Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

الفصل الخامس: آثار اليمن

سد مأرب العظيم

 

يقع سد مأرب إلى الغرب من مدينة مأرب القديمة، ويبعد عنها نحو ثمانية كيلومترات، شيد سد مأرب على وادي أذنة الكبير بين جبلي البلق الشمالي والبلق الأوسط، وسلسلة جبال البلق وهي التي تؤلف الحاجز الأخير للمرتفعات الشرقيـة قـبل أن تلتقي بالصحـراء، والصحـراء المعنية هـي ذلك الجـزء مـن فلاة اليمن ـ أو جُرُز اليمن الشرقي ـ الذي يمتد ما بين مأرب وشبوة، وتصب فيه معظم أودية الشرق، ويطلق عليها حالياً اسم رملة السبعتين.

 

تاريخ بناء السد واندثاره

 يعود تاريخ بناء السد إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد كأدنى تاريخ معروف، وذلك بناءً على ورود اسم أحد مكاربة القرن السابع قبل الميلاد في نقش مثبت على مبنى المصرف الجنوبي، وهـذا المكرب هو " يثع أمر بين بن سمه علي ". لقد تعرض هذا السد للتدمير عدة مرات بسبب تراكم الترسبات الطمثية في حوضه، وقد علم منها ما ذُكر عن طريق النقوش وهي أربع: الأولى في عهد الملك " ذمار إل وتر" الذي حكم في الربع الأخير من القرن الأول الميلادي، والمرة الثانية في عهد "شرحب إل يعفر بن إلي كرب أسعد" الذي حكم في منتصف القرن الخامس الميلادي، والمرة الثالثة والرابعة كانت في عهد أبرهة الحبشي في سنة 552م.

 

والآن لم يبق من آثـار السد القديم سوى بعض معالم جدار السد، ومباني المصرفين الكبيرين اللذين كانت تخرج بواسطتهما المياه من جانبي السد أو الصدفين الشمالي والجنوبي، إضافة إلى القناتين الرئيسيتين اللتين كانتا تربطان المصرفين بالجنتين، ومقاسم المياه في الجنتين - الأراضي الزراعية الشمالية والجنوبية، وهي سدود تحويلية صغيرة تقسم المياه التي تصلها من القناتين الرئيسيتين.

 

شيد جدار السد من نقطة أساس الوادي على الصخر الأم بأحجار ضخمة ثم يعلوها جدار السد فوقها تدريجياً، وقد وصل أعلى ارتفاع له من سطح الوادي حوالي 16م، ويقدر سمكه بحوالي 20م، وطوله حوالي680م عبر الوادي ما بين الصدف الجنوبي القائم على سفح جبل البلق الأوسط والصدف الشمالي والمبني على الصخور المقابلة في جبل البلق الشمالي.

 

أما الصدفان (المصرفان الجانبيان للسد)، فهما عبارة عن مخرجين كبيرين نحتا أصلاً في الصخر ثم استكمل بناؤهما على صخور جبليّ البلق الشمالي والأوسط بحيث يكونان قناتي توصيل كبيرتين شق أسفلهما من الصخر وشيد أعلاهما بواجهات سميكة من الحجارة الكبيرة مربعة الأضلاع شديدة الدقة، وثبت بعضها فوق بعض بتلاحم وترابط، ووظيفة هاتين القناتين هي تصريف المياه المتدفقة من السد عبر حوضين صغيرين يكبحان شدة تدفقهما ويتصلان بالقناتين الرئيستين اللتين تمدان كل أراضي الجنتين بالمياه على جانبي الوادي، وآثار بناء الصدفين لا تزال قائمة، وهي في الواقع أبرز آثار السد ومنشآت الري في مأرب اليوم.

 

الصدف الأيمن (الجنوبي)

 يعرف هذا الصدف عند الأهالي بمربط الدم، ويعني المكان الذي ربط فيه القط بناءً على الأسطورة التي تقول أن خراب سد مأرب كان بسبب الفئران التي أتت عليه، فربط القط هناك في هذا الصدف لكي يحميه من الفئران.

