Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

حوار مع شيخ صوفي وشاب سلفي أثناء رحلة إلى الحجاز (1)

 أحمد الشقيري الديني

 تيسيرا على ذوي الدخل المحدود قررت السلطات المغربية هذه السنة تنظيم رحلة إلى الحجاز بواسطة "السفينة" المسماة: مراكش، من أجل أداء العمرة..

ما أن أخذ المسافرون أماكنهم حتى انطلقت السفينة من ميناء الدار البيضاء تمخر عباب البحر، متجهة صوب الشرق، وذلك في الأسبوع الأخير من شهر شعبان.

كان من بين الركاب شاب وسيم، قوي البنية، عريض المنكبين، قد أطلق لحيته على صدره، مرتديا قميصا أبيضا قصيرا، في فمه عود الأراك وعيناه مكحلتان، على ظهره أمتعته، يمشي بخطى مسرعة..

ولما كنت من بين الركاب، سألت الله أن ييسر لي صحبة صالحة، إذ لم يسبق لي أن زرت المسجد الحرام قبل عامي هذا.

ما أن دخلت الغرفة حتى وقع بصري على ذاك الشاب الملتحي الوسيم، فسلمت عليه ورد التحية بأحسن منها.

وضعت أمتعتي في المكان المخصص لها، وأخذت مكاني، وما هي إلا بضع دقائق حتى دخل علينا شيخ طاعن في السن، شديد بياض البشرة، بإحدى  يديه سبحة، والأخرى يحمل بها متاعه فسلم علينا، فبادرنا برد السلام ومساعدته على الجلوس وترتيب متاعه.

 

ركن التعارف ونقد الحكومة

كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الزوال لما أدينا صلاة العصر بمسجد السفينة، ثم قرر كل منا التعرف على رفيقه في هذه الرحلة. كان الشيخ أول من بادر بالسؤال عن أسمائنا.

قلت: أنا عبد المغيث، من مواليد مدينة مراكش، عمري أربعين سنة بالتقويم القمري. هذه أول فرصة أتيحت لي لأداء العمرة. أسأل الله أن يهدي هذه الحكومة لتقوم بنفس المبادرة في موسم الحج حتى يتسنى لذوي الدخل المحدود أداء فريضة الحج.

الشيخ: هذه الحكومة لا يرجى منها خير يا بني، فهي حكومة علمانية تحارب التدين الصحيح المبني على قوانين الجهاد وسنن التغيير السياسي والاقتصادي. ولها في مثل تنظيم هذه الرحلات مآرب أخرى، فمناخ الانتخابات التشريعية التي ستجري أطوارها في الشهور المقبلة، ومزاحمة التيار الإسلامي لها يجعلها تقوم بمثل هذه المبادرات، على غرار ما فعلته مع فئة المعطلين من ذوي الشهادات هذه الأيام، بتوزيع بعض المناصب عليهم ذرا للرماد في العيون، وهي التي أشبعتهم ضربا ورفسا في البداية!!

إن هذا الشعب يا بني، شعب طيب، سرعان ما ينسى آلامه ومحنه بمجرد أن تسدي له معروفا، وشياطين الإنس الجاثمون على صدره يستغلون طيبوبته هذه وسذاجته والأمية المنتشرة فيه ليحققوا مصالحهم، والله محيط بما يعملون.. لنعد لما كنا بصدده، ولنتعرف على رفيقنا الثالث، فعليه ملامح الصلاح إن شاء الله.

قال صاحبنا: إسمي أبو سيف من مواليد الدار البيضاء، مجاز في الدراسات الإسلامية منذ خمس سنوات، ولم ألج بعد سوق الشغل! أملي أن أتابع دراستي العليا بالجامعة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، خصوصا أنني لم أنقطع هذه السنوات الخمس بعد الإجازة عن البحث والتحصيل على يد ثلة من المشايخ بمدينتنا وخارجها، ومعي تزكية من بعضهم لمتابعة الدراسة هناك.

الشيخ: إذن أنت غير متزوج؟!

أبو سيف: لا! ظروفي المادية لا تسمح بذلك، والأعمال البسيطة التي زاولتها لا تأمن عيشا كريما، ورغم أني من أسرة موسرة إلا أني أفضل الاستقلال عنهم في السكن مما يسمح لي أن أنشئ أسرتي الصغيرة على التمسك بالسنة وفي رحاب القرآن الكريم، بعيدا عن فتنة العصر: أعني التلفاز والبارابول وما شابههما وأنت تعلم أن الكراء في مدينة مكتظة بالسكان مثل الدار البيضاء، هذه الأيام، ضرب من المستحيل!

الشيخ: أنتم يا بني ضحية السياسات الفاسدة التي تنهجها هذه الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ الاستقلال. فثلة قليلة من الانتهازيين استأثروا بالمناصب العليا ومراكز القرار بعد الاستقلال، واستغلوا ظروف الصراع الحزبي داخل حزب الاستقلال، الحزب القوي آنذاك، والذي كان من المفروص أن يعبأ الشعب للتصدي ـ باسم الإسلام ـ لمثل هذه النزوعات الخطيرة، ولكنه انشغل بخلافاته الداخلية، ومعارك تصفية المنافسين في حزب الشورى والاستقلال.

هذا الصراع الحزبي الذي لاحت بوادره منذ فجر الاستقلال سيعرف تطورات مثيرة فيما بعد، وأنا أعتبره قاصمة الظهر لهذه الأمة المغربية، لولا أن تداركها الله عز وجل بشباب الصحوة الإسلامية، وهذه التنظيمات الإسلامية الشابة التي تروم إصلاح ما أفسدته هذه الأحزاب المهترئة.. فعليكم يا بني أن تقوموا قومة رجل واحد في وجه هذا الطغيان، فعلى عاتقكم تقع مسؤولية رد الاعتبار للإنسان المغربي وفق تعاليم ديننا العظيم الذي كرم الإنسان رجلا وامرأة، وأن تقفوا في وجه الطغاة والظالمين حتى يحقق الله على أيديكم الأمن والسلام والطمأنينة لهذا الشعب المقهور..

قلت له: أيها الشيخ، خبرنا عنك، من تكون؟ إن هيئتك لا توحي بما تحمله من أفكار ثورية! فقد شوقتنا والله للتعرف عليك. من أنت أيها الشيخ الوقور؟!

فأجاب مبتسما: أنا يا بني لا أحمل أفكارا ثورية، ولكنني أحمل معاني الإسلام الحق الذي يأبى الضيم لأهله، ولا يرضى لهم الذل والهوان، وأن يعيشوا عالة على الأمم في مأكلهم وملبسهم ومراكبهم وحتى ما يدافعون به عن أنفسهم!! أليس هذا أعظم بلاء نزل؟ ألم يقل ربنا عز وجل: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم  مومنين) وقال سبحانه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..).

فالعلو والقوة من مميزات هذه الأمة التي ميزها الله بها عن سائر الأمم، فمتى لم تتحقق بهاتين الصفتين، يوشك أن تداعى عليها الأمم، كما هو حاصل اليوم، خصوصا بعد دخولنا عصر العولمة، كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ قال: لا! بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل!! ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم.. وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".

ثم قال: إسمي عبد النور، والآن أستأذنكم يا أبنائي لقراءة ورد المساء، فقد قال تعالى: (واذكر ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها).

جلس كل واحد منا في مكانه يذكر الله حتى نادى المنادي لصلاة المغرب.

يتبع