Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 المبادرات الأهلية في تطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي

 

يوجب الإسلام على أفراده السعي والعمل والاجتهاد، والتماس الرزق الحلال في خبايا الأرض، وتحت أديم السماء، أيّا كانت طبيعة العمل الذي يزاوله: زراعة أم صناعة أم تجارة، أم حرفة من الحرف النافعة، سواء أكانت لحسابه الشخصي أم كان ذلك لحساب غيره. فهو بعمله المباح هذا يكفي نفسه بنفسه، ويسد احتياجات أسرته، ولا يعود مضطراً إلى طلب المعونة من الآخرين وحيث يحقق الفرد هذا القدر من الاكتفاء الذاتي يكون قد أسهم بنصيب في إغناء المجتمع كله.

وعلى الدولة والجماعة المسلمة أن تعاون المسلم في بحثه عن عمل يضمن له العيش الكريم  استجابة لقول الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى( [سورة المائدة: الآية 2].

وإذا كان طالب العمل بحاجة إلى إعداد خاص أو تدريب مهني كي يستطيع أن يجد لنفسه العمل المناسب، فمن واجب الجميع مساعدته على ذلك كي يستطيع أن يكفي نفسه بنفسه دون أن يمد يده لأحـد. ويمكن تقسيم هذا العون على مستويات عدة تتواصل فيما بينها لتكون المجتمع الإسلامي الصحيح.

 

أولاً- التكافل العائلي:

الأصل في شريعة الإسلام أن يسعى كل امرئ في مناكب الأرض طلباً للرزق الحلال، ولكن هناك فئات من الناس تعترضهم عقبات تعيقهم عن العمل. هناك على سبيل المثال: الأرامل اللواتي مات عنهن أزواجهن ولا مال لهن، وهناك الأولاد الصغار والشيوخ الطاعنون في السن، وهناك المرضى وذوو العاهات، ثم هناك في ضحايا الكوارث طبيعية كانت أم من صنع الإنسان. كل هؤلاء بحاجة إلى قلوب حانية تعطف عليهم وتنقذهم من مهاوي الضياع.

الإسلام عمل على إنقاذ هؤلاء من مخالب الفقر والحاجة، وتجنيبهم ذل السؤال، وقد أمر ذوي القربى أن يكونوا متضامنين متكافلين، يشد بعضهم أزر بعض، ويحمل قويهم ضعيفهم، ويكفل غنيهم فقيرهم، وينهض قادرهم بعاجزهم؛ فكل أسرة لا بدَّ أن يكون فيها أغنياء، ومتوسطو حال، وفقراء، فإن قام الأغنياء ومتوسطو الحال بكفالة أقربائهم من الفقراء والمحتاجين لما بقي في المجتمع فقير ولا محتاج والنصوص الإسلامية من قرآن وسنة تحدثت في حثها على حق ذوي القربى، وحث عليه الصلاة والسلام على برِّهم وصلتهم والإحسان إليهم، وتوعد في ذات الوقت من قطع رحمه أو أساء إلى ذوي قرباه بالعذاب الشديد.

 

ومن أساليب تحقيق هذا التكافل على المستوى العائلي إيجاد صندوق مالي عائلي يمكن تسميته "بصندوق التكافل العائلي"، ومورد الصندوق المالي يكون من زكوات الأغنياء والموسرين وصدقاتهم المتنوعة إضافة لاشتراكات شهرية يدفعها الأفراد العاملون المنتجون في العائلة إلى هذا الصندوق، مقدار الاشتراك ويتفاوت حسب حال الفرد: )عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ( [سورة البقرة، الآية 236].

أما الغاية من إيجاد هذا الصندوق فهي الأخذ بيد الفقير، ومداواة المريض، ورعاية اليتيم، والإنفاق على طلبة العلم، وإقراض المحتاج...الخ. فمن هذا الصندوق تقدم لهؤلاء المساعدة بشكل دوري أو حسب الحاجة؛ وعندئذ تقوى الصلات بين أفراد العائلة، ويصان للجميع كرامتهم، وتتماسك وحدتهم، ويشعرون بروح الحب والتعاون والوئام تقوى بينهم

فالإنفاق على الأقارب والأرحام فيه أجران، لأنه صدقة وصلة رحم: فعن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله r: "الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي القرابة اثنتان صلة وصدقة"([1]).

