Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

"الخطر الإسلامي" أم الخطر الغربي والصهيوني؟

أطـروحتــان وشبــه أطروحــة

 

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وإفلاس المنظومة الشيوعية وتراجع الإيديولوجيا الاشتراكية بأوروبا الشرقية، درجت كتابات كثيرة في العالم الغربي أولا ثم في عالمنا العربي والإسلامي ثانيا بحكم التبعية والتقليد طبعا على الترويج لمقولة "الخطر الإسلامي"، بوصفه الخصم والعدو الجديد الذي سينتصب مرآة عاكسة للوجه الثاني للنظام الامبريالي بفلسفته الليبرالية الجديدة التي لا يمكنها أن تنظر إلى ذاتها من خلال "آخر" عدو وخصم آني أو آجل. الفلسفة القائمة على أساس ثنائية سائلة تعرف الآن أرقى مراحل نموها وازدهارها وهيمنتها وتوسعها، تماما كما تسيل المواد الصلبة بعد درجة من الحرارة عالية، وهي ثنائية "العولمة والعلمنة". ويكفي أن يكون عنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" مؤشرا صالحا لقياس درجة الحرارة والهيمنة والاستعلاء المذيبة لكل صلب وثابت، هوية أو خصوصية، لدى الأمم والشعوب المخالفة.

بالرغم من كل هذا فإن التأمل الموضوعي للمقولة المستند إلى آليات ومنطق المقاربة لدى الآخر، أي الذي ينظر بعيونه هو، ينتهي إلى أن الأمر يتعلق بأطروحتين متكاملتين، أما إذا نظرنا إلى المقولة من زاوية محلية ذاتية سنجد أن الأمر يتعلق بمغالطة سافرة وأطروحة هشة، أو قل ب "شبه أطروحة". فإذا كان منطقيا أن يركز الغرب على الخطر "الإسلامي" لحماية مصالحه والتستر على خطره وعلى الخطر الصهيوني الذي من رحمه ولد ومن جبروته تعلم ومن مدرسته تخرج، وأن يركز الصهاينة أنفسهم على "الخطر الإسلامي" لأن المحيط الديموغرافي والاقتصادي والديني والحضاري المهدد لهم باستمرار حال انفجاره أو يقظته، فإنه ليس منطقيا بجميع المقاييس (تاريخية، واقعية، أخلاقية...) أن يكون حديث كثير من النخب العربية فكرية وسياسية عن "الخطر الإسلامي" دون الخطر الغربي والصهيوني إلا في لحظات التحديات الكبرى، والتأجج الشعبي الصادق ضرورة "منهجية" للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه وعلى بعض أوراق اللعب هنا وهناك. كان هذا واضحا في العدوان الغربي على العراق وهو يتضح الآن أكثر في العدوان الصهيوني على فلسطين إلى حد الانكشاف السافر.

 

1 ـ لنبدأ ـ في إشارات سريعة ـ بأطروحة الغرب المضخمة  "للخطر الإسلامي" ولا جرائم له ولا هو صاحب قوة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية مهددة، والمتسترة عن أخطار هذا الغرب الاستعماري التوسعي وعن الخطر الصهيوني ويداه الملطختان بدماء المجازر تلو المجازر ويمتلك من القوة العسكرية والقرار السياسي ما يفوق به سائر بلدان المنطقة بل ما يؤثر به دوليا وعالميا من خلال لوبيات الضغط المتعددة.

فأمام تزايد معدلات نمو العالم الثالث، وعالمنا الإسلامي خصوصا، حيث من المتوقع أن يتضاعف حجم بعض الدول فيه خلال العقدين الأولين أو الثلاثة القادمة، وأمام الوضع المزري الذي تعيشه الغالبية الساحقة لهذه الساكنة والذي تنعكس عليه وبسرعة كبيرة مؤثرات العولمة الليبرالية السلبية القائمة على مرتكز إفقار الفقير وإغناء الغني، حيث تتمركز ثروات البلد الواحد في يد فئة قليلة كما تتمركز ثروات العالم في يد بلدان قليلة، ليبقى البؤس والفقر والحرمان والاضطهاد النفسي والشعور بالإهانة و الإحساس بفقدان الكرامة... هي القضايا المادية والمعنوية، المهيمنة على الامتداد الأفقي الجماهيري في هذه البلدان. وأمام الفشل المتتابع للنظم والإيديولوجيات الغربية والشرقية والتي توجتها العولمة المعلمنة في رفع الحيف عن الإنسان وتحقيق الضروري من مطالبه الوجودية المادية والروحية، فإن فرص من عودة الاسلام للقيادة من جديد تتزايد وتتأكد يوما بعد يوم سواء لشعوبه التي أهملته أو للبشرية التائهة. كيف لا وهو يناقض الاستبداد والاستعباد ويناصر المحرومين والمستضعفين ويحترم كرامة الإنسان ويجعلهامن لوازم وجوده، ويوازي بين مطالب الجسد الروحية والمادية... ويجعل للحياة هدفا ومعنى، إنه باختصار منظومة متكاملة لها حضور في مختلف المجالات نصا أو استنباطا ومشروعا حقيقيا لتحرير الإنسان من كل أشكال الاسترقاق ولضمان العيش الكريم والمطالب الضرورية، والحاجية التي لم تنجح الفلسفات الوضعية في تلبيتها للكائن البشري حيث تتضخم كماليات المترفين على حساب ضروريات المعوزين.

هناك إذن نمو ديموغرافي هائل ومتزايد لساكنة العالم الإسلامي بالرغم من محاولات الحد من النسل وتفجير بنية الأسرة وتفسيق الشباب، ثم هناك الإسلام بمشروعه الحضاري لتأطير وتدبير الحياة الخاصة والعامة للإنسان، وهناك ثروات ومقدرات مادية، صلبة وسائلة هائلة في جغرافية هذا العالم.

وهذه كلها أمور إذا ما اقترنت ستشكل  "الخطر الإسلامي" المهدد والمرعب للكيان الغربي. فهذه أطروحة تخشى من عودة الإسلام إلى قيادة حقيقية للبشرية بقدرته الخارقة على التفعيل والتحفيز للعمل والإيمان والتجرد...، ونستحضر طبعا تجاربه التاريخية، في الصدر الإسلامي الأول بفتوحاته وفي الحروب الصليبية وفي حركات التحرير والمقاومة وفي الانتفاضة وفي منجزاته العلمية والحضارية إلخ. فهناك ـ كما يحلو للبعض أن يصور ـ عبوة ناسفة بها أزيد من مليار متفجر وبجانبها عود نار لم يشتعل بعد.

فالحذر الحذر من الانفجار!!. أما انفجارهم هم المدمر لثقافات واقتصاديات الشعوب فليس خطرا، إنه فقط: الحداثة والمعاصرة والعولمة ومقتضيات النهضة ومطالب التقدم التي تقضي بتبعية المغلوب للغالب وتقليده إياه في سائر عوائده ونوائبه ولو بالتنكر للذات وللهوية.

أفلا يقتضي هذا المزيد من الحديث عن الخطر الغربي القائم والقادم ولمزيد من التوضيح لقيم الرحمة والهداية والعدل والحرية التي يحملها الإسلام للبشرية؟!

2 ـ بالنسبة للترويج الصهيوني ل "الخطر الإسلامي". للأطروحة الثانية في الموضوع، فهو أمر بدهي ومفهوم ما دامت الحركة الصهيونية حركة استعمارية استيطانية غاصبة. استوطنت أرضا إسلامية وهجرت شعبا مسلما، وهي في حالة عدوان دائم وتحتاج إلى مبررات لاستدامة العدوان. لكن بالرغم من وضوح هذا المعطى فإن اليهود الصهاينة يؤسسون أطروحتهم على حقائق موضوعية يمكن إجمالها في عنصرين اثنين، أحدهما ذاتي كان في جسم هذا الكيان والآخر خارجي كامن في المحيط المسيج لهذا الكيان.

بالنسبة للعنصر الأول يدرك الصهاينة أنهم كيان وظيفي هش قائم على الدعم والتمكين الغربي، وأن بنيتهم الاجتماعية ليست بالاستقرار والتماسك الذي يتحدث عنه، والذي يرفعهم إلى درجة "الشعب الأسطورة" الذي لا يقهر والذي يتحكم بالعالم ويقوده ويسيره كيفما يشاء. بل إن كيانهم يغص بكثير من التناقضات والصراعات الإثنية العرقية والطبقية بحكم الشتات والحضارات والثقافات التي تأثروا بها في أوروبا وأمريكا وروسيا وإفريقيا... وأكثر الباحثين تخصصا في  الموضوع يتحدثون، تاريخيا وحاضرا عن جماعات وثقافات وعقائد... يهودية، وليس عن شعب يهودي واحد منسجم. بل إن "حرمة" اليهودي و "زكاة" دمه ليست من حيث هو كذلك، وكيف وهم معروفون بقتلهم لأنبيائهم وخيانتهم وغدرهم!.

فالحفاظ على الإنسان اليهودي باعتباره "شعبا مختارا" صياغة يهودية (أي ذات مرجعية دينية ثراتية) لمضمون صهيوني علماني استيطاني استعماري صرف بحيث تصبح العناية الزائدة بهذا اليهودي/ الصهيوني راجعة إلى كونه رقما استيطانيا استعماريا إحلاليا وظيفيا لا غير. ويصبح أمر حمايته والحفاظ عليه لا يعدو كونه تأمينا للمشروع الصهيوني الاستيطاني أمام موجات الرعب والذعر الذي يجتاح هذا الكيان بسبب هذا "الخطر الإسلامي" المهدد بنسف المشروع برمته.

ويمكن الرجوع إلى إحصاءات حرب الخليج بخصوص عدد الهلكى من غير حرب وإنما بالسكتات القلبية والأزمات النفسية التي خلفتها صواريخ الحسين العراقية، وتوقف استقدام وترحيل اليهود، وفرار كثير من الأسر إلى مواطنها الأولى. باختصار، فالصهيونية تدرك أن قوتها من قوة الغرب واستعلاءها من استعلائه، وأنه متى توقف هذا الدعم والتمكين أو شعر الغرب أن صيغته لم تعد تصلح للأداء الوظيفي وأراد أن ينهي تعاقده معها فهذا يعني النهاية والزوال لهذا الكيان. لذا فهو دائم الضرب على طبل "الخطر الإسلامي" بما يرفع من وتيرة قلق الغرب على مصالحه بالمنطقة.

أما بالنسبة للعنصر الثاني، وقد تقدم شيء منه في الأطروحة الأولى، فيتجلى في وعيهم بصعوبةوخطورة التوسع في المحيط العربي والإسلامي الذي يسيجهم دينيا وحضاريا وثقافيا واقتصاديا... مهما كانت جهود التطبيع المبذولة والتمكين الغربي لها آثارها البادية على النخب المستلبة، أي استحالة تعميم التطبيع على الامتداد الشعبي الحامي الأول للقيم الدينية والثقافية للأمة.

وهي تستشعر أيضا بالإضافة إلى صعوبة التمكين لمشروعها "خطر" "انفجار" ويقظة الضمير المسلم الموصول بدينه وثقافته بحدة أكبر من الغرب. إذ هي في قلب هذا العالم و الخصم المباشر والميداني له. وهل انتفاضة أطفال ورجال ونساء الحجارة إلا صورة مصغرة عن انتفاضة الأمة بواجب النصرة والجهاد وتحرير المقدسات؟!.

أفلا يقتضي هذا المزيد من الحديث عن الخطر الصهيوني القائم والقادم والمزيد من تنبيه الغافلين وإيقاظ الوسنانين من مخدر الجهل بهذا الكائن السفاح الغاصب ومقاومته ومجاهدته بدل السكوت عنه إلا بمناسبة، والتطبيع معه بمناسبة وبغير مناسبة؟!

يتبع

يتبع