 

يتكون هذا الصدف من دعامة ضخمة ودعامة خلفية صغيرة مع حاجز حجري بينهما، تمتد الدعامة الضخمة من الشرق إلى الغرب، وتطل على وادي أذنه، وقد شيدت على مرتفع صخري عند الكتف الشمالي لجبل البلق الأوسط يُرقى إليه بسلالم حجرية بعضها منحوتة في الضلع نفسه والبعض الآخر من أحجار بنائية. وتتخلل واجهتيها الجنوبية والشمالية بروزات حجرية لزيادة القوة في البناء، وقد روعي في بناء هذه الدعامة ـ وكذلك في المرتفع التي تقوم عليه ـ عدم ترك أي فراغات لتسرب المياه لمنع تأثيراتها التي قد تنحت بمرور الزمن في الصخر مما سيسبب انهيار هذا المصرف وبالتالي جدار السد، أما الدعامة الثانية فهي صغيرة وقد شيدت بأحجار مهندمة جانبها متجه صوب حوض السد بشكل محدب لتفادي ضغط المياه. وبين دعامتي هذا المصرف أقيم حاجز حجري كمرد للمياه وفي الوقت نفسه يقوم بتصريف المياه الفائضة من حوض السد من خلال قناة حفرت في الصخر الذي سويت بعض جوانبه لغرض سقاية الجنة اليمني، ومازالت بقايا كثير من أبنية هذه القناة ظاهرة اليوم ويشاهد في ممرها بعض النقوش على الأحجار التي شيدت بها أبنيتها.

 

الصدف الأيسر (الشمالي)

يبدو من نقوش هذا الصدف أنه شيد بعد الصدف الجنوبي، ويتكون من سـدة حجرية تشكل حاجزاً مـائياً ودعامـة كبيرة وفتحتين بينهما. ترتكز السدة من الغرب على الكتف الشرقي لجبل البلق الشمالي، واستخدمت مادة القضاض في ربط أحجار هذه السدة، ويلاحظ أن واجهتها التي تستقبل المياه مختومة في الأعلى بشرفة من صفوف الحجر تسندها دعامات خلفية لغرض منع تأثيرات المياه المتدفقة وجعلت في الأعلى منافذ لتصريف المياه الزائدة كي لا يرتفع منسوبها أمام السد.

 

وتشاهد هناك أحجار فيها ثقوب دائرية و مربعة ذات أعماق غير متساوية ومحفورة على مسافات غير متناسقـة، و الغرض منها تثبيت الحجر فوق الحجر الأسفل منه وأسفل الحجر الذي عليه بقضيب صغير من مادة الرصاص لتضيف للبناء المزيد من القوة والمتانة من جانب ومن جانب آخر ليضيف للبناء مرونة أكثر في صد فيضانات المياه.

 

أما الدعامة الكبيرة فيلاحظ أنها مجددة واستخدمت في بنائها أحجار منقولة بعضها تتضمن نقوشاً بخط المسند، وبناؤها يميل عن العمودية إلى الداخل، وفيها انحناءات غرضها تفادي ضغط المياه، وقد طلي ظاهرها بالقضاض، وعلى الأقسام العليا لها بقايا وحدات بنائية هدفها مراقبة ارتفاع منسـوب المياه. يفصل بين هـذه الدعامـة والسـدة الحجرية المذكـورة سابقاً فتحتان تتوسطهما دعامة صغيرة مشيدة بأحجار مرتبة، وقد سدت واحدة من الفتحتين في فترة متأخرة، وهما تؤديان إلى قناة كبيرة تتجه صوب مصارف القنوات في الجهة الشمالية، إذ أقيم جانباها من سدة ترابية رصفت بقطع أحجار جيرية وصخرية مختلفة أصغر حجماً من أحجار أبنية المصرف الشمالي للسد.

 

سد مأرب الجديد

إن إعادة بناء سد مأرب القديم كانت نتيجة للحاجة الماسة لتطوير المناطق الشرقية من اليمن حديثاً، وهو جزء من ذلك النهج التطويري الذي بدأه الرئيس علي عبد الله صالح منذ توليه زمام القيادة، فقد أعلن في يوليو 1984م عن إعادة بناء سد مأرب، وكان هذا الإعلان مفاجأة لكثير من الناس في داخل اليمن وخارجه، وفي 2 أكتوبر من عام 1984م قام الرئيس علي والشيخ زايد بن سلطان بوضع حجـر الأساس لبناء سـد مأرب الجديد في منطقة السـد الجـديـد والذي يقع على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الغرب من السد القديم، فتم افتتاح السد الجديد عام 1986م.