Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!
حضارتنا وحضارتهم ..

بقلم :

المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ مصطفى مشهور

تقلبت على البشرية عبر تاريخها الطويل حضارات متعددة ، قامت غالبيتها على أسس عرقية قومية تستهدف السيطرة المادية لتحقيق السيادة والرفاهية لهذا العرق على حساب غيره من البشر ، إلا حضارة واحدة هي حضارتنا الإسلامية التي قامت على أسس إنسانية أخلاقية تستهدف سعادة البشر في الدنيا والآخرة ، ولقد اتصفت هذه الحضارة بخصائص سامية سأشير إلى بعضها في مقالي هذا إشارات موجزة .. ثم أقارنها بنظائرها في الحضارة الغربية المعاصرة التي يراد لها أن تسيطر على العالم وتمحو غيرها من الحضارات تحت مصطلح العولمة ، والتي بهرت - للأسف الشديد - جمهورا ليس بالقليل في دولنا ، سوف أعرض ذلك حتى يعلم الناس حضارتنا وحضارتهم .

- تقوم حضارتنا على الإيمان بالله تعالى وتوحيده توحيدا خالصا لا يشوبه أي شرك (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ويترتب على ذلك أن يكون الناس جميعا عبيدا لهذا الإله ، على قدم المساواة .

- وتقوم أيضا على الإيمان باليوم الآخر ، والحساب ، والثواب والعقاب.

- وتقوم على المساواة في القيمة الإنسانية بين البشر جميعا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ... (أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ، ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ).

- وتقوم على تكريم الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو لغته أو دينه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .

- وتقوم على أن التفاضل بين الناس لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح لا بالجنس ولا باللغة ولا بالمال ولا بالقوة (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ... (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس).

- وتقوم على تكريم المرأة ومساواتها بالرجل فيما يتفقان فيه من خصائص ، والتفرقة بينهما فيما يختلفان فيه من وظائف (النساء شقائق الرجال) ... (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) .

- وتقوم على الأخلاق الإنسانية لا القومية فالصدق واجب مع الجميع، والكذب حرام مع الجميع والعدل فريضة مع المؤمن والكافر والعدو والصديق (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).

- بل إن الحروب التي خاضها المسلمون كانت حروب تحرير للشعوب من الطغاة والمستعمرين ، ولقد رحبت الشعوب بالفاتحين المسلمين وأيدتهم ضد الطغاة الظالمين ، ولو كانوا على مثل عقيدتهم ، بل دخلوا في دين الله أفواجا عن رضى واختيار ، هذه الحروب كانت تحكمها مبادئ وآداب تتمثل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (اغزوا باسم الله ، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعترضوا لهم ، ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا ، ولا تغرقن نخلا ولا تقلعن شجرا ولا تهدموا بيتا) .

- هذه الحضارة هي التي اتسعت لاستيعاب اليهود في كل مرة طردوا فيها من أوربا ، في المغرب العربي حينما رحلوا من الأندلس ، وفي تركيا الإسلامية وغيرها من دول الخلافة العثمانية حينما رحلوا من دول أوروبا الشرقية .

هذه بعض معالم حضارتنا فما هي معالم حضارتهم :

إنها حضارة ليس للإيمان بالله ولا باليوم الآخر فيها أي تأثير أو توجيه .. ومن ثم كانت حضارة مادية دنيوية تقوم على المصلحة وتسعى لإشباع الغرائز والشهوات الدنيا - مادية كانت أم معنوية - ولذلك فقد انهارت في ظلها كل المبادئ الدينية والإنسانية السامية .

- فحركة الاستعمار التي انتشرت في القرون السابقة والتي شملت كل بلاد آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تقريبا ، ارتكبت فيها فظائع تشيب لهولها الولدان ، ولم يكن لها من هدف سوى إذلال تلك الشعوب واستنزاف ثرواتها.

- ونتيجة لهذه النظرة العنصرية عومل الزنوج والملونون في بلاد الحضارة الغربية بل في بلادهم في جنوب إفريقيا أسوأ مما يعامل به العبيد .. ولقد أثمرت هذه النظرة القومية العنصرية : النازية والفاشية ، واشتعلت من جراء المطامع حربان عالميتان في النصف الأول من القرن العشرين خلفتا سبعين مليون قتيل ناهيك عن الجرحى والدمار الذي أكل الأخضر واليابس .

- وعندما هبت الشعوب المحتلة لطرد المغتصبين المستعمرين قوبلت بأبشع وسائل البطش والوحشية .

-ولقد كانت جريمة هذه الحضارة الكبرى في هذا العصر هي تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين الإسلامية في ظل الانتداب البريطاني والسماح لهم بتكوين عصابات إرهابية تقتل أهل البلاد المسلمين وتدمر منازلهم وتستولي على أرضهم وقراهم في حماية الإنجليز بالحديد والنار ، وكانت النتيجة أن استولى اليهود على فلسطين وشردوا أهلها.

- وعندما ثار الشعب الفلسطيني الأعزل في انتفاضة الأقصى ، وقدم الشهداء والتضحيات ، وتحمل الحصار والجوع والعدوان والدمار ، وبدأ الاستشهاديون عملياتهم من أجل تحرير الأرض والمقدسات وشعر الغرب بالخطورة على أمن الكيان الصهيوني ، سارع المبعوثون من كل دول الغرب من أجل التهدئة ووقف ما يسمونه بإطلاق النار .

- وفي الوقت الذي يحاربون فيه الدول العربية ويجبرونها على التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية يستثنون الكيان الصهيوني .

- ورغم أنهم يزعمون محاربتهم للعنصرية فإنهم يضغطون على الدول حتى تسحب تأييدها لقرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحد باعتبار الصهيونية دعوة عنصرية .

- ورغم أنهم يزعمون محاربتهم للاضطهاد الديني ويستغلونه للتدخل في شئون الدول المختلفة فإنهم يتغاضون عن اضطهاد اليهود للمسلمين في فلسطين إلى حد حرمانهم من الصلاة في المسجد الأقصى، وتدمير المساجد واحتلال القدس الشريف والسعي لهدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم مكانه.

- ورغم زعمهم الانحياز لحقوق الإنسان وتقييم الأنظمة حسب موقفها منها فإنها ترى حقوق الإنسان الفلسطيني تسحق ابتداء من حق الحياة والحرية إلى حق التنقل والعمل .

- وربما ينخدع بعض الناس بمحاكمات مجرمي الحرب التي يقيمونها لسفاحي الصرب والكروات في لاهاي وهم يستحقون ذلك وأكثر ، ولكن هل يفعل الغرب ذلك انتصارا للحق والعدل؟ ... وإذا كان الأمر كذلك فما الفارق بين ميلوسوفيتش وشارون وباراك وبيريز وجميع قادة العدو الصهيوني الذين قتلوا المدنيين في قبية ودير ياسين وقانا والضفة وغزة ، بل قتلوا الأسرى المصريين ودفنوا بعضهم أحياء؟.

- إن سياسة الكيل بمكيالين هي أبرز خصائص الحضارة الغربية المادية النفعية .

ولا أخالني بحاجة إلى الحديث عن العلاقات الاجتماعية والأسرية المقطعة ولا العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء بل بين الرجال والرجال ، والنساء والنساء ، ولا عن الخمر وآثارها ، إلى غير ذلك من ثمار هذه الحضارة المرة .

ورغم التقدم المادي والعلمي والتقني الهائل الذي أنتجته هذه الحضارة ، فإنه لن يستطيع أن يستر عورات هذه الحضارة ، ولن يحميه إلا أن يفيء إلى كنف الحضارة الإسلامية الإنسانية السامية (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

أقول هذا حتى يعلم المسلمون نفاسة ما لديهم وعظم حضارتهم فيعتزوا بها ، ويسعوا إلى الاستمساك بها وتطبيقها حتى يراها الآخرون فيأخذوا بها ففيها خلاص البشرية جمعاء ، وصدق الله العظيم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). .