Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

عندما يتكلم الصمت

                                                          بقلم : عمر أحمد صالح  

على شاطئ عينيك ابحث عن الخيال ، واحلق في سماء الحقيقة كم هو متعب ظلام الواقع ، وكم هو جميل وهج الخيال ، كم مرة هربت من أحزاني إلى عينيك ، ونهلت كلامي من خفقات قلبك ، وسلمت أوراقي قربانا إلى حبك .

ما يفعل الخيال في قلب تعذب بالواقع، وفي روح سجنتها قسوة الحياة، وبؤس القيود، دعيني احلق إلى أعلى وأعلى، سماء أحلامك لا يحدها مدى، دعيني أسافر وابتعد وأبحر، أنهار المشاعر تفيض بلا توقف.

ما أجمل الوحدة مع الذات إذا التحمت مع الروح، وما أجمل الصمت مع الأحلام ، إذا صدق الصمت مع المشاعر .

وما أصعب هبوب الريح ، إذا توقف المطر، أسير مبللاً تلفح الريح وجهي ، تسري بين أضلعي ، تخترق عظامي ، ولقد تأخر المطر، اصبح كل شتاء يحمل الريح وعطش الروح بدون المطر ، تأخر المطر ، وأنين قلبي لا يسمعه الحب ولا يسمعه الليل ، لقد هرب الحب ، تخفّى في زي راهب وسار عبر الجبال ، ولقد مات الليل وتحول سكونه إلى أشلاء ، لقد سافر القمر ، وحمل معه كل نداءات روحي إلى النجوم وكل مناجاتي مع صمتي ومع السكون ، وعدت أسير في الليل وحيداً بلا مطر وبلا نجوم .

غريبة هي الأحلام عندما تطفو على السطح ، ومسكين هذا القلب الذي بقي وحيداً في الأعماق بلا أحلام .

تسير الأحلام على أرصفة المساء ، ويتناجى خبث النهار وسحر الليل ، بينما تختلف الحواس على أصوات الحقيقة .

اليوم تكلمت أعماقي ، نطقت بعد صمت طويل ، اليوم بدأت أصادق حزني من جديد، وبدأت روحي تغزل من حزني أشرعة الهروب إلى الحلم ، كم ضاعت أيام بلا أحلام ، وكم سافرت ساعات بلا كلام.      

اليوم أفتح بابي الواسع لكل الأحرف وكل الكلمات ، قلمي عاد يهرول على الصفحات ، وقلبي عاد ينطق بالأحلام وحزني عاد بريشته يلون بالكلمات ، الصمت الناطق معناه السفر، والصمت الملون معناه البحر، والصمت الصادق معناه الحب ، لقد خرج المارد من قمقمه ، خرج من المصباح بعد طول عناء .

كم كلت يداي من مسحه وحكه ، كم كلت عيناي دموعاً وألماً على فراقه ، ها هو قلمي يتحرر من ظلم المصباح ليهدين السفر والبحر والحب .