 

ثانياً- تكافل أبناء الحي الواحد:

ولعل من أهم غايات صلاة الجماعة في الإسلام، بث روح التعاون والتآخي بين أفراد المجتمع، وتحقيق التعاون والتكافل بين أفراد الحي الواحد... ولكن، وللأسف الشديد، إن كثيراً ممن يؤدون الصلاة جماعة يجهلون أو يتجاهلون هذه الحقائق المثلى... فيظنون أن المسلم إذا أدى الصلاة وراء الإمام، ثم صلى النوافل وأتى بالتسبيحات، أصبح من ذوي التقى والصلاح والورع حتى لو ترك جاره بين أنياب الفقر يتلوى من الجوع والحرمان... إن المسلم الحق هو الذي تأمره صلاته بالعمل بوصايا النبي صلى الله عليه وسلم القائل:

"مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى"([2])، وقوله عليه أفضل الصلوات والتسليم: "ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم"([3]).فلو صلى المسلم يومه كله، وصام دهره، وذكر الله قياماً وقعوداً، فلن يخالط الإيمان بشاشة قلبه إذا لم يؤد حق جاره، ويقم بكفالة اليتيم، ويرع حقوق الأرملة والمسكين وابن السبيل، وهو قادر على ذلك.

 

إذن: فمن المسجد يجب أن تنطلق "لجان التكافل الاجتماعي" في كل حي، وفي كل قرية، وفي كل بلد، حيث يتألف أعضاؤها من وجهاء صالحين يهمهم أمر الفقراء، ومن أغنياء يستشعرون معنى الواجب، ومن شباب واع يتطلع نحو الحياة الحرة الكريمة، ويكون من مهمة هذه اللجان جمع التبرعات، والصدقات، والزكوات، والصدقات والأضاحي، والكفارات... ثم صرفها على المستحقين من أبناء الحي الفقراء، والأيتام، والأرامل، والعجزة.

ولو قام المسلمون بهذا الواجب في كل حي، وفي كل قرية، وفي كل بلد.. لسدوا كل باب من أبواب الشكوى والحرمان، ولقضوا على كل عامل من عوامل الفقر والحاجة.

 

ثالثاً- تكافل أبناء المدينة والمحافظة الواحدة عن طريق الجمعيات الخيرية:

حرص الإسلام على أن يقر في المجتمع فضيلة التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان، وأن يبين أصول التنظيم للعلاقة البشرية والشؤون العامة التي تصون المجتمع من عوامل الفرقة والتشرذم، وتحقق له السعادة والرفاه، على أن ينفذ ذلك بكل وسيلة مشروعة بتوجيه من الدولة وبإشراف الهيئات الدينية المعتمدة.

وأيسر هذه الوسائل الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تقوم بتنظيم العمل بين أحياء المدينة وقراها من حيث توزيع العمل والإشراف على جمع الأموال وإنفاقها ومعرفة المستحقين لها، والتي تعتمد على أشخاص ثقات مخلصين متفرغين لأعمالها ومجلس إدارة مراقب وموجه ومطور لهذا العمل الخيري ، وجباة وباحثين خيريين يقومون بدور البحث عن الفقير المتعفف وإيصال حقه له.

فالعمل الفردي-مهما بلغ-قد يقصر عن تأدية الخدمات الاجتماعية التي يحتاج إليها المجتمع حاجة ماسة، لذلك لا بد من العمل على تكتيل الجهود للقيام بهذه المهمات، فينتظم الناس كأعضاء في جمعيات تتصدى للقيام بهذه الخدمات التي قد يعجز الأفراد عن القيام بها.

 

رابعاً- تضامن الجمعيات الخيرية على مستوى الدولة الواحدة:

ويكون ذلك بإشراف جهة الاختصاص التي تشرف على عقد اللقاءات والجلسات والزيارات المتبادلة وتنفيذ حلقات البحث وورشات العمل لرؤساء الجمعيات والمؤسسات الخيرية بشكل دوري حيث تعم الفائدة من خلال تبادل الخبرات والتجارب للجمعيات والمؤسسات.

 

 

خامساً - تعاون الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الخيرية:

فلكل بلد ظروفه وإمكانياته وتجاربه، وما تجده في هذا البلد قد لا تجده في بلد آخر. فهناك بلدان أكرمها الله تعالى بالمال الوفير والرفاهية العالية، وأخرى ابتلاها بالقحط والجدب وقلة الموارد، علاوة عن أن بعض البلدان يرزح تحت نير الاحتلال والاستعمار ، وبعضها الآخر يتعرض لهجمات تريد النيل من دينه وعقيدته.

فعندما تتوثق العلاقات بين هذه الجمعيات والمؤسسات، وتشرف عليها جهات إسلامية دولية توجهها وتنسق العمل فيما بينها، فإن مثال الوحدة والتعاون بين المسلمين سيتحقق، ولو في حده الأدنى.

وهناك العديد من الجهات الخيرية من أبرزها الجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تسعى لمد يد العون والمساعدة لغيرها من جمعيات البلاد الإسلامية والتي يمكن توثيق عرى التواصل والتعاون معها فعلياً ومنها:

1.  هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية: وقد انبثقت عن رابطة العالم الإسلامي بقرار من مجلسها التأسيسي في دورته العشرين المنعقدة في مكة المكرمة في 17-29/10/1978م، وتهدف الهيئة إلى العمل على مساعدة اللاجئين والمنكوبين الذين تصيبهم الكوارث والمجاعات في مختلف أنحاء العالم وتقديم الإغاثة للمتضررين منهم، والإسهام في تنمية المجتمعات الإسلامية في الجوانب الحضارية (دعوية، علمية، صحية، اجتماعية)، والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة من تعليم وتأهيل.

2.  رابطة العالم الإسلامي: وهي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة تقوم بالدعوة للإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه، وتقديم العون للمسلمين لحل مشكلاتهم، وتنفيذ مشاريعهم الدعوية والتعليمية والتربوية والثقافية. وقد أنشئت في مكة المكرمة في 14من ذي الحجـة1381هـ. الموافق 18 من مايو 1962م) .والرابطة ممثلة في كل من: هيئة الأمم المتحدة بصفة عضو مراقب بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بين المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الوضع الاستشاري، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب؛ تحضر مؤتمرات القمة، ووزراء الخارجية، وجميع مؤتمرات المنظمة، وفي منظمة التربية والتعليم والثقافة  (اليونسكو) بصفة عضو، وأيضاً في منظمة الطفل العالمية (اليونيسيف) بصفة عضو.

3.  مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية: والتي تعمل على مساعدة الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية والاجتماعية للعلاج خارج المملكة، وكذلك الذين يحتاجون إلى خدمات مميَّزة وتأهيل ورعاية المرضى والمسنين والمعاقين، بالاضافة إلى تأمين الامكانات اللازمة للبحوث والدراسات الأكاديمية والتطبيقية في مجال الخدمات الانسانية بالتعاون مع مختلف الهيئات العلمية والمؤسسات الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية، ضاربةً بذلك المثال العملي لتحقيق التكافل والترابط الاجتماعي، وتعد اضخم مؤسسة خيرية فردية في العالم الإسلامي.

4.    مؤسسة الحرمين الخيرية: وتهدف إلى الدعوة من خلال فتح المدارس والمعاهد والكليات الشرعية وعقد الدورات الشرعية والجولات والملتقيات الدعوية ونشر الكتب والمطويات الإسلامية في العقيدة والعبادة والسلوك وبمختلف اللغات. هذا بالإضافة إلى أن المؤسسة تولي اهتماماً كبيراً للبرامج الإغاثية والاجتماعية والتربوية والطبية نظراً لحاجة المسلمين الماسة لمثل هذه البرامج لسد حاجتهم وفقرهم وإغاثتهم على تجاوز المحن والنكبات التي تنزل بهم، وقد توسعت المؤسسة في أكثر من خمسين موقعاً حول العالم خلال 1992.

5.  جمعية قطر الخيرية: أنشئت كمؤسسة خيرية خاصة في قطر عام 1980 وتهدف إلى: كفالة الأيتام وخاصة في مناطق الحروب والكوارث ماديا واجتماعيا وثقافيا، ورعاية الأرامل بما يعينهن على مواجهة أعباء الحياة ومشاكلها، وتقديم العون والرعاية الصحية لأسر الأيتام المتضررة من القحط، والجفاف، والمجاعات وكذلك حالات الكوارث المفاجئة، كالزلازل، والفياضانات والحروب، والعمل على إنشاء المدارس، وإقامة المساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم للأيتام حيث الحاجة إليها ماسة، وجمع افطار الصائم، وزكاة الفطر، والأضاحي، وتوزيعها.

6.  مؤسسة محمد بن راشد آل المكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية: وقد تأسست في 8/2/1997 م، ويدير المؤسسة مجلس أمناء يتولى تصريف شؤونها، كإحدى المؤسسات الرائدة في مجال العمل الخيري وتعنى بمساعدة الفقراء واليتامى والمحتاجين والمنكوبين وغيرهم ممن تنطبق عليهم شروط المساعدات الخيرية، وتهدف إلى الحث على العمل الخيري والإنساني، ومساعدة الفقراء والأرامل من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة ومن ثم المقيمين من غير المواطنين على اختلاف جنسياتهم وقضاء حاجاتهم ورعاية مصالحهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم، والمساهمة في إنشاء ودعم المساجد والمراكز الثقافية والإسلامية والمؤسسات ذات الطابع الخيري والإنساني.

7.    بيت الزكاة الكويتي: الذي أسس في ربيع الأول 1403 هـ الموافق 16 يناير 1982م ويخضع لإشراف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويتويهدف إلى العمل على جمع وتوزيع الزكاة والخيرات بأفضل وأكفأ الطرق المباحة شرعا وبما يتناسب والتطورات السريعة في المجتمع واحتياجاته.

        ولكل من هذه المؤسسات إسهام معين في تحقيق التكافل الاجتماعي وهي بالتالي تعبر عن مبادرات أهلية تعبر عنها الدوائر الخمسة الآنفة الذكر بغية تحقيق الهدف الإسلامي بتكافل المجتمع.