Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

هجرة الأدمغة المغربية إلى الخارج...متى يتوقف النزيف؟؟!

محمد أعماري

 يعيش المغرب مؤخرا ظاهرة خطيرة جدا، ستكون لها ولاشك عواقب وخيمة على مستقبله، وتشكل عائقا حقيقيا أمام محاولاته نحو التقدم والرقي. فإذا كانت العقود التي قضاها بين براثن الاستعمار الفرنسي قد أدت إلى استنزاف ثرواته الطبيعية وامتصاصها، فإنه  يعاني اليوم من استنزاف أخطر من ذلك الاستنزاف المادي المحسوس الذي عاناه في النصف الأول من القرن العشرين. فالمغرب يتعرض الآن لاستنزاف ثرواته البشرية، وسرقة ثرواته المعرفية والعلمية بشكل بشع وفظيع ينذر بإخلائه كليا في غضون سنوات من عقوله وأدمغته التي تعتبر مناراته في شتى المجالات التكنولوجية والعلمية. فهل هي نتائج العولمة وإلغاء الحدود  قد أصابت لعنتها بلدنا؟ أم هي نتيجة حتمية لسياسات إفسادية وتخريبية تعاقبت على هذه "الأرض السعيدة" طيلة عقود من الزمن؟ أم أن الظروف المحيطة بالعمل في ميادين التكنولوجيا بالمغرب لا تشجع على الاستمرار؟ ماهي انعكاسات هذا النزيف البشري على بلدنا وعلى اقتصاده وتقدمه وازدهاره؟ ماذا سيفقد المغرب بفقدان أدمغته المهاجرة؟ وماهي الحلول المقترحة لتطويق الوضع ومحاصرة الظاهرة على الأقل والحد من تناميها؟ محاولة منا للإجابة على هذه الإشكالات، اتصلنا بمجموعة من العارفين بالميدان والمتخصصين والفاعلين في حقل تكنولوجيا المعلوميات، وأعددنا لك عزيزي القارئ هذا التحقيق:

 

1 ـ ناقوس الخطر

يرجع تاريخ التحذير من هذه الظاهرة الخطيرة إلى أواخر عقد الستينات من القرن العشرين، وبالتحديد سنة 1968 عندما أثارها عالم الدراسات المستقبلية المغربي الدكتور المهدي المنجرة، وكان آنذاك نائب المدير العام لليونسكو في العلوم الاجتماعية والثقافة، وشارك في الدراسة التي قام بها معهد الأمم المتحدة للتكوين والبحث (UNITAR) حول ظاهرة "هجرة الأدمغة"، وكانت هذه الدراسة موجهة أساسا نحو آثار هذه الهجرة على الاقتصاد، وقد أورد الدكتور المهدي المنجرة في كتابه "الحرب الحضارية الأولى" أن أكثر من 700 باحث مغربي في مستوى الدكتوراه فما فوق يعملون في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، هذا مع العلم أن هؤلاء الخبراء كلف تكوين كل واحد منهم بالمغرب حوالي مليون درهم.

ويقول الأستاذ عبد العزيز رباح (مسؤول تكنولوجيا المعلومات بوزارة الصناعة والتجارة): «واليوم يطرح الموضوع من جديد، وخاصة في ميدان تكنولوجيا المعلومات، فأوربا وكندا والولايات المتحدة بالخصوص تحتاج إلى مئات الآلاف من الخبراء لبناء ما يسمى بالاقتصاد الجديد القائم على التكنولوجيا العالية، مما يجعلها تستقطبهم بكل الاغراءات والتسهيلات..».

أما الأستاذ خالد الحريري (رئيس جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية (Apebi) فيرى أنه: «منذ بداية سنة 1999، لوحظ ارتفاع في نسبة هجرة المغاربة إلى الخارج وخصوصا مهندسي المعلوميات. فمثلا غادر المغرب أكثر من 60% من خريجي المعهد الوطني للبريد والمواصلات (INPT) فوج 2000، وهناك آخرون يستعدون للحاق بزملائهم، أما عند خريجي المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم (ENSIAS) فالظاهرة ليست أقل خطورة.. «ومؤخرا في ندوتنا حول الموضوع ـ يضيف الأستاذ خالد الحريري ـ والتي نظمها يوم 2000/11/24 بالمدرسة المحمدية للمهندسين حول موضوع: «نغادر أم نبقى؟» (Rester ou partir)، كشف استطلاع للرأي قمنا به داخل القاعة أن 80% من الطلبة المهندسين عبروا عن رغبتهم في الهجرة مباشرة بعد حصولهم على ديبلوماتهم» ويلاحظ رئيس جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية أن «هذه الظاهرة لم تشمل فقط المهندسين العاطلين، بل امتدت إلى آخرين يعملون إما في القطاع الخاص أو العمومي، وتمس عدة تخصصات وخريجي عدة معاهد».

وتؤكد بعض الإحصائيات (ü) أن النظام التعليمي المغربي يخرج كل سنة نسبة من المهندسين لا تتعدى 200 فرد، وأن حاجيات المقاولات المغربية تقدر ب 800 إلى حدود 2005، وهو ما يعني أن مدارس المهندسين المغاربة تجد صعوبة في تغطية الحاجيات الداخلية لبلدنا، فكيف بها الآن والدول الأوروبية والأمريكية تتلقف خريجيها بمجرد حصولهم على ديبلوماتهم، إن لم نقل أنها تترصدهم حتى قبل التخرج.

أما على المستوى الدولي، فإن الحاجة إلى مهندسي المعلوميات والتكنولوجيات الجديدة أكثر إلحاحا، حيث تقدر حاجة الدول الأوروبية بـ 1,2 مليون مهندس خلال السنوات الخمس المقبلة، وقد بلغت حاجة الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام واحد فقط 750,000 مهندس، هذه الحاجة الماسة إلى الأدمغة المعلوماتية دفعت الدول المحتاجة (وخصوصا فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية) إلى تسهيل إجراءات الهجرة إليها لمن ترى فيهم ضالتها وكنزها المفقود، هذه التسهيلات ـ حسب إحصائيات غير رسمية ـ أدت إلى مغادرة ما يناهز 200 مهندس أسبوعيا نحو الضفة الأخرى، مما «جعل المؤسسات العمومية والأبناك  والمقاولات وحتى الشركات المتخصصة تفقد يوميا خبراءها.. وقد يكون المغرب فقد أكثر من نصف خبرائه مع نهاية سنة 2000»، يقول الأستاذ عبد العزيز رباح.

 

2 ـ أسباب النزيف

أ) العولمة:

 تعتبر العولمة أم أسباب ظاهرة هجرة الأدمغة، وذلك بما تعنيه من تقدم تكنولوجي وفتح للحدود وتقليص للمسافات، هذه الظاهرة في نظر الدكتور مصطفى الزاوي (أستاذ باحث في كلية العلوم بالرباط ورئيس ديوان كاتب الدولة في البحث العلمي) «ليست وطنية بقدر ماهي كونية، وقد تنامى مفعولها منذ انهيار المعسكر الاشتراكي والتهجير الكبير للموارد البشرية والكفاءات العليا لدول أوربا الشرقية في مطلع التسعينات، ثم الطلب المتزايد على بعض التخصصات الاستراتيجية الجديدة لتكنولوجيات الاتصال والبيوتكنولوجيات على سبيل المثال لا الحصر».

أما الدكتور عبد الرحمان الفولاذي، وهو أحد الأطر المغربية التي غادرت البلد إلى كندا للتدريس بإحدى الجامعات هناك، فإنه يرى أن: «الهجرة حل في زمن أصبحت فيه الحدود الجغرافية تفقد معناها بسبب العولمة» وهو بالإضافة إلى هذا، يفسر ظاهرة هجرة الأدمغة بكون «الساكنة الشابة يفوق عددها قدرات المغرب الحقيقية، ولهذا فمن الطبيعي أن يكون له فائض في الطاقات الثقافية...».

ويعود الدكتور مصطفى الزاوي ليؤكد أن "الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة الهجرة لدى الفئات العلمية والتكنولوجية المتوسطة والعليا تكمن أساسا في الهوة بين العرض والطلب في المجتمعات المتقدمة على هذه التخصصات الاستراتيجية، الشيء الذي جعل السلطات العمومية في الدول الغربية تتبنى استراتيجيات لجلب واستجلاب هذه الكفاءات، وتمظهرت هذه الاستراتيجيات عبر تبسيط المساطر للحصول على الفيزا والإقامة في هذه الدول، تلبية لحاجة السوق الداخلية للشغل في هذه البلدان، من جراء احتدام التنافسية التحديثية لوسائل الإنتاج والتسويق واكتساح الأسواق الدولية التي هي في طور التحرر من القيود الجمركية... فهجرة الأدمغة هي في آخر المطاف رد فعل لعدم الجاذبية التي تطبع الأنظمة الإنتاجية في البلدان النامية، من جهة، وقوة التنافسية التي تطبع مثيلاتها في الدول الغربية أساسا».

ب ـ ظروف عمل غير مشجعة:

يجمع الفاعلون والمتتبعون لهذه الظاهرة على أن ظروف العمل بالمغرب لا تشجع الطاقات العلمية على الإبداع والتألق، بل إنها بالمقابل تكبل نشاطها وتمنع مبادراتها وتحد منها، ناهيك عن استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية، مما يزيد الوضع ترديا يوما بعد يوم، وهو ما يعزوه الأستاذ عبد العزيز رباح إلى "ضعف في التوجه والتأطير، وإلى غياب إطار ملائم لاحتضان هذه الخبرات وتشجيعها، وكذا إلى ضعف الحوافز والتشجيعات المادية...».

ويعبر عن ذلك الأستاذ محمد الشاوي (رئيس جمعية مهندسي المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم ENSIAS) بشكل أكثر وضوحا، حيث يرجع أسباب هجرة الأدمغة إلى "عدم استجابة ظروف العمل في ميدان تكنولوجيا الإعلاميات لتطلعات الشباب حاملي الديبلومات في هذا القطاع، إذ ينتظرون ويطمحون إلى العمل في محيط يعينهم على الإبداع التكنولوجي... إلا أن الظروف في المغرب ـ يضيف الأستاذ محمد الشاوي ـ ليست كذلك حيث العمل بوسائل متجاوزة وضمن بنيات سيئة التنظيم».

ويربط الأستاذ الشاوي هذه الوضعية بـ "غياب التكوين المستمر، خصوصا وأن ميدان تكنولوجيا المعلوميات ميدان متجدد باستمرار، ومن شأن من لا يطلع على الجديد فيه أن يتخلف عن الركب". ويضاف إلى ذلك: «فقدان الثقة في البلد، فالكثير ممن هاجروا فقدوا كل أمل في إصلاح الأوضاع بالمغرب، وخصوصا أولئك الذين يختارون كندا، حيث يتوجهون إليها لأجل الحصول على الجنسية، هذا بالإضافة إلى المشاكل السياسية التي يعرفها بلدنا، وخصوصا ما له علاقة بالحريات العامة». وتبقى الأجور الهزيلة بالنسبة إلى الأستاذ محمد الشاوي «سببا ثانويا بالنظر إلى علاقة الأجور بتكلفة العيش، فهذه الأخيرة مرتفعة في البلدان المهاجر إليها

أما الأستاذ محمد بنشعبون (مدير قسم النظم الإعلامية بالبنك الشعبي المركزي) فيرى أن ضعف الأجور والتعويضات سبب رئيسي في هجرة الأدمغة حيث إن: «الأجور المعروضة على أدمغتنا في الخارج تضاعف الأجور المفروضة عليهم في المغرب بمعدل يصل إلى 2,5 مرة، وهذا ما يجعل أطرنا تحلم بالعيش في أوروبا حيث الظروف المشجعة والمغرية، ليس فقط على مستوى الأجور والتعويضات، ولكن أيضا على مستوى محيط العمل الذي يعتبر في أروبا أكثر تشجيعا وتكوينا بالنظر إلى أهمية المشاريع، واستعمال آخر التكنولوجيات، بالإضافة إلى جودة التأطير، وهذه الشروط مجتمعة تساعد على تألق المهندس.»

وهذا ما يعبر عنه أيضا بصيغة أخرى الأستاذ عبد الرحمن الفولاذي (أستاذ جامعي بكندا) حيث .يقول: «لا يجب أن ننسى أن الخبراء المغاربة لا يجدون في بلدهم مناصب توافق تكوينهم، وليس هناك استثمار في الميادين التكنولوجية التي هي محتاجة إلى خبرات وتخصصات هؤلاء الخبراء».

وهذه الأسباب مجتمعة يلخصها الأستاذ خالد الحريري (رئيس جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية) في قوله: «هذه الأسباب تتوزع على ثلاثة مستويات:

ـ المستوى المادي: أي كل ما له علاقة بنظام الأجور والتعويضات في علاقته بمستوى العيش في المغرب... حيث هناك مجموعة من الضروريات التي يفرضها المحيط وتفرضها طبيعة عمل المهندس أو الخبير (المسكن اللائق ـ النقل المريح، الترفيه، الهاتف...).

ـ المستوى الثاني، هو مستوى العلاقات في محيط العمل، إذ يجد المهندس أو الإطار نفسه محاصرا بالتعليمات والخطوط الحمراء، بالإضافة إلى المعاملة السيئة، مما يكبل قدراته الإبداعية ويشلها، دون أن ننسى أن ظروف العمل ليست مشجعة..»

ـ المستوى الثالث: له علاقة بالمحيط المجتمعي المغربي ككل، حيث إن الشباب لم تعد لهم ثقة في بلدهم، وفقدوا كل أمل في التغيير، ولم يعودوا يفكرون في مستقبلهم فقط، بل أيضا في مستقبل أبنائهم، وبالتالي فهم يفضلون الهجرة إلى دول تعترف بالإنسان وتحترم قواعد الحياة والعمل.

3 ـ التأثير والانعكاس

مما لاشك فيه أن هجرة نوعية كهذه، وأن نزيفا ينخر النخبة العلمية والتكنولوجية للبلاد، ستكون له أبشع النتائج وأقبح الانعكاسات على المغرب، وبالمقابل سيجعل الدول المستقبلة لأطرنا وخبرائنا تسير نحو الأحسن فيما نسير نحن نحو التقهقر والانحدار، «فتكوين مهندس في مؤسسات تكوين الأطر بالمغرب ـ يقول الدكتور مصطفى الزاوي ـ يتطلب سنويا مبالغ مالية تتراوح ما بين مائة ألف درهم (10 ملايين سنتيم) وثلاثمائة ألف درهم (30 مليون سنتيم) حسب الاختصاصات وحسب المعاهد العليا، هذا زيادة على المجهود الذي تقوم به الدولة والأسرة .والمجتمع عموما منذ المدرسة الأولية والابتدائية إلى أن يلج الطالب أو الطالبة المعاهد العليا، فكل هذا الاستثمار من المستحسن أن ينتفع به النسيج الإنتاجي المحلي بكيفية مباشرة وغير مباشرة عوض أن توظفه جهات أجنبية لمصالحها».

ويوضح الأستاذ محمد بنشعبون هذه الفكرة أكثر معتبرا أن «هجرة إعلامي مغربي نحو الخارج يشكل إفقارا لبلدنا، وهذه العقول يحتاج إليها المغرب أكثر من أي وقت مضى ويضيف قائلا: «يمكن تلخيص انعكاسات هذه الظاهرة على بلدنا في نقطتين:

ـ عوض أن يصدر المغرب القيمة المضافة التي تنتجها عقوله وأدمغته، فإنه يصدر هذه العقول والأدمغة لتساهم في تنمية بلدان أخرى.

ـ هجرة الأدمغة المتخصصة في المعلوميات، ستدفع المقاولات المغربية التي هي في أمس الحاجة إلى هذه التخصصات إلى الاستنجاد بالخبراء الأجانب مع العلم أن هذه العملية لن تكون مضمونة النتائج».

وعلى مستوى آخر فإن «هذه الهجرة ـ حسب الأستاذ محمد الشاوي ـ ستفوت على بلدنا واحدة من أكبر الفرص في تاريخه لتحقيق التقدم، ذلك أن كل قطاعاتنا الاقتصادية في حاجة إلى مختصين في الإعلاميات لتطويرها وإعدادها للمنافسة الدولية، ناهيك عن أن كثيرا من الاستثمارات الأجنبية في مجال الإعلاميات ربما ستغادر المغرب بسبب هجرة اليد العاملة المتخصصة وخصوصا الاستثمارات التي تقوم بها شركات مثل "ألكاتيل" و"طومسون" و"يوبي سوفت"... بل   الأكثر من ذلك، قد تهاجر شركات مغربية.»

أما على مستوى الدول المستقبلة لهذه الهجرة، فيرى الأستاذ خالد الحريري: «أنها هي الرابح الأول والأخير، حيث تجد طاقات جاهزة لا تنفق عليها أموالا ولا أوقاتا، ولا تسخر من أجلها تجهيزات، كما أنها بهذا الاستقطاب ـ يضيف الأستاذ الحريري ـ توفر لمقاولاتها فرصة التطوير والإبداع في ميدان تكنولوجيا المعلوميات، وبالتالي تعيد تصدير الخبرات والمعلومات إلى الدول التي استوردتها منها».

وبصفة عامة، يلخص الأستاذ عبد العزيز رباح هذه الانعكاسات حيث: «يمكن القول بأن هذا النزيف سيحول دون ولوج المغرب مجتمع الإعلام والمعرفة القائم أساسا على توظيف التكنولوجيا الحديثة والمعلومة بكل تجلياتها، ويشكل فيه الرأسمال البشري، أي الخبرات العلمية والتقنية العنصر الأساس... وسيكون المغرب أمام مشكلتين كبيرتين:

ـ تقلص عدد الخبراء على الصعيد الوطني يضعف من قدرة بلادنا على الإنتاج في قطاع التكنولوجيا الحديثة والخدمات المرافقة لها، مما يضيع فرصة المساهمة في الاقتصاد العالمي وجلب الاستثمارات الكبرى وإنشاء وتشجيع الشركات المتخصصة ورفع الصادرات في هذا القطاع.

ولن تتمكن بلادنا ثانيا، من استكمال وتطبيق البرنامج الوطني لتعميم استعمال هذه التكنولوجيا في كافة الميادين: كالتعليم والإدارة والاقتصاد والصحة والسياحة والثقافة... إلخ، مما يعني تعثر برنامج التأهيل الوطني والإصلاحات الضرورية، واستمرار الأمية التكنولوجية.

 4 ـ ما العمل؟

يظهر بشكل جلي ولا مراء فيه مدى فداحة الخطب، وعظم الخطر الذي يتهدد بلدا رأسماله الأساسي ثروته البشرية، وأدمغته المبدعة، ورأينا من خلال ما سبق ذكره، أن هجرة الأدمغة تجعلنا نسير إلى الوراء عوض استشراف آفاق المستقبل والانخراط في ركب التقدم العالمي.

فما العمل إذن للحد من هذه الهجرة المستنزفة؟ وما السبيل إلى استثمار طاقاتنا وخبراتنا، سواء تلك التي غادرت الوطن، أو تلك التي مازالت مرابطة رغم الصعاب؟

يجمع كل الفاعلين والخبراء في ميدان تكنولوجيا المعلوميات والاقتصاد الجديد، الذين اتصلنا بهم واستفسرناهم في الموضوع، على التدابير التالية لتجاوز الأزمة والتخلص من آثار هجرة الأدمغة:

ـ الرفع من عدد الخريجين بنسبة تستجيب للطلب الوطني وكذا الدولي، حيث يكون المغرب حاليا ما بين 200 و240 مهندسا كل سنة، وعليه مستقبلا أن يتجاوز على الأقل عتبة 2000 مهندس سنويا، كما أن مدارسنا تكون حوالي 2000 إطار سنويا (ما بين مهندس وغيره من التخصصات وعليها أن تسعى لتكوين عدد لا يقل عن 10.000 إطار سنويا (üü).

ـ اعتماد تكوين تكميلي وتحويلي، وذلك بإخضاع أطر من تخصصات أخرى (خصوصا حاملي الشهادات المعطلين) لتكوين يحول اهتماماتهم وطاقاتهم إلى ميدان تكنولوجيا المعلوميات.

ـ تطوير المؤسسات القائمة وإنشاء مؤسسات جديدة.

ـ تشجيع مؤسسات القطاع الخاص.

ـ مراجعة نظام الأجور والحوافز، وكذا موقع المعلوميات والتكنولوجيات الحديثة داخل المؤسسات العمومية، وذلك بإعطائها الأولوية.

ـ تطوير الفضاء العام داخل الشركات والمؤسسات الوطنية المتخصصة حتى تتمكن من الاحتفاظ بخبراتها.

ـ إعادة النظر في شروط وظروف العمل في بلدنا حتى تصبح جذابة ومقنعة وتستجيب لشروط العيش الكريم.

ـ خلق قنوات للشراكة والمناولة بين الشركات الوطنية والشركات الأجنبية.

ـ الاستفادة من الخبرات المهاجرة بخلق إطار للتواصل معها (شبكات ـ بورصات ـ مواقع في الإنترنيت، ملتقيات سنوية بالمغرب وجهوية بالبلدان المستقبلة...).

ـ خلق وظيفة داخل السفارات المغربية بالخارج تعنى بالاقتصاد الجديد والتقنيات المعلوماتية.

ـ تشجيع الخبرات الوطنية التي تستثمر في الخارج أو تحتل مواقع متقدمة في الشركات العالمية الكبرى على الاستثمار في المغرب.

هذه نظرة وتشخيص واقتراحات الأطر الفاعلة في ميدان يعتبر القلب النابض للاقتصاد العالمي، والكنز المستقبلي الذي لا محيد عنه لأي بلد يريد ولوج الألفية الثالثة والانخراط في دورتها، تشخيص للأزمة ولخطورة النتائج، واقتراحات للحلول المطلوبة، فهل فكرت الحكومة في تطبيق هذه الحلول؟ وماذا أعدت من ذلك؟ وهل تتوفر على الإرادة السياسية والشجاعة الأدبية لقهر الصعوبات التي تحول دون ذلك؟ وما دور إعلامنا والمجتمع المدني في التحسيس بخطورة هذا الوضع وفي تعبئة الالتزام مع الوطن سواء لدى "الأدمغة" العاملة في المغرب أو لدى "الأدمغة المهاجرة".

هذه بعض الأسئلة التي على المجتمع المغربي بكل فئاته أن يطرحها وأن يهيئ الأجوبة المناسبة حولها. «

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  إحصائيات نشرتها جريدة L' économiste مؤخرا حول الموضوع.

**  إحصائيات أدلى لنا بها السيد خالد الحريري رئيس جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية.