Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!



 محمد يتيم

yatim@attajdid.press.ma

  عندما يلين جلد المتدين ويدخل جحر الضب

ليونة جلد المتدين ليست شأنا فرديا فحسب وإنما هي ظاهرة جماعية وحضارية أيضا، ولذلك ما فتئ النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بسنته وأن تعض عليها بالنواجذ و يحذرها  أفرادا وجماعات من اتباع السبل والتفرق عن سبيل الله واتباع سبل المغضوب عليهم والضالين، ومن عدم الاعتبار بما كان من مخالفتهم لأنبيائهم .ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي على الأمة زمان لن تكف فيه فحسب عن الاضطلاع بدور الريادة والشهادة على العالمين ،وإنما ستنزل إلى درك أخطر من ذلك حيث ستفقد القدرة على التمييز وتسقط في التقليد الأعمى لأسوإ  ما لدى   الأمم الأخرى.

  وإنها لمفارقة كبرى آنئذ بين الحالة التعبدية اليومية  التي سيصبح عليها المسلم، فهو آنذاك في صلاته  يدعو  بدعاء الفاتحة سبعة عشر مرة على الأقل قائلا:(إهدنا  الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) سائلا الحق سبحانه أن يثبته على الصراط المستقيم  ويحفظ له أصالته وخصوصيته التي تبرر انتماءه إلى الأمة الوسط ، أمة الشهادة ، الأمة المستأمنة على ميراث خاتمة الرسالات؛بينما يشهد واقعه  على حالة التبعية والمسخ الحضاري . إنها صورة أخرى من ليونة جلد  المسلمين الذين يتخلون بذلك عن رساليتهم  فيصبحون تابعين لا متبوعين، تبعية  لأسوإ  ما لدى القوم من عقائد وإيديولوجيات ومذاهب وأفكار ،تبعية لما لديهم من عادات وانحرافات ،ولما لديهم من شذوذ يتبرأ منه عقلاؤهم وأولو الرأي فيهم.

  وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتنبأ بهذه الوضعية وذلك حينما قال ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه) . وحينما تساءل الصحابة هل الأمر يتعلق باليهود والنصارى أجاب صلى الله عليه وسلم قائلا:ومن؟)

  وتشبيه هذه الحالة من التبعية بالدخول في جحر الضب تشبيه بليغ،إذ أنه يصف حالة التبعية العمياء لا التبعية المميزة التي تأخذ وتدع  التبعية في الشر لا في الخير ، التبعية في السفاهة وفي قلة العقل لا التبعية في الرشد. وقد خص جحر الضب بالذكر لشدة ضيقه ورداءته ،ولاستحالة دخول الآدمي العاقل إليه لما في ذلك من العنت لو افترضنا إمكانية الدخول إليه.ولكن سيأتي على الأمة زمان ستفعل ذلك لمجرد أن اليهود والنصارى قد فعلوه. وها  نحن نشاهد في حياتنا الفردية والجماعية حالات كثيرة من الدخول في جحر الضب، ففي الألبسة النسوية الضيقة الشفافة التي ابتدعتها حضارة العري دخول في جحر الضب،وفي تقليدنا لأسوإ  عادات النصارى  واليهود دخول في جحر الضب وفي اتباعنا لدعوات أهل الشذوذ الفكري والسلوكي منهم دخول في جحر الضب وفي استيرادنا الأعمى لكل سلبيات الحضارة دخول في جحر الضب، وفي أخذنا بمناهج العمل والتغيير والمفاهيم الغربية دون تمحيص أو تمييز دخول في جحر الضب.

   الانفتاح على الحضارات والثقافات والأخذ الواعي منه شيء، لكن التقليد الأعمى ليس مؤشر رشد بل هو مؤشر طفولة فكرية وعقلية خاصة إذا كان المنطق السليم يقول لنا إن المقلّد قد سلك مسالك وأنفاق ضيقة حرجة ضيق وحرج جحر الضب.

 الانفتاح المذكور لا يكون ممكنا إلا على أرض من الوعي بأن المسلم ليس إنسانا عاديا بل إنه صاحب رسالة،وثانيا إلا بامتلاك قدرة على التجديد ،تجديد يمكن من التعامل الإيجابي مع الحكمة الإنسانية والاستفادة منها دون أن ينزاح عن انتمائه إلى حضارة الإسلام.إنه تجديد ينبغي أن يتأسس على اجتهاد هادف إلى أمرين: تحديث الأصيل من حياتنا وثقافتنا وحضارتنا ونفض غبارالجمود  عنها والكف عن  التقليد الأعمى للأموات،وتأصيل الحديث حتى لايكون  تعاملنا مع الحضارة الإنسانية ومكتسباتها   تعامل الإنبهار ، فالتقليد الأعمى للأموات،والانبهار بالمحدثات والمحدثين كلاهما استجابتان تميزان حالة التخلف والنكوص إلى مرحلة الطفولة الفكرية ،إنهما معا صورتان من صور الدخول إلى جحر الضب.

الحلقة 2