Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

حــديـث السفيـنـة

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي (ص) أنه قال: (مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها،فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا، لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) (رواه البخاري).

معنى الحديث

 الناس إزاء شرائع الله تعالى وأحكامه صنفان: صنف متمسك بها وحافظ لها وعارف بها، وصنف آخر بعيد عنها ومتنكب لصراطها وغافل عن مقتضياتها.

والحديث يصور لنا هذين الصنفين في صورة ركاب سفينة تمخر عباب البحر وتتلاطمها الأمواج... وهؤلاء الركاب فيهم الصالح والطالح والخير والشرير والمتقي والفاجر... فقوله (ص): «القائم على حدود الله» أي المستسك بدين الله تعالى، القائم بواجب الدعوة من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، الحافظ لحدود الله تعالى، سواء كانت حدود الأمر التي يجب امتثالها، أوحدود النهي التي يجب اجتنابها، والنصوص القرآنية كثيرة في هذا الشأن من ذلك قوله تعالى (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون).

وقوله سبحانه (تلك حدود الله فلا تقربوها) وقوله عز وجل (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).

أما الواقع فيها، فالمراد به المستهتر بأمور الدين، الواقع في المنكرات والمعاصي الغارق في الموبقات والفواحش دون أن يبالي بوعيد الله تعالى بالعذاب الشديد والمقيم لمن كان ذلك حاله...

فمثل هذين الصنفين: كمثل قوم استهموا على سفينة: أي اقترعوا فيما بينهم، والقرعة إنما تكون لقطع النزاع ورفع الخلاف، وفي الحديث الشريف: «لو يعلم الناس ما في النداء (أي الأذان) والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)، وكان النبي (ص) إذا أراد سفرا أسهم، بين نسائه ـ أي ضرب القرعة بينهن ـ فأيتهن خرجت قرعتها أخذها معه.

وقد أسفر هذا الاستهام عن إصابة بعض الركاب أعلى السفينة، وإصابة البعض الآخر أسفلها.. فالذين في أعلاها يتمتعون بجمال الكون وروعة الطبيعة، ونضارة الحياة، وجمال البحر والسماء... أما الذين كانوا في أسفلها فلا يصيبون من هذا كله شيئا، بل كان يجدون العنت والمشقة حتى في جلب الماء إذ يضطرون مرارا إلى الصعود إلى أعلى السفينة للاستقاء.. وهنا خطرت لهم خاطرة وهي أن يشقوا أسفل السفينة ويستخرجوا الماء من البحر مباشرة، وبذلك يريحون أنفسهم من الصعود والهبوط، ومن إزعاج جيرانهم أيضا، فإن تركوهم وما أرادوا ـ أي من الخرق ـ بدعوى أن ذلك إنما يقع في نصيبهم، فإن مصيرهم جميعا سيكون هو الهلاك، لأن السفينة لا تقل على ظهرها من هم في أسفلها وحسب، بل تقل ركاب الأعلى أيضا، فمصيرهم إذن مشترك ولا يجوز لأي طرف من الأطراف أن يتصرف فيه منفردا..

وإن أخذوا على أيديهم «أي منعوهم مما أرادوه من خرق السفينة، والتعبير بهذا النمط يفيد المنع بالقوة كمن شددنا يديه بالوثاق بمنعه من الحركة والعمل، وهذا كما قال سفهاء كفار قريش لبعضهم: «خذوا على يديه قبل أن تظهر دعوته» أي امنعوه بالقوة والحزم قبل أن ينتشر دينه... فإن هم فعلوا ذلك نجوا جميعا من الهلاك المحقق.

الخلاصات والدروس

1 ـ في هذا المثل النبوي الرائع درس بليغ لأولئك الذين أخطأوا الطريق، وضلوا الجادة وتنكبوا عن سبيل الهدى، ففهموا "الحرية" فهما خاطئا وساروا في هذه الحياة حسب أهوائهم وشهواتهم... درس آخر لأولئك الذين رأوا المنكر فسكتوا عنه، وأغضوا أعينهم عما يدور حولهم من آثام وموبقات،كأن الأمر لا يعنيهم أو يخصهم، وبدعوى صلاح أنفسهم...

2 ـ إن حال ركاب السفينة شبيه بحالنا في هذه الأرض، فإن تركنا أهل الشر والفساد يسرحون ويمرحون، ويفعلون ما يحلو لهم وما يطيب، دون أن نوجه لهم النصح، أو نمنعهم عن اقتراف الموبقات والآثام، لا شك أن آثار ذلك ستصيبنا إما في أنفسنا أو أبنائنا أو أهلينا.. فليكن المؤمن سدا منيعا أمام موبقات المفسدين.»