثروة الفنية الجديدة التي أضافها الى رصيدنا الأدبي الذي جمعناه على تقلب العصور.

ولتحديد المكانة التي يتبوؤها في ركب الأدباء تحديدا صادقا  الى حد كبير.

كما قال "سري الرفاء" عندما سمع قول المتنبي: 

وخصر تثبت الأبصار فيه    ***           كأن عليه من حدق نطاقا

فقال : هذا والله ما قدر عليه المتقدمون. ثم إنه حم في الحال حسدا تحامل الى منزله.

وقال يمدح سيف الدولة وقد أمر له بفرس دهماء وجارية.

أيدري الربع أي دمٍ أراقا ... واي قلوبِ هذا الركب شاقا

الصبح المنبي ج 1 ص 57

فبعد مناقشة كثيرا من من أشعار المتنبي في الإبتكار والتجديد يعجب من ألائك النقاد الذين يعنون على أبي الطيب بقوله

" بيتا شذ وكلمة ندت وقصيدة لم يسعده فيها طبعه، وينسون محاسنه وقد ملأت الأسماع، وشغلت الأفكار، وبخاصة تجديده الذي لم يستطع عيره من الشعراء أن يأتي بما يصلح لمصاحبته  ومجاورته"

راجع الوساطة ص 77

ويسأل "كيف أسقطه عن طبقات الفحول وأخرجته من ديوان المحسنين لهذه الأبيات التي أنكرتها ؟ ولم تسلم له قصب السبق؟ ونصال النضال وتعنون باسمه صحيفة الإختيار لقوله:

هو الجد حتى تفضل العين أختها ** وحتى يكون اليوم لليوم سيدا

 وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ** ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ولقوله في رثاء سيف الدولة:

ومن سر أهل الأرض ثم بكى أسى  ** بكى بعيون سرها وقلوب

سبقنا الى الدنيا فلو عاش أهلها  **  منعنا بها من جيئة وذهوب

وأوفي حياة الغابرين لصاحب   **  حياة امرئ خانته بعد مشيب

 ................................................

فإن يكن العلق النفيس فقدته  **  فمن كف متلاف أغر وهوب

كـأن الردي عاد على كل ماجد  **  ذا لم يعوذ مجده بعيوب

ولولا أياد الدهر في الجمع بيننا  **  غفلنا فلم نشعر له بذنوب

تسل بفكر في أبيك فإنما   **  بكيت فكان الضحك بعد قريب.

إلى آخر ما ذكره الجرجاني من أبيات عدها من الجديد المبتكر الذي ينال به قصب السبق، ويجوز به صاحبه نصال النضال

.كما قال : فكل ما قال المتنبي في وصف الحمى التي اعترته بمصر من الجديد المبتكر.كما في قوله:

وزائرتي كأن بها حياء  **  فليس تزور إلا في الظلام

بذلت لها المطارف والحشايا **  فعافتها وباتت في عظامي

يضيق الجلد عن نفسي وعنها  **  فتوسعه بأنواع السقام

إذا ما فارقتني غسلتني  **  كأنا عاكفان على حرام

كأن الصبح يطردها فتجري  **  مدامعها بأربعة سجام

أراقب وقتها من غير شوق  **  مراقبة المشوق المستهام

ويصدق وعدها والصدق شر  **  إذا ألقاك في الكرب العظام

فهذه القصيدة كلها مختارة ، لايعلم لأحد في معناها مثلها. والأبيات التي وصف فيها الحمى أفراد قد اخترع أكثر معانيها وسهل في ألفاظها فجاءت مطبوعة مصنوعة."

 ويقول بعد ذكر كثير من الأمثلة من مبتكرات المتنبي إني لم أستوف كل ما له من جديد ومبتكر  وأمثال ذلك إن طلبته هداك الى موضعه، وإذا التمسته ذلك على نفسه."

راجع الوساطة ص92-  94

راجع الوساطة  ص 121

أختتم قولي موافقا لقول أبي العلاء المعري حين أرشد الواحدي على تبديل حرف بحرف آخر من قول المتنبي .

 فيقول الواحدي: " وقرأت على أبي العلاء المعري ومنزلته في الشعر ما قد علمه من كان ذا أدب . فقلت له يوما في كلمة ما ضر ابا الطيب

لو كان مكان هذه الكلمة كلمة أخرى أوردتها. فأبان لي عوار هذه الكلمة التي ظننتها،

ثم قال : لاتظن أنك تقدر على إبدال كلمة واحدة من شعره بما هو خير منها . فجرب ان كنت مرتابا . وها أنذا أجرب ذلك منذ  العهد. فلم أعثر بكلمة لما أبدلتها أخرى كان أليق بمكانها . وليجرب من لم يصدق يجد الأمر على ما أقول".

فقول المعري شهادة على شاعرية المتنبي ونبوغه في اللغة.

 وما أصدق قول المتنبي حين قال:

أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي  **  وأسمعت كلماتي من به الصمم

أنام ملئ جفوني عن شواردها  **  ويسهر الخلق جرّاها ويختصم.

  شرح الواحدي ص 112