Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 الرؤية التربوية

حــركـــــــــــــــة التوحيد والإصلاح

الحلقة الخامسة

دأبت حركة التوحيد والإصلاح على بسط رؤاها واجتهاداتها للناس بدءا من الميثاق الذي يحدد المبادئ والمنطلقات والمقاصد والأهداف ومجالات العمل ثم الورقة السياسية التي تحدد طبيعة نظرتها إلى الواقع السياسي القائم ورؤيتها لسبيل إصلاحه. غير أن من أهم الوظائف الأساسية التي ندبت حركة التوحيد والاصلاح نفسها للاضطلاع بها سواء داخل صفوفها أو داخل المجتمع هناك العمل التربوي الذي يعتبر الخطوة اللاحقة والمكملة للعمل الدعوي حيث تعتبر الحركة أن «الواجب المركزي للحركة الإسلامية هو كيف تدعو الناس وكيف تربيهم، فهو الابتلاء الذي يواجه الدعوة الإسلامية في كل زمان، وجميع العوائق أمام حياة إسلامية أفضل في مجتمعاتنا الحاضرة تعود بصورة أوبأخرى إلى عوائق تربوية تتصل بالإنسان ومركز القيادة فيه واتخاذ القرار، وهو القلب سواء في فهم الدين أو العمل به» (1)، غير أن العمل التربوي يحتاج بدوره إلى رؤية واضحة تحدد مقاصده وخصائصه وأهدافه وبرامجه ووسائله والمصادر المعتمدة فيه ووسائل تقويمه، وهي الأسئلة التي جاءت في ورقة الرؤية التربوية للحركة للإجابة عليها.. وسيرا على نهجها في نشر أوراق الحركة ننشر تباعا مقاطع من هذه الرؤية آملين أن تكون مجالا لحوار ونقاش بين المهتمين بالشأن التربوي داخل الحركة وخارجها.

 

مصــــادرنــا فــي التــربيـــــــة...مصــــادرنــا فــي التــربيـــــــة

 

المصادر هي المنابع التي نستقي منها المضمون الذي نربي به الناس، والوسيلة التي نستعملها لتحقيق هذا المضمون، وفيما يأتي أهم مصادرنا في التربية نذكرها بإجمال ونحيل على الضوابط التي ذكرها العلماء للانتفاع بكل مصدر منها.

 

1 ـ القرآن الكريم

هذا الكتاب المنزل من عند الله هو مصدرنا الأول، منه نأخذ العقائد والشرائع، ومنه نأخذ منهج الدعوة والتربية، ومنه نأخذ الرد على الملل والأديان التي تقابل ما جاء به من الحق والهدى.

يقول الله تعالى في تعريف قرآنه الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/185)

فمضمون القرآن الكريم وأدلته وبراهينه بينات وردوده على أصول الشبهات والشهوات فرقان. فمن كان معه هذا الكتاب فمعه الهدى والبينات والفرقان، وهذا ما يحتاجه ليعرف الحق ويلزمه.

ونحن عندما نعتمد القرآن الكريم المصدر الأول لتربيتنا نعتمده على منهج أهل السنة والجماعة، ونستنير بالتفاسير التي تلقتها الأمة بالقبول لفهم معناه، وننضبط بالقواعد العلمية للتفسير، ومن خلال ذلك كله نتدبر ونجتهد ونستنبط.

 

2 ـ السنة النبوية

وما قلناه في المصدر الأول نقوله في هذا المصدر الثاني، فنحن متمسكون بما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر/7)

ونهتم بالسنة القولية كما نهتم بالسنة الفعلية، فهي مصدر عظيم لنا في مجال التربية، قالت عائشة رضي الله عنها تصف خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان خلقه القرآن).

فالسنة النبوية عندنا مصدر للعقيدة والتشريع والدعوة والتربية والتوجيه والمعرفة والحضارة، وما يتصل من ذلك بالتربية كثير جدا.

3 ـ التراث العلمي للمسلمين:

ونقصد بالتراث ما كتبه المسلمون ووصل إلينا، فيشمل التراث التربوي وغيره.

وموقفنا من التراث وسط بين الرفض والتقديس، ففي تراثنا ما هو مفيد لزمانه مفيد لزماننا، وفيه ما هو مفيد لزمانه غير مفيد لزماننا، وفيه ما لم يكن مفيدا لزمانه وليس مفيدا لزماننا.

ففي تراثنا العلمي كنوز من الفكر التربوي الراقي ومن الآراء والنظريات والتجارب التربوية الناضجة، ما يحتم علينا استكشافه واستيعابه وتمحيصه والاستفادة منه.

 

4 ـ الاجتهادات الإسلامية المعاصرة

ونقصد بها الأبحاث والكتب الحديثة التي ألفت في مختلف الموضوعات الإسلامية، وبحثت المنهجية وطرق التفكير، كما درست الواقع الراهن على ضوء ثوابت الإسلام.

ولقد تناولت الكتب المعاصرة موضوع التربية واقترح بعضها برامج وخطط عمل. وكل هذا رصيد لنا نضمه إلى ما وصلنا من التراث في هذه الموضوعات. غير أنه لا يحملنا على ترك الاجتهاد لواقعنا والتخطيط لمجتمعنا بما يلائمه. والدليل على ذلك أننا أعددنا هذه الرؤية التربوية وأعددنا برامج تابعة لها ولم نكتف بما هو موجود ضمن الكتب والمطبوعات المتداولة.

وبما أن الكتاب الإسلامي ليس على درجة واحدة من الأصالة والعمق والتقيد بقواعد البحث العلمي، فإن اختيار أفضل ما كتب في كل علم والاطلاع على المكتبة الإسلامية وحسن اختيار المظان والمراجع جزء من مقتضيات العمل التربوي الذي نقوم به.

 

5 ـ التجارب الواقعية

ونقصد بها الخبرة المتراكمة من ممارسة العمل التربوي، ومكابدة مشاكله، والتربية بحاجة إلى قراءات نظرية وتجارب ميدانية.

ونحن نستفيد من تجربة الحركات الإصلاحية القديمة والحديثة، مثل الإصلاح الذي تم في عهد عمر بن عبد العزيز أو صلاح الدين الأيوبي، أو ابن تيمية، أو محمد بن عبد الوهاب، أو محمد بن علي السنوسي، أو سعيد النورسي، أو حسن البنا، أو محمد إلياس، أو عبد القادر الجزائري، أو عبد الحميد بن باديس، أو نجم الدين أربكان، أو أبي الأعلى المودودي، أو أبي الحسن الندوي... نستفيد من تجربتهم التربوية ونستأنس بلوائحهم وبرامجهم ونظام جماعاتهم ووسائلهم التي طبقوها في تربية أبناء مجتمعهم ...

كما نستفيد من التجربة العملية لحركتنا وللحركتين السابقتين المشكلتين لها، ونعتبر ذلك كله رصيدا لنا نغنيه وننميه ونزيد عليه.

لا نتعصب لمدرسة من المدارس ولا نتعصب ضد جماعة من الجماعات، ولكننا نستفيد من تجاربها الواقعية ونأخذ ما نراه صالحا وصوابا ونرد على المخطئ خطأه وعلى المبتدع بدعته، ونعتقد أن التجارب التربوية للمصلحين والمجددين مفيدة لمن بعدهم خطؤها وصوابها.

 

6 ـ كتب التربية العامة

ونقصد بها الأبحاث والدراسات المتخصصة في علوم التربية، تدرس موضوعات هذه العلوم مثل نظريات التعلم والظواهر المرتبطة مثل الدوافع والانفعالات والتفكير والانقياد والإحساس والإدراك والإبداع والتذكر والنسيان، والتربية بالأهداف والتربية من الكل إلى الجزء أو من الجزء إلى الكل.

وهذا النوع من البحوث يقدم نفسه بصفته محايدا ومشتركا لا دخل لدين الشخص فيه أو مذهبه إلا أن هذا الحياد ينبغي أن ينظر إليه بالحذر المطلوب لأن الحياد في العلوم الإنسانية ـ وعلوم التربية منها ـ مازال مطلبا بعيد المنال، وربما لا يحصل أبدا لطبيعة الموضوع الذي تدرسه وهو الإنسان.

فنحن لا نمانع من الاستفادة بنتائج هذه العلوم التي تخصصت في التربية، ولكننا نحذر من تلك النظريات التي لا تلائم واقعنا والتي لم تأت بأفضل مما عندنا، فالسير بين هذه العلوم يحتاج إلى حذر زائد لكنه حذر لا يمنع البحث عن المفيد فيها واعتماده.

 

7 ـ التاريخ

والتاريخ ديوان لحفظ النجاح والإخفاق في تربية الإنسان وفي حياة البشر وتجاربهم، فهو مصدر من مصادرنا لنقتبس منه ما يصلح أن يكون عبرة.

لا يمكن أن ننفصل عن ماضينا وماضي الإنسانية ولا يمكن أن نقفز على تجارب الأجيال السابقة، والقرآن الكريم أمرنا أن ننظر في السنن التي خلت من قبلنا؛ كيف قامت الحضارات وسقطت وكيف وقع النصر ووقعت الهزيمة، وكيف وقع الفساد وحصل الإصلاح، بل إنه زاخر بأخبار الأولين ومن التعليق على إيمانهم وكفرهم، وصلاحهم وفسادهم.

إلا أننا لا نغفل المشاكل التي يعاني منها هذا العلم وما وقع فيه من تحريف وتزييف عند تدوين الخبر والتعليق عليه وتوجيهه وتحليله.

 

8 ـ الواقع

فحاضر العالم الإسلامي، وحاضر العالم كله، مدرسة مثل مدرسة التاريخ الإسلامي والتاريخ الإنساني العام، ندخل إليها ونتعلم منها ما يفيدنا في الخطط والبرامج والتجارب التربوية، فنحن نضع البرامج لأناس يعيشون بيئة تربوية ليست من صنعنا وليس لنا السلطان الكامل عليها. ففي هذا الواقع أنظمة سياسية تحكم، وفيه إعلام وتعليم وفيه قوانين ومؤسسات توجه وتؤثر.

فمعرفة هذا الواقع بأساسياته المشتركة (خصائص العصر) وخصوصياته داخل كل بلد ضروري عند تحديد المشكلات التربوية الأكثر إلحاحا، وعند اختيار الوسائل التربوية الملائمة للمرحلة وعند وضع البرامج المختلفة.

إننا بحاجة إلى فهم الواقع لنضع برامج ملائمة له، ونعطي لفقه الواقع ما يحتاجه من غير إفراط ولا تفريط.

الحلقة